المرحلة الاُولیٰ فی الضدّ العامّ
هل أنّ طلب الشیء أو الأمر به، یقتضی الزجر والنهی عن ضدّه العامّ ـ وهو نقیضه أو ما فی حکمه ـ أم لا؟
أو یفصّل بین الضدّ العامّ الوجودیّ فلا، وبین العدمیّ فنعم؟
وغیر خفیّ : أنّ الذی کان ینبغی ، هو تقدیم هذا البحث علیٰ مسألة الضدّ الخاصّ؛ وذلک لأنّ من مقدّمات براهینه الآتیة اقتضاءه الضدَّ العامَّ، کما أنّ من مقدّماته وجوب المقدّمة شرعاً، وحیث فرغنا عن مسألة وجوب المقدّمة، فلابدّ من البحث عن اقتضاء الضدّ العامّ؛ حتّیٰ ندخل فی البحث الآتی من غیر الاحتیاج إلی المدخل الموضوعیّ.
فنقول : الأقوال فی هذه المسألة کثیرة؛ فقول بأنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ، وقول بالتضمّن، وقول بالالتزام بالمعنی الأخصّ، وقول
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 305 بالمعنی الأعمّ، وقول بعدم الاقتضاء.
والأخیر هو الأوفق بالتحقیق، ولعمری إنّ المسألة واضحة وإن حکی عن جمع: أنّ اقتضاءه من الأمر المفروغ عنه، وإنّما الخلاف فی کیفیّة الاقتضاء والدلالة.
وبالجملة : من توهّم العینیّة، فکأنّه کان لأجل أنّ حقیقة النهی عبارة عن طلب ترک الشیء، فإذن یکون معنیٰ «لاتترک الصلاة» أی أطلب منک ترک ترک الصلاة، وهو عین قوله: «صلّ» وإذا کان مراده من «العینیّة» هی العینیّة المصداقیّة، أو العینیّة فی المبادئ، أو العینیّة فی المصالح والملاکات، کان لما أفاده وجه، وإلاّ فهو ساقط، وعلیٰ قائله العقول ساخطة.
وهکذا من توهّم التضمّن، فکأنّه أراد منه أنّ حقیقة الأمر هی طلب الشیء، مع المنع من الترک، فینحلّ قوله: «صلّ» إلیٰ طلب الصلاة، والنهی عن ترکها.
ویتوجّه إلیه : ـ مضافاً إلیٰ ما فی الکتب المفصّلة ـ أنّ عنوان البحث أعمّ من الأمر الوجوبیّ، وبناءً علیٰ مسلکه یخرج الأمر الندبیّ عن حریم النزاع، وهو
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 306 خلاف التحقیق.
ثمّ إنّ القائل بالعینیّة والتضمّن، لایرید الاتحاد فی المفاهیم التصوّریة؛ فإنّه لایقول به الجنّ ولا الإنس، بل مقصوده لزوم ترشّح الإرادة من الکراهة وبالعکس، کما فی مسألة مقدّمة الواجب، وقد فرغنا من ذلک تفصیلاً؛ أنّ حدیث لزوم الترشّح، غیر راجع إلیٰ محصّل حتّیٰ مع الالتفات والتوجّه، فضلاً عن الغفلة والذهول، فعلیٰ هذا یسقط القول بالاستلزام بکلا معنییه أیضاً.
والمسألة لاتحتاج إلیٰ مزید بیان وتجشّم استدلال؛ ضرورة أنّ الألفاظ تابعة فی الدلالة لوضعها، ولا شبهة فی أنّ لفظة «النهی» و «الترک» و «ترک الترک» لاتدلّ إلاّ علیٰ حدود الموضوع له، وکذلک لفظة «الأمر» و «الصلاة».
وغیر خفیّ : أنّ من یقول بالاقتضاء بأیّ معنیً من معانیه، لابدّ له من أن یقول: بأنّ النهی عن الشیء یقتضی الأمر بضدّه العامّ؛ وهو ترک شرب الخمر، فإذن یلزم التسلسل؛ لأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی، والنهی یقتضی الأمر... وهکذا، فإذا انقطعت السلسلة فی الأثناء، فلنا أن نقول بانقطاعها من الأوّل، فلا اقتضاء رأساً.
ومن العجب تعرّض الأصحاب تفصیلاً لهذه الأقوال، مع أنّها لاتحتاج إلیٰ مزید بیان فی الإبطال.
وبعبارة اُخریٰ : أخذ بعضهم فی البحث هنا جدّاً، مع أنّه بالمزاح أولیٰ وأقرب، والله المستعان.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 307