الجواب عن محذور تفویت المصلحـة
أمّا محذور تفویت المصلحـة والإلقاء فی المفسدة ، فیتوقّف علی الالتزام بتبعیـة الأحکام للمصالح والمفاسد فی المتعلّقات ، وبأنّ المجعول فی باب الأمارات نفس الطریقیـة المحضـة ، وإلاّ لم یلزم تفویت الملاک أصلاً .
وقد یقال ـ کما فی التقریرات ـ بتوقّفـه أیضاً علی کون باب العلم منفتحاً ، وأمّا فی صورة الانسداد فلایلزم محذور التفویت ، بل لابدّ من التعبّد بـه ، فإنّ المکلّف لایتمکّن من استیفاء المصالح فی حال الانسداد ، إلاّ بالاحتیاط التامّ . ولیس مبنی الشریعـة علی الاحتیاط فی جمیع الأحکام .
ولکن یرد علیـه : عدم اختصاص المحذور بصورة الانفتاح ، بل یجری فی صورة الانسداد أیضاً ، فإنّ التفویت والإلقاء یلزم من رفع وجوب الاحتیاط الذی یحکم بـه العقل ، وترخیص العمل علی طبق الأمارات ؛ ضرورة أنّـه لو لم یکن التعبّد علی طبق الأمارات ، ولم یرد من الشارع الترخیص فی رفع الاحتیاط لکان حکم العقل وجوب الاحتیاط فی جمیع الأطراف ، فلم یلزم فوت المصلحـة أو أخذ المفسدة ، کما لایخفی .
وکیف کان ، فالتحقیق فی الجواب أن یقال : إنّـه لابأس بالتفویت والإلقاء إذا
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 417 کانت مصلحـة التعبّد بالعمل علی طبق الأمارات أقوی ، کما أنّ الأمر کان کذلک فی زمان الانفتاح ؛ ضرورة أنّـه لو کان کلّ من الناس مکلّفاً بالمراجعـة إلی الإمام ، والسؤال من شخصـه یلزم بطلان أساس الشریعـة ؛ لأنّ مع عدم مراجعـة الشیعـة إلیهم إلاّ قلیلاً منهم کانوا علیهم السلام فی أعلی مراتب المحدودیـة من طرف الخلفاء الاُمویـة والعبّاسیـة ؛ بحیث لایمکن لهم بیان الأحکام إلاّ فی الخفاء بالنسبـة إلی أشخاص معدودة ، فکیف إذا کان تکلیف الشیعـة تحصیل العلم بالأحکام من طریق السؤال عن الإمام علیه السلام ؟
وحینئذٍ فیجوز للشارع أن یجعل الأمارات الغیر العلمیـة حجّـة ؛ نظراً إلی بقاء الشریعـة ، ومن المعلوم أنّ المصلحـة الفائتـة من عدم إیجابـه تحصیل العلم بالسؤال عنهم علیهم السلام بالنسبـة إلی جماعـة من المتشرّعین بها فانیـة فی مقابل مصلحـة بقاء الشریعـة ، کما هو واضح .
وأمّا فی زمان الانسداد فلا إشکال فی أنّ طریق تحصیل العلم ینحصر بالاحتیاط التامّ ، کما ذکرنا . والتفویت المتوهّم إنّما یلزم من عدم إیجاب الشارع ذلک الاحتیاط ؛ ضرورة أنّـه لوأوجبـه ـ کما هومقتضی حکم العقل ـ لم یلزم تفویت أصلاً .
فلنا أن نقول : إنّ عدم إیجاب الشارع یمکن أن یکون لأجل علمـه بأنّـه لو أوجب ذلک ، مع تعسّره ـ کما لایخفی ـ لکان الناس یرغبون عن أصل الشریعـه ، ویخرج الدین عن کونـه سمحـة سهلـة ، کیف فنحن نری بالوجدان أنّ فی هذا الزمان ـ مع سهولـة العمل بالأحکام ـ لایعملون بأکثرها ، کما لایخفی .
وقد عرفت : أنّ مجرّد الإمکان بمعنی الاحتمال یکفینا فی هذا المقام ؛ إذ لسنا بصدد إثبات الإمکان الوقوعی ؛ لعدم الاحتیاج إلیـه ، کما تقدّم .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 418