إیقاظ : فی إمکان تصحیح الصلاة مع ترک الجزء أو الشرط عمداً
لاشبهة فی أنّ المرکّب الاعتباریّ، یبطل بالإخلال بما یعتبر فیه؛ شرطاً أو شطراً، زیادة أو نقیصة، فإذا دلّ الدلیل علیٰ صحّته عند الاختلال، یستکشف منه أنّ ماهو الجزء أو الشرط، له الجزئیّة والشرطیّة فی إحدی الحالات، دون کلّها.
مثلاً : قضیّة القواعد الأوّلیة، بطلان الصلاة بالإخلال بما اعتبر فیها، وقضیّة قاعدة «لاتعاد» صحّتها مع الإخلال بکثیر من أجزائها وشرائطها، إلاّ خمسة منها مثلاً، ومقتضیٰ إطلاق تلک القاعدة صحّتها حتّیٰ مع الإخلال بها جهلاً وعمداً، فضلاً عن النسیان والغفلة حکماً أو موضوعاً، وعند ذلک یلزم الشبهة العقلیّة؛ وهی لغویّة أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط جزءً وشرطاً؛ ضرورة أنّ معنی الجزئیّة والشرطیّة، هو البطلان والفساد ولو فی حال من الحالات کالعمد.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 375 وأمّا الالتزام بصحّتها حتّیٰ مع الإخلال العمدیّ، فهو غیر معقول إلاّ برجوع تلک الأدلّة إلیٰ أنّها فی مقام إیجاب الشیء فی المرکّب کالقنوت فی الصلاة، ولایمکن الجمع بین الجزئیّة والشرطیّة وبین الصحّة.
أقول : قد التزم بذلک العلاّمة الورع التقیّ الشیرازیّ قدس سره وصدّقه الوالد ـ مدّظلّه فی محلّه؛ تخیّلاً «أنّ إشکال المسألة : هو أنّ ترک ما وجب فی الصلاة عامداً، یوجب عدم تحقّق الامتثال، الموجب للإعادة عقلاً مع بقاء الوقت، کما هو المتیقّن من مورد الروایة، والحکم بعدم الإعادة منافٍ لذلک» انتهیٰ ما فی رسالته المعمولة فی الخلل.
وأجاب قدس سره ـ بعد النقض ببعض أفعال الحجّ، حیث یقولون بصحّة الحجّ مع تعمّد ترک بعض أجزائه غیر الرکنیّة، وبالجاهل المقصّر فی حکم القصر والإتمام، والجهر والإخفات فی الصلاة ـ: «بأنّ من الممکن الالتزام بأمرین: أمر متعلّق بالأقلّ وهو الخمسة مثلاً، وأمر آخر متعلّق بتلک الأجزاء أیضاً، وبالأجزاء الاُخر المفروض وجوبها، فیتحقّق هناک أمران: أمر بالبعض، وأمر بالکلّ المشتمل علیٰ ذلک کلّه وغیره، نظیر ما إذا نذر الإتیان بالصلاة المشتملة علی الأجزاء المستحبّة، ونظیر الأمر الندبیّ فی الصلاة الندبیّة.
فإذا تحقّق تصویر ذلک، فلو أتیٰ بالصلاة، وأخلّ ببعض ما یعتبر فی الأمر الثانی، فلایمنع ذلک من الصحّة؛ وحصول الامتثال، وعدم وجوب الإعادة بالنسبة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 376 إلی الأمر الأوّل؛ لما فرض من عدم الإخلال بما یعتبر فیه، وإنّما أخلّ بما یعتبر فی الأمر الثانی، وذلک یوجب عدم الامتثال بالنسبة إلیه فقط، لا بالنسبة إلیٰ مجموع المرکّب.
لکنّه یسقط الأمران جمیعاً بالنسبة إلیه :
أمّا الأمر الأوّل : فلما فرض من تحقّق امتثاله.
وأمّا الأمر بالأکثر: فلعدم بقاء مورد له بعد سقوط الأمر الأوّل؛ لما فرض من أنّ مورده عین مورد الأوّل، مع إضافة زیادات من الأجزاء والشرائط إلیه، فبعد سقوط الأمر الأوّل، وعدم بقاء مورد له، لایبقیٰ مورد للأمر الثانی؛ لأنّ مورد الأمر الأوّل بعض مورد الأمر الثانی، وانتفاء الجزء موجب لانتفاء الکلّ. وذلک لاینافی کونه عاصیاً بالنسبة إلی الثانی، ومطیعاً بالنسبة إلی الأمر الأوّل» انتهیٰ بألفاظه الشریفة، مع رعایة الاختصار.
أقول : لولا جلالة شأنه لما کان وجه لنقل ما أفاده، مع ما فیه من الأنظار الواضحة حتّیٰ فی تنظیراته، ومع أنّ إشکال المسألة لیس ما ذکره؛ فإنّ تصویر الواجب فی الواجب لیس محتاجاً إلی العنایة.
