الفصل الأوّل فی تعریف المطلق
قد عرّف المطلق بأ نّـه ما دلّ علیٰ شایع فی جنسـه .
ولکنّـه مخدوش من وجوه کثیرة :
منها : أنّ ظاهره کون الإطلاق وصفاً لنفس اللّفظ مع أ نّـه من صفات المعنیٰ ، ضرورة أ نّـه یتّصف بـه المعنیٰ ولو لم یکن فی العالم لفظ فإنّ ماهیّـة الإنسان مطلقـة ولو لم یوضع بإزائها لفظ أصلاً فإنّها أمر شائع فی أفراده الذاتیـة ، ومعرّاة عن القیود والخصوصیات الوجودیـة المجامعـة مع کلّ واحد منها ، کما لایخفیٰ .
منها : أنّ اعتبار الشیوع فی الجنس إن کان قیداً للمدلول بما أ نّـه مدلول بحیث کان مرجعـه إلیٰ دلالـة اللّفظ علی الشیوع والسریان أیضاً ، فلیس فی العالم مطلق أصلاً ، ضرورة أنّ اللّفظ لایحکی إلاّ عن نفس الماهیّـة المطلقـة ، وکونها بذاتها شائعـة فی أفرادها ، ساریـة فی وجوداتها لا ارتباط لـه بدلالـة اللّفظ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 339 أصلاً ، کما هو واضح ، فلابدّ من أن یکون هذا القید وصفاً لنفس المعنیٰ مع قطع النظر عن کونـه مدلولاً للّفظ .
منها : أنّ مقتضی التعریف اختصاص الإطلاق بالمعانی الکلّیـة ، ضرورة أ نّها تکون شائعةً فی جنسها ، أی الأفراد المجانسة لها ، لا الجنس الاصطلاحی المنطقی ، وأمّا الاُمور الجزئیـة الغیر القابلـة للسریان فظاهره أ نّها لا تکون متّصفةً بالإطلاق مع أ نّها أیضاً کذلک ، ضرورة أنّ قولـه : أکرم زیداً ، مطلق غیر مشروط بشیء أصلاً .
ودعویٰ أنّ المعانی الجزئیـة غیر قابلـة للتقیید فلایتّصف بالإطلاق ، مدفوعـة بمنع ذلک ؛ فإنّ الاُمور الجزئیـة أیضاً قابلـة للتقیید ، فإنّ جعل زید مثلاً موضوعاً للحکم تارة یکون بنحو الإطلاق ، واُخریٰ مقیّداً بمجیئـه أو بغیره من الحالات والعوارض ، کما هو واضح .
منها : أنّ هذا التعریف یشمل بعض المقیّدات أیضاً ، ضرورة أنّ الرقبـة المقیّدة بالمؤمنـة أیضاً شائعـة فی جمیع أفراد الرقبـة المؤمنـة ، کما لایخفیٰ فالأولیٰ أن یقال : إنّ المطلق عبارة عن المعنی المعرّیٰ عن القید المعبّر عنـه بالفارسیـة بـ (رهابودن) والمقیّد بخلافـه ، ولاشبهـة فی أ نّهما وصفان إضافیّان ، ضرورة أنّ المعنی الملحوظ مع أمر آخر تارة یکون مقیّداً بـه واُخریٰ معرّیٰ عنـه ، وهذا المعنیٰ یجری فی جمیع القیود ، وربّما یکون مقیّداً ببعضها وغیر مقیّد بالبعض الآخر ، وهو ـ أی المطلق ـ قد یکون وصفاً للحکم ، وقد یکون وصفاً لمتعلّقـه ، وقد یکون وصفاً لموضوعـه ، وقد یکون وصفاً لنفس المعنیٰ مع قطع النظر عن تعلّق الحکم ، فإنّ ماهیّـة الإنسان مطلقـة والإنسان الأبیض مقیّدة ولو لم یکن فی البین حکم أصلاً ، کما هو واضح ، والإطلاق فی الجمیع بمعنیٰ واحد ، وهو خلوّه عن التقیّد بشیء آخر .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 340 ثمّ إنّ التقابل بین الإطلاق والتقیید أشبـه بتقابل العدم والملکـة من حیث إنّ اتّصاف معنیً بالإطلاق إنّما هو فیما لو کان قابلاً وصالحاً للتقیید وإن کان بینهما فرق من حیث إنّ أعدام الملکات إذا انقلبت من مرحلـة القابلیّـة إلی الفعلیّـة یوجب ذلک تبدّل صورتها ، بخلاف المطلق ؛ فإنّ تقیید الإنسان بالعالم مثلاً لایوجب ذلک تصرّفاً فی معناه ، فإنّ معنی الإنسان واحد ، سواء قیّد ببعض القیود أم لم یقیّد ، وقد مرّت الإشارة إلیـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 341