الدلیل الثانی : الأخبار
هذا ، وقد استدلّ علی حجّیـة خبر الواحد بالأخبار الکثیرة ، وتقریب الاستدلال بها ـ کما أفاده فی «الکفایـة» وتبعـه فی «الدرر» ـ أنّ هذه الأخبار وإن لم یکن متواترة لفظاً ومعنیً إلاّ أنّها متواترة إجمالاً ؛ ضرورة أنّـه یعلم إجمالاً بصدور بعضها منهم علیهم السلام ، ومقتضی ذلک وإن کان حجّیـة خبر دلّ علی حجّیتـه أخصّها مضموناً إلاّ أنّـه یتعدّی عنـه فیما إذا کان بینها ما کان بهذه الخصوصیـة ، وقد دلّ علی حجّیـة ما کان أعمّ .
هذا ، ولکن لایخفی : أنّ ذلک مجرّد فرض ، وإلاّ فالظاهر أنّـه لایکون بین الأخبار ما کان جامعاً لشرائط الحجّیـة ، وکان مدلولـه حجّیـة خبر الواحد بنحو الإطلاق ، مضافاً إلی أنّ إثبات التواتر ـ ولو إجمالاً ـ مشکل ؛ لأنّ من شرط التواتر أن یکون متواتراً فی جمیع الطبقات ، مع أنّـه لیس الأمر فی المقام کذلک ؛ لأنّ هذه الأخبار کلّها مذکورة فی الجوامع الأربعـة للأعاظم الثلاثـة ، فینحصر الناقلون فیهم ، مع أنّ الواضح عدم ثبوت التواتر بقولهم . وأمّا غیرها من الجوامع فلم یثبت صحّـة إسنادها إلی مؤلّفیها علی نحو التواتر ، کالجوامع الأربعـة ، کما لایخفی .
هذا ، مضافاً إلی أنّ أخصّ تلک الأخبار مضموناً هو ما یدلّ علی إرجاع
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 483 السائل إلی زرارة فی تعلّم الأحکام ، وأخذ معالم الدین ، وهو یشتمل علی خصوصیتین : أحدهما کون من یؤخذ عنـه ذلک فقیهاً فی الدین کزرارة ، وثانیهما : أنّ الأخذ منـه إنّما هو من دون واسطـة .
ومن المعلوم : أنّـه لایمکن إلغاء شیء من الخصوصیتین ، وإن کانت خصوصیـة کونـه زرارة ملغاة قطعاً .
هذا ، ویمکن تقریب الاستدلال بالإخبار لحجّیـة خبر الواحد بوجـه آخر ، وهو أن یقال : إنّـه لا إشکال فی ثبوت بناء العقلاء علی العمل بخبر الواحد فی الجملـة ـ لو لم نقل بثبوتـه علی العمل بـه مطلقاً ، کما سنحقّقـه ـ وحینئذٍ فنقول : یوجد فی تلک الأخبار الکثیرة ما یدلّ علی حجّیـة خبر الواحد مطلقاً ، فإنّـه یثبت ببناء العقلاء حجّیـة ذلک الخبر الذی مدلولـه هو حجّیـة الخبر مطلقاً ، ولایلزم الدور ، ولایحتاج إلی إثبات التواتر ، کما هو واضح .
وهذا الخبر هو ما رواه الکلینی عن محمّد بن عبداللّٰـه الحمیری ومحمّد بن یحیی جمیعاً عن عبداللّٰـه بن جعفر الحمیری عن أحمد بن إسحاق قال : سألت أبا محمّد علیه السلام ، وقلت : من اُعامل ، وعمّن آخذ ، وقول من أقبل ؟
فقال : «العمری وابنـه ثقتان ، فما أدّیا إلیک عنّی فعنّی یؤدّیان ، وما قالا لک فعنّی یقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ، فإنّهما الثقتان المأمونان . . .» الحدیث .
فإنّـه لا إشکال فی کون مثل هذا السند العالی الذی یکون کلّ رواتـه مذکّی بتذکیـة عدلین ، بل عدول مورداً لبناء العقلاء قطعاً ، وحینئذٍ فیجب الأخذ بـه ، وبـه یثبت حجّیـة قول الثقـة المأمون مطلقاً ، کما لایخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 484