وغیر خفیّ : أنّ المعضلة ما عرفت، وهی غیر قابلة للانحلال بذلک الوجه؛ ضرورة أنّ البعض والکلّ لایکونان متباینین، حتّیٰ یمکن تعلّق الوجوبین التأسیسیّـین المستقلّین بهما؛ للزوم کون الأقلّ مورد الأمرین التأسیسیّـین المستقلّین، وهو بمراحل عن الواقع. ومسألة الواجب فی الواجب أیضاً لیست من قبیل أمرین، أحدهما: متعلّق بالکلّ، والآخر: بالبعض.
وبالجملة : لو أراد إبطال الطبیعة الکلّیة دون الطبیعة الناقصة بتصویر طبیعتین، إحداهما: الأقلّ، والاُخریٰ: الأکثر، فلایعقل کون المکلّف مورداً لخطابین فعلیّین
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 377 عرضاً، أحدهما: متعلّق بالکلّ، والآخر: بالبعض، مع کونهما خطابین تأسیسیّین مستقلّین مستتبعین للعقاب والثواب.
فبالجملة : یمکن أن یقال : بأنّ اعتبار الجزئیّة والشرطیّة، باعتبار بطلان الطبیعة الکلّیة، دون أصل الطبیعة؛ أی هنا دائرتان: المحیطة، والمحاطة:
أمّا المحیطة، فهی بالإخلال تبطل.
وأمّا المحاطة، فلاتبطل إلاّ بالإخلال بالخمسة.
ولکنّه مجرّد فرض لابدّ من کونهما مورد الأمرین، وهو غیر معقول حسب الوجدان والعقل.
فإذا وصلت النوبة إلیٰ ذلک فلنا تصویر أمرین، أحدهما: متعلّق بالکلّ فی الابتداء، والآخر: لایتعلّق بشیء، ولایدعو نحو شیء فعلاً وقبل الصلاة، فإذا شرع فی الصلاة، وترک السورة مثلاً عمداً، یسقط الأمر الأوّل، ویتوجّه إلیه الأمر الثانی؛ لأنّ مطلوبه طولیّان أحدهما: الکلّ، والآخر: هی الخمسة، وهی الدائرة المحاطة. فإبطال الدائرة المحیطة والکلّ، لایستلزم بطلان الآخر، من غیرلزوم الأمرین العرضیّـین، وإذا کان بناؤه علیٰ ترک تلک الأجزاء، فیدعوه إلی الخمسة الأمر المتعلّق بها.
وبذلک ینتفی الإشکال العقلیّ. فمن علاج باب التزاحم، ربّما یستخرج بعض المسائل الاُخر، کما عرفت، فافهم واغتنم.
ولو أبیت عن الالتزام بالإشکال العقلیّ المزبور؛ إمّا لأجل الشبهة فی کبراه، أو لأجل الشبهة فی صغراه؛ بدعویٰ أنّ الأمر المتعلّق بالکلّ، غیر الأمر المتعلّق بطائفة من الأجزاء بحسب المتعلّق؛ فإنّ متعلّق الأوّل عنوان فانٍ فیه الأجزاء الرکنیّة وغیر الرکنیّة، ومتعلّق الثانی عنوان فانٍ فیه الأجزاء الرکنیّة، من غیر
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 378 کون العنوان المزبور ـ بحسب التفصیل ـ غیر الأجزاء، ولکنّه فی لحاظ الوحدة والکثرة مختلف معها، کما تقرّر فی محلّها.
فلنا أن نقول : إنّ الضرورة قاضیة بعدم وجود الخطابین الفعلیّین العرضیّین بالنسبة إلیٰ کلّ أحد، حتّیٰ یقال: بأنّ کلّ من یأتی بتمام الأجزاء وبالطبیعة المحیطة، یمتثل الأمرین، ویستحقّ الثوابین، ومن یترکها یعاقب عقابین.
نعم، علیٰ ما تصوّرناه لایلزم تلک التوالی؛ وذلک لأنّ من ضمّ الأمر المتعلّق بالکلّ إلیٰ إطلاق قاعدة «لاتعاد...» یستفاد أنّ المطلوب ذو مرتبتین؛ وأنّ المطلوب الأوّلی هو الطبیعة الکلّیة التی تبطل بترک الجزء العمدیّ، ولایلیق إتیان سائر الأجزاء غیر الرکنیّة؛ لأنّه بلا أثر، لبطلان الکلّ بترکه، والمطلوب المحفوظ بعد عصیان المطلوب الأوّل أو بعد البناء علیٰ ترکه، هو الطبیعة الناقصة المحاطة المتشکّلة من الخمسة مثلاً، وهی متعلّق الأمر الحادث، وتصیر صحیحة.
ولو تمّ هذه التوهّمات لترتّب علیها الفروع الکثیرة، ولعلّ قضیّة الجمع بین الشرطیّة والصحّة المطلقة فی الحجّ لأجل هذا، وإلاّ فلابدّ من الالتزام بعدم الشرطیّة؛ وبأنّه من قبیل الواجب فی الواجب، فتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 379