حول ما تردّد القید بین رجوعـه إلی المادّة أو الهیئـة
ولو شکّ فی رجوع القید ودار الأمر بین رجوعـه إلی الهیئـة أو المادّة ولم یکن فی اللّفظ ما یقتضی الرجوع إلی أحدهما معیّناً ، فقد قیل بترجیح تقیید المادّة وإبقاء إطلاق الهیئـة علیٰ حالـه ؛ لأنّ الإطلاق فی جانب الهیئـة یکون شمولیاً ، بخلاف جانب المادّة ؛ فإنّ إطلاقها یکون بدلیاً ، فإنّ قولک : أکرم زیداً إن جاءک ، لو کان القید فیـه راجعاً إلی المادّة یکون وجوب الإکرام ثابتاً علیٰ جمیع التقادیر التی یمکن أن یکون تقدیراً لـه ، کما أنّـه لو رجع إلی الهیئـة یکون صرف وجود الإکرام واجباً ، وهذا معنی الشمول والبدلیـة .
والظاهر أنّـه لو دار الأمر بین تقیید الإطلاق الشمولی والإطلاق البدلی ، یکون الترجیح مع الثانی ؛ لأنّ الإطلاق البدلی لایشمل الفردین فی حالـة واحدة کما لایخفیٰ .
أقول : ینبغی أن نتکلّم فی مقامین :
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 56 الأوّل : فیما ذکروه فی باب المطلق والمقیّد من معنی الإطلاق الشمولی والبدلی .
الثانی : فی جریان ذلک فی المقام علیٰ تقدیر صحّتـه وعدم جریانـه .
أمّا الکلام فی المقام الأوّل : فملخّصـه أنّ معنی الإطلاق ـ کما حقّق فی محلّـه ـ عدم کون الکلام مقیّداً بقید ، کما أنّ معنی المقیّد خلافـه ، وحینئذٍ فإذا تکلّم بکلام مع عدم التقیید بقید ، فیحمل علی أنّ مراده هو المطلق ؛ لأنّ التکلّم من الأفعال الاختیاریـة الصادرة عن المتکلّم کسائر أفعالـه الاختیاریـة ، فمع عدم التقیید یحمل علی الإطلاق ؛ لأنّـه لو کان مراده المقیّد ، یلزم علیـه التقیید بعد کونـه فاعلاً مختاراً غیر مکره ، ومعنی الإطلاق کما عرفت هو عدم التقیید ، فإذا قال : أعتق رقبـة ، ولم یقیّدها بالمؤمنـة ، فیحمل علی أنّ مراده هو طبیعـة الرقبـة بمعنیٰ أنّ مالَـه دخلٌ فی تحقّق غرضـه هی هذه الطبیعـة المطلقـة المرسلـة غیر المتقیّدة بقید أصلاً ، وحینئذٍ فما ذکروه من الإطلاق الشمولی لم یعلم لـه وجـه ؛ لأنّـه لیس فی الإطلاق بما ذکرناه من المعنیٰ شمول أصلاً ، فإنّ بین الشمول وبین کون الموضوع هی الطبیعـة مع عدم القید بون بعید فإنّـه فرق بین قولـه : أعتق کلّ رقبـة ، وقولـه : أعتق رقبـة ، فإنّ المطلوب فی الأوّل هو ما یشمل جمیع الأفراد ، بخلاف الثانی ؛ فإنّ المطلوب فیـه لیس إلاّ نفس الطبیعـة المرسلـة المحمولـة علی الإطلاق من حیث صدورها من الفاعل المختار غیر متقیّدة بقید لا من حیث دلالـة اللّفظ علیـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 57 وبالجملـة ، فلیس فی الطبیعـة المحمولـة علی الإطلاق شمول أصلاً ؛ فإنّ لفظ الإنسان لایحکی إلاّ عن نفس طبیعتـه ، واتّحادها مع الأفراد فی الخارج لایوجب کون اللّفظ موضوعاً بإزائها ، فإنّ مسألـة الوضع غیر مسألـة الاتحاد فی التحقّق ، فحمل لفظ الإنسان علیٰ إطلاقـه لایوجب إلاّ أن یکون المراد هی نفس طبیعتـه ، لا الشمول لأفراده بعد عدم کون اللّفظ موضوعاً بإزائها .
هذا فی الإطلاق الشمولی ، وأمّا الإطلاق البدلی : فکذلک ، غایـة الأمر أنّ البدلیـة تستفاد من دالّ آخر ، کالتنوین فی قولـه : أکرم عالماً ، فإنّ لفظ «العالم» لایدلّ إلاّ علیٰ طبیعتـه ، والتنوین یدلّ علیٰ وحدتـه ، وتفصیل الکلام فی محلّـه .
وأمّا الکلام فی المقام الثانی : فملخّصـه أنّـه ولو سلّمنا الإطلاق الشمولی بالمعنی الذی ذکروه ، فلا نسلّم جریانـه فی المقام أصلاً ؛ فإنّ مرجع الإطلاق الشمولی إلی الاستغراق ، ولایعقل تعلّق البعث التأسیسی بطبیعـة واحدة متکرّراً ، کما أنّـه لایعقل تعلّق إرادات متعدّدة بمراد واحد ؛ لأنّ تشخّص الإرادة إنّما هو بالمراد .
وبالجملـة ، فمرجع الإطلاق الشمولی فی جانب البعث إلی الأبعاث المتعدّدة ، ولایمکن أن یکون متعلّقها أمراً واحداً ، کما هو المفروض فی المقام .
ثمّ إنّـه لو سلّم جریان الإطلاق الشمولی فیما نحن فیـه ، فما المرجّح لإبقائـه علیٰ حالـه وتقیید الإطلاق البدلی ؟ بعدما عرفت من أنّ البدلیّـة تستفاد من دالّ آخر ، کالتنوین فی المثال المتقدّم فإنّ قولک : أکرم عالماً ، یحمل علی الإطلاق ؛ لعدم کون القید مذکوراً معـه بعد کون المتکلّم فاعلاً مختاراً ، وهذا بعینـه موجود فی الإطلاق الشمولی ، غایـة الأمر أنّ التنوین یدلّ علی البدلیّـة فی القسم الأوّل ، فلا ترجیح لتقیید أحد الإطلاقین علیٰ تقیید الآخر أصلاً ، کما لایخفیٰ .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 58