الجهة الخامسة فی صیرورة الواجب المشروط مطلقاً بتحقّق شرطه
هل الواجب المشروط بعد تحقّق شرطه، ینقلب إلی الواجب المطلق، أم هو باقٍ علیٰ مشروطیّته؟
ومبنیٰ هذه المسألة: هو أنّ الشرط الظاهر فی أنّه واسطة فی ثبوت الحکم للموضوع حدوثاً، یورث دخالته بقاء، ویکون الحکم دائراً مدار الشرط فی الحدوث والبقاء، حتّیٰ لایمکن أن یکون حافظاً لبقاء الشرط، وموجباً للتحفّظ علیه علی المکلّف، أم لا؟
أو إن شئت قلت : مبنیٰ هذه المسألة؛ هو أنّ الشرط فی القضیّة الشرطیّة، هل یرجع إلیٰ عنوان الموضوع، فیکون مع بقاء الموضوع فعلیّاً، ولکن یجوز إعدام الموضوع؛ لعدم إمکان تعلّق الحکم بنحو یورث حفظ الموضوع ، أم لا؟
مثلاً : إذا ورد جملة «إن سافرت فقصّر» فإن قلنا: بأنّ السفر علّة حدوث القصر فقط، فعلیه التقصیر وإن انعدم السفر؛ لأنّه واسطة ثبوت الحکم للمکلّف، وعلیه یترتّب حکم من قال: بأنّ المناط فی القصر والإتمام أوّل الوقت، وتفصیله فی الفقه، وعلیٰ هذا یصیر الواجب المشروط واجباً مطلقاً.
وإن قلنا : بأنّ السفر علّة الحکم حدوثاً وبقاءً، فیرتفع بانعدام السفر، ولا معنیٰ لکون الحکم حافظاً لعلّته؛ للزوم کون المعلول علّةَ علتِه، وهذا واضح البطلان.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 91 وهکذا إذا قلنا: بأنّ جملة الشرط تصیر عنواناً للموضوع، فیکون القضیّة بتّیة وهی: «أنّ المکلّف المسافر یقصّر» وعند ذلک أیضاً فالقضیّة وإن کانت بتّیة، ولکنّها فی حکم الشرطیّة؛ لبقاء الوجوب المشروط علیٰ مشروطیّته، ولایصیر مطلقاً.
إن قلت : الحیثیّات التعلیلیّة ترجع إلی الحیثیّات التقییدیّة، فتکون النتیجة بقاء الوجوب المشروط بحاله.
قلت : ما هو المشهور فی محلّه هو رجوع الحیثیّات التعلیلیّة إلی التقییدیّة فی الأحکام العقلیّة، لا الأحکام الاعتباریّة والتشریعیّة.
مثلاً : إذا قلنا: «بأنّ الغصب قبیح؛ لأنّه ظلم» یرجع هذا التعلیل إلیٰ أنّ ماهو القبیح بالذات هو الظلم، والغصب المقیّد بالظلم قبیح بما أنّه ظلم، بخلاف ما إذا قلنا: «بأنّ الغصب حرام، والخمر حرام؛ لأنّه ظلم» أو «لأنّه مسکر» فإنّ هذا التعلیل باقٍ فی الاعتبار علیٰ علّیته، فیکون ماهو الموضوع للحکم بالحرمة عنوان «الغصب» و«الخمر» لا عنوان «الظلم» و«المسکر» ولا عنوانهما المقیّد بهما، حتّیٰ یکون قید الموضوع.
إذا علمت ذلک، فالذی لاینبغی الارتیاب فیه: هو ظهور القضیّة الشرطیّة فی أنّ الشرط دخیل فی الحدوث، ویکون واسطة فی الثبوت، من غیر وساطة الموضوع فی ذلک. ولو کان یرجع إلیٰ عنوان الموضوع، فلایبقیٰ ذلک الظهور بحاله؛ لاحتمال مدخلیّة الموضوع المرکّب فی الحکم.
فإذا قال المولیٰ: «أکرم زیداً العالم» فیحتمل دخالة زید فی الحکم إجمالاً، ویکون الاحتمال قریباً عرفاً، بخلاف ما إذا علّقه علی العلم، فإنّه أقویٰ فی دخالته فی الحکم وعلّیته له، ولذلک اشتهر أقوائیّة ظهور القضیّة الشرطیّة فی المفهوم من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 92 القضیّة المقیّدة.
ثمّ إنّه لو أمکن إرجاع القید والشرط إلی الموضوع، یلزم جواز إعدامه کما عرفت، وهذا ممّا لایمکن الالتزام به فی مثل قوله تعالیٰ: «وَلله ِ عَلَی النّٰاسِ حِجُّ الْبَیْتِ» لعدم جواز إعدام موضوعه بعد تحقّقه.
ولو کان هذا مثل ذلک، فیکون تبدیل العنوان جائزاً، فإذا قال: «المستطیع یحجّ، وغیر المستطیع لایحجّ» فهو کقوله: «المسافر یقصر، والحاضر لایقصر» مع أنّه لایجوز بعد فعلیّة الموضوع ـ فی مثل الحجّ ـ إعدامه، ولیس ذلک إلاّ لأجل أنّ الاستطاعة لیست قید الموضوع. ولاینبغی توهّم الفرق بین المثالین؛ ضرورة أنّه بعد دخول الوقت، وتنجّز الحکم علیه، یجوز تبدیل العنوان.
ثمّ إنّ القضیّة الشرطیّة، لیست إلاّ ظاهرة فی دخالة الشرط فی الجملة، فانتفاء الحکم فی جملة الجزاء بانتفاء الشرط ممنوع، کما تقرّر فی مباحث المفاهیم، ولذلک یجب الحجّ متسکّعاً، وتفصیل البحث من هذه الجهة، یطلب من المباحث الآتیة فی المفاهیم، وینقلب الوجوب المشروط إلی الوجوب المطلق بعد تحقّق الشرط.
وإن شئت قلت : الواجبات المشروطة مشروطة دائماً، إلاّ أنّها تصیر منجّزة بعد تحقّق الشرط، وتکون منجّزة دائمیّاً، إلاّ إذا قامت القرینة علی أنّ الشرط واسطة فی العروض، فتدبّر.
ولو شکّ فی ذلک، فقضیّة الاستصحاب هو بقاء الحکم الثابت قبل زوال الشرط، کما لایخفیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 93