ذنابة : فی اجتماع التزاحم والتعارض
ربّما تقع المزاحمة بین الدلیلین ، مع أنّهما بحسب الدلالة متعارضان.
مثلاً : إذا نذر أن یدخل مسجد الکوفة، ثمّ بعد ذلک نهاه عنه والده، فبناءً علیٰ ما هو المعروف فی باب النذر وإطاعة الوالد، أنّ مقتضی الأدلّة هو محرّمیة الدخول، ووجوبه، فیکون أحد الدلیلین متعارضاً مع الآخر فی الإنشاء والجعل، ویقع التکاذب بینهما؛ ضرورة أنّ الأمر بدخول مسجد الکوفة معارض للنهی عنه، ویکون من قبیل «أکرم العلماء» و «لاتکرم العلماء» ولکنّهم مع ذلک لایعالجون ذلک بعلاجات باب التعارض.
فإن قلنا : بتقیید صحّة النذر هنا؛ وأنّها مقیّدة بما إذا لم یکن فیه معصیة الله ، فلایصحّ النذر اللاّحق. وهکذا إذا قلنا: بأن «لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق» فإنّ مقتضاه عدم انعقاد الأمر اللاّحق.
وإن قلنا : بأنّ الأمر لیس کما اشتهر، فلابدّ من علاج باب التزاحم إذا وقعت صیغة النذر وأمر الوالد فی زمان واحد، أو وقع أمر الوالد ونهی الوالدة فی زمن واحد، فإنّ العبد یقع فی المحذور العقلیّ، فلابدّ من علاج باب التزاحم.
وأمّا الإشکال فی هذه الأمثلة : بأنّ کلّ ذلک من قبیل المتزاحمین
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 365 المشهورین؛ لأنّ المزاحمة تقع بین دلیل وجوب الوفاء بالنذر، ووجوب إطاعة الوالد، ولا شیء وراء ذلک، فهو ـ إن کان فی محلّه ـ خارج عن دأب المحصّلین؛ لأنّ المقصود التنبیه إلی الصور حسب اختلاف المذاهب والمسالک.
وبالجملة : بعد أمره ونهیها بالنسبة إلیٰ أمر واحد وعنوان فارد، یلزم کون الواحد مورد الأمر والنهی، وعلیه علاج باب التزاحم؛ بالأخذ بالأهمّ أوّلاً، وإلاّ فیکون ما بنیٰ علیه هو المأمور به، فإن احتاج إلی الأمر یصیر بالأمر صحیحاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 366