تذنیب : فی تصوّر المزاحمة بین الواجب والحرام وعلاجها
کما یتصوّر المزاحمة بین دلیلی الواجبین، یتصوّر المزاحمة بین الحرام والواجب.
مثلاً : إذا آجرت الحائض نفسها لکنس المسجد فی یوم الخمیس، ثمّ بعد عقد الإجارة حاضت، فإنّها یحرم علیها الدخول، ولاتتمکّن من امتثال التکلیفین: التحریمیّ، والوجوبیّ ؛ ضرورة أنّ الأوّل یقتضی دخول المسجد، والآخر یقتضی حرمته ومنعها منه، فیتزاحم دلیل الحرمة مع دلیل الوفاء بالعقد، فلابدّ من العلاج، وعلاجه ـ حسب ما تحرّرـ صحّة عقد الإجارة عند البناء علی العصیان والتخلّف.
إن قلت : قضیّة النصّ والفتویٰ اشتراط صحّة عقد الإجارة بکون المنفعة محلّلة؛ فـ «إنّ الله تعالیٰ إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه» فلاتقع الإجارة صحیحة من رأس، فإذا حاضت یستکشف عدم انعقاد العقد المزبور، فلیست هذه المسألة من صغریات کبری التزاحم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 363 قلت أوّلاً : إنّ المحرّم هو دخول المسجد والمکث فیه، ومورد الإجارة هو الکنس، والکنس لیس مورد النهی وعلیٰ هذا تقع صحیحة، ویحصل المحذور العقلیّ القابل للعلاج، فتأمّل.
وثانیاً : ما اشتهر من أنّ إجارة النفس وإیجارها من الإجارة المصطلحة، ممنوع عندنا، بل حقیقة هذه الإجارة غیر إجارة الأعیان، ولایکون ثمرة العقد إلاّ اشتغال الذمّة بالأداء، فلایکون ثمن العقد مقابل منفعة؛ حتّیٰ یکون محرّماً بمحرّمیة المنفعة والمثمن. وقد تحرّر منّا فی محلّه: احتمال اختصاص القاعدة بالبیع دون غیره.
وثالثاً : إذا قلنا بأنّ الحرمة هی الاعتبار الحاصل من إنشاء الزجر، فهی تنتفی بالبناء علیٰ دخول المسجد، حسب ما تحرّر منّا، فلا حرمة حتّیٰ یتحقّق صغری القاعدة الفقهیّة؛ وهی «إنّ الله إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه».
اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّ مقتضیٰ ذلک سقوط القاعدة کلاًّ، فیعلم منه أنّ المبغوضیّة کافیة لبطلان العقد، فلیتأمّل جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 364 وبالجملة : الغرض هو التنبیه علیٰ عدم انحصار صغریات کبری التزاحم بالواجبات، وعلیک أن توجد مثالاً آخر خالیاً عن هذه الشبهة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 365