الأمر الثامن فی الواجب الأصلی والتبعی
قال فی الفصول : الأصلی ما فُهم وجوبـه بخطاب مستقلّ ، أی غیر لازم لخطاب آخر وإن کان وجوبـه تابعاً لوجوب غیره ، والتبعی بخلافـه ، وهو ما فُهم وجوبـه تبعاً لخطاب آخر وإن کان وجوبـه مستقلاًّ ، کما فی المفاهیم ، والمراد بالخطاب هنا ما دلّ علی الحکم الشرعی فیعمّ اللفظی وغیره . انتهیٰ .
وظاهره کما تریٰ أنّ هذا التقسیم إنّما هو بحسب مقام الدلالـة والإثبات ، لابحسب مقام الثبوت ، ولکن استظهر المحقّق الخراسانی قدس سره فی الکفایـة کون التقسیم بلحاظ الأصالـة والتبعیّـة فی الواقع ومقام الثبوت .
قال : حیث إنّـه یکون الشیء تارة متعلّقاً للإرادة والطلب مستقلاًّ للالتفات إلیـه بما هو علیـه ممّا یوجب طلبـه فیطلبـه ، کان طلبـه نفسیّاً أو غیریّاً ، واُخریٰ متعلّقاً للإرادة تبعاً لإرادة غیره لأجل کون إرادتـه لازمةً لإرادتـه من دون التفات إلیـه بما یوجب إرادتـه .
هذا ، ولکن یرد علیـه أنّ مقتضی التقسیم وجعل الأصلی بالمعنی المذکور أن یکون التبعی عبارةً عمّا لم تتعلّق بـه إرادة مستقلّـة لأجل عدم الالتفات إلیـه تفصیلاً ، سواء کانت إرادتـه تبعاً لإرادة غیره المراد نفساً والمطلوب کذلک أم لم یکن کذلک ، فالتخصیص بالاُولیٰ یوجب خروج الثانی عن التقسیم ، وعدم دخولـه
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 97 لا فی الأصلی ولا فی التبعی ، کما لایخفیٰ .
ویظهر من بعض المحقّقین فی حاشیتـه علی الکفایـة معنیٰ آخر ، وهو : أنّ للواجب وجوداً ووجوباً بالنسبـة إلیٰ مقدّمتـه جهتان من العلّیـة إحداهما العلّیـة الغائیـة حیث إنّ المقدّمـة إنّما تراد لمراد آخر لا لنفسها ، بخلاف ذیها ، فإنّـه مراد لا لمراد آخر ، والثانیـة العلّیـة الفاعلیـة ، وهی أنّ إرادة ذی المقدّمـة علّـة لإرادة مقدّمتـه ، ومنها تنشأ وتترشّح علیها الإرادة .
والجهـة الاُولیٰ مناط الغیریـة ، والجهـة الثانیـة مناط التبعیّـة ، ووجـه الانفکاک بین الجهتین أنّ ذات الواجب النفسی حیث إنّـه مترتّب علی الواجب الغیری ، فهی الغایـة الحقیقیّـة ، لکنّـه ما لم یجب لا تجب المقدّمـة ، فوجوب المقدّمـة معلول خارجاً ، لوجوب ذیها ، ومتأخّر عنـه رتبةً ، إلاّ أنّ الغرض منـه ترتّب ذیها علیها . انتهیٰ موضع الحاجـة .
ولکن لایخفیٰ أنّ إرادة المقدّمـة لایعقل أن تکون معلولةً لإرادة ذیها ، بمعنیٰ صدورها عنها وترشّحها عنها کترشّح المعلول من العلّـة ؛ لأنّ الإرادة المتعلّقـة بذی المقدّمـة قد توجد مع عدم تعلّقها بالمقدّمـة لأجل عدم التوجّـه إلی المقدّمـة أو إلیٰ مقدّمیتها ، ومن المعلوم أنّ الإرادة إنّما هو بعد التوجّـه ؛ لما حقّق فی محلّـه من أنّ تصوّر المراد والتوجّـه إلیـه من مبادئ الإرادة ، بل مقدّم علیٰ جمیعها ، فکیف یمکن أن تتعلّق بما لایکون متوجّهاً إلیـه ، وتعلّق الإرادة علیٰ فرض التوجّـه لا محالـة لایفید فی تصحیح المعلولیـة مطلقاً .
والحقّ کما عرفت مراراً أنّ إرادة المقدّمـة کإرادة ذیها تحصل بفعّالیـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 98 النفس وموجدة بفاعلیتها ، غایـة الأمر أنّ الفائدة المترتّبـة علیها لیست إلاّ حصول ما هو مطلوب بالذات ، بخلاف المراد الأوّلی والمطلوب الأقصیٰ ، کما لایخفیٰ .
والإنصاف أنّ هذا التقسیم إنّما هو بلحاظ الأصالیـة والتبعیـة فی مقام الإثبات ، کما عرفت من صاحب الفصول قدس سره ، لابحسب مقام الواقع والثبوت ، کما لایخفیٰ .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99