أمّا الإشکالات المختصّـة بالآیـة
فمنها : معارضـة المفهوم مع عموم التعلیل الواقع فی ذیلها ، وهو قولـه تعالی : «أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلیٰ مٰا فَعَلْتُمْ نٰادِمِینَ» فإنّ الجهالة هی عدم العلم بالواقع ، وهو مشترک بین إخبار الفاسق وغیره . فمقتضی التعلیل وجوب
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 470 التبیّن عن خبر العادل أیضاً ، وهو یعارض مع مفهوم الصدر ، والتعلیل أقوی .
ودعوی : أنّ النسبـة بینهما عموم من وجـه ، فیتعارضان فی مادّة الاجتماع ، وهی خبر العادل الغیر المفید للعلم ، ویجب حینئذٍ تقدیم عموم المفهوم وإدخال مادّة الاجتماع فیـه ؛ إذ لو خرج عنـه ، وانحصر مورده بالخبر العادل المفید للعلم لکان لغواً ؛ لأنّ خبر الفاسق المفید للعلم أیضاً واجب العمل ، بل نقول : إنّ الخبر المفید للعلم خارج عن الآیـة مفهوماً ومنطوقاً ، فیکون المفهوم أخصّ مطلق من عموم التعلیل ، فیجب تخصیصـه بـه .
مدفوعـة : بأنّ المدعی إنّما هو التعارض بین ظهور التعلیل فی العموم وظهور الجملـة الشرطیـة فی ثبوت المفهوم ، وحینئذٍ فالأخذ بظاهر التعلیل أولی من تخصیصـه بعد ثبوت المفهوم ؛ خصوصاً بعد کونـه آبیاً عن التخصیص . وبعبارة اُخری : لاینعقد للآیـة مفهوم ، حتّی تعارض مع عموم التعلیل .
هذا ، والحقّ أن یقال : إنّ الآیـة الشریفـة لا مجال للاستدلال بها للمقام ، فإنّ المراد بالنبأ لیس مطلق الخبر ، بل الخبر العظیم ، والنبأ الذی یترتّب علیـه اُمور کثیرة . والدلیل علیـه ـ مضافاً إلی التعبیر بالنبأ لابالخبر ـ ملاحظـة التعلیل ، فإنّ من الواضح أنّ العمل بخبر الفاسق فی غیر الاُمور العظیمـة ممّا لایترتّب علیـه الندامـة ، فإنّـه لو اُخبر بمجیء زید فرتّب المخاطب آثار المجیء بمجرّد إخباره لایوجب ذلک إصابـة القوم بجهالـة الموجبـة للندامـة ، ویدلّ علی ذلک ملاحظـة مورد نزول الآیـة أیضاً ، ومن المعلوم أنّ فی تلک الاُمور العظیمـة التی یترتّب علیها قتل الرجال ، وسبی النساء والصبیان ، وتصرّف الأموال لایجوز الاکتفاء فیها بخبر العادل أیضاً ، فالآیـة الشریفـة بعیدة عن المقام بمراحل .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 471 هذا ، مضافاً إلی أنّـه علی تقدیر تسلیم کون المراد بالنبأ هو مطلق الخبر نقول : إنّـه لا مجال لدعوی المفهوم فیها ، فإنّ التعلیل إنّما یدلّ علی کون الحکم معلّلاً بمضمونـه ، ومعـه لا مجال لدعوی کون التعلیق فی القضیـة الشرطیـة ظاهراً فی کون الشرط علّـة ، فضلاً عن کونـه علّـة منحصرة ؛ إذ هذا الظهور إنّما نشأ من إطلاق الأداة أو إطلاق الشرط أو إطلاق الجزاء ـ کما قد قرّر فی باب المفاهیم ـ ومع التصریح بالعلّیـة لم یکن للقضیـة ظهور فی الإطلاق ، بل لایکون لها ظهور فی مجرّد علّیـة الشرط