مقدّمـة
بسم اللّٰـه الرحمن الرحیم ، وبـه نستعین
الحمد للّٰـه ربّ العالمین ، والصلاة والسلام علی خیر خلقـه محمّد أشرف النبیّین ، وعلی آلـه الطیّبین ، ولعنـة اللّٰـه علی أعدائهم أجمعین إلی یوم الدین .
مقدّمـة
وبعد ، فلایخفی أنّ مباحث القطع لایکون خارجاً عن مسائل علم الاُصول کما قیل ؛ لعدم الفرق بینـه وبین الأمارات المعتبرة شرعاً ، التی یکون البحث عنها داخلاً فی علم الاُصول قطعاً .
وماذکره الشیخ قدس سره فی «الرسالـة» : من أنّ إطلاق الحجّـة علی القطع لیس کإطلاق الحجّـة علی الأمارات المعتبرة شرعاً ؛ لأنّ الحجّـة عبارة عن الوسط الذی بـه یحتجّ علی ثبوت الأکبر للأصغر ، ویصیر واسطـة للقطع بثبوتـه لـه ، کالتغیّر لإثبات حدوث العالم ، وهذا المعنی متحقّق فی الظنّ ، فیقال : «هذا مظنون الخمریـة ، وکلّ مظنون الخمریـة یجب الاجتناب عنـه» ، بخلاف القطع ؛ لأنّا إذا قطعنا بخمریـة شیء یقال : «هذا خمر ، وکلّ خمر حرام» ، ولایقال : «هذا معلوم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 369 الخمریـة ، وکلّ معلوم الخمریـة یجب الاجتناب عنـه» ؛ لأنّ أحکام الخمر إنّما تثبت للخمر ، لا لما علم أنّـه خمر .
فیرد علیـه : المنع فی مورد الظنّ أیضاً ، فإنّ وجوب الاجتناب مثلاً إنّما هو حکم لنفس الخمر ، لا للخمر المظنون ، کما هو واضح . فإن کان المراد بالحجّـة ما ذکره فإطلاقها علی الأمارات أیضاً ممنوع ، وإن کان المراد بها هی ما یحتجّ بـه المولی علی العبد ، ویصحّ لـه الاحتجاج بـه علیـه فهو متحقّق فی کلیهما ، کما لایخفی . ومجرّد کون حجّیـة القطع غیر مجعولـة ـ بخلاف الظنّ ـ لایوجب خروجها عن مسائل علم الاُصول .
إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّـه ذکر الشیخ قدس سره فی «الرسالـة» : أنّ المکلّف إذا التفت إلی حکم شرعی فیحصل لـه إمّا الشکّ فیـه أوالقطع أوالظنّ ، وظاهره ـ باعتبار أخذ الشکّ والظنّ فی التقسیم ـ أنّ المراد بالحکم الشرعی هو الحکم الشرعی الواقعی .
ولذا عدل عن هذا التقسیم فی «الکفایـة» ؛ نظراً إلی عدم اختصاص أحکام القطع بما إذا کان متعلّقاً بالأحکام الواقعیـة ، وعمّم متعلّق القطع .
ولکنّـه یرد علیـه : أنّ جعل حکم العقل باتباع الظنّ ـ لو حصل ، وقد تمّت مقدّمات الانسداد علی تقدیر الحکومـة ـ فی مقابل القطع ممّا لا وجـه لـه ؛ لأنّ المراد بالقطع الحاصل إن کان هو القطع التفصیلی فاللازم أن یکون البحث عن القطع الإجمالی فی باب أحکام القطع استطرادیاً ، وإن کان المراد الأعمّ منـه ومن الإجمالی فلا وجـه لجعل الظنّ المذکور مقابلاً لـه ؛ لأنّ حکم العقل باتباع الظنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 370 لیس لاعتباره بنفسـه ، بل منشأه العلم الإجمالی بثبوت التکالیف ، فوجوب العمل علی طبقـه إنّما هو لوجود الحجّـة القطعیـة الإجمالیـة ، وعدم إمکان تحصیل الموافقـة القطعیـة ، أو عدم وجوبـه ، کما لایخفی .
نعم ، یرد علی ما ذکره الشیخ من التقسیم التثلیثی إشکال التداخل ، فإنّ الظنّ إن قام دلیل علی اعتباره فهو ملحق بالعلم ، وإلاّ فملحق بالشکّ .
ولکنّـه اعتذر عنـه بعض المحقّقین ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ بأنّ عقد البحث فی الظنّ إنّما هو لأجل تمیّز الظنّ المعتبر الملحق بالعلم عن الظنّ الغیر المعتبر الملحق بالشکّ ، فلابدّ أوّلاً من تثلیث الأقسام ، ثمّ البحث عن حکم الظنّ ؛ من حیث الاعتبار وعدمـه .
ولکنّـه لایخفی أنّ تثلیث الأقسام لو کان توطئـة لما کان وجـه لتقیید مجری الاستصحاب بکون الحالـة السابقـة ملحوظـة ، فإنّ الظاهر أنّ هذا التقیید إنّما هو لأجل بیان المختار فی مجری الاستصحاب ، وسوق العبارة تقتضی کون التثلیث أیضاً وقع من باب بیان الحقّ ، لا مجرّد التوطئـة ، فتدبّر .
نعم ، یمکن التثلیث بوجـه آخر : وهو أنّ المکلّف إذا التفت إلی الحکم الشرعی الواقعی فإمّا أن یحصل لـه القطع بـه أو لا ، وعلی الثانی إمّا أن یکون لـه طریق شرعی أو لا ، وعلی الثانی یرجع إلی الاُصول العملیـة . وحینئذٍ فالظنّ الانسدادی ـ بناءً علی الحکومـة ـ من مسائل القطع ؛ لأنّـه أعمّ من القطع الإجمالی ، کما أنّ بعض مباحث الاشتغال إنّما یدخل فیـه أیضاً ، کما لایخفی .
ثمّ إنّ المراد بالمکلّف الذی یحصل لـه أحد الأقسام هو خصوص المجتهد ؛ إذ المراد من الالتفات هو الالتفات التفصیلی الحاصل للمجتهد ، ولا اعتبار بظنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 371 المقلّد وشکّـه ، فلایشملـه الخطابات الواردة فی أدلّـة اعتبار الطرق والأمارات ، مثل قولـه علیه السلام «لا تنقض الیقین بالشکّ» ؛ ضرورة أنّـه لایکاد یحصل للمقلّد الشکّ والیقین فی الشبهات الحکمیـة ، وعلی فرض الحصول فلا عبرة بهما ما لم یکن مجتهداً فی مسألـة حجّیـة الاستصحاب .
وکیف کان فقد ذکروا فی مقام بیان أحکام القطع وأقسامـه اُموراً :
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 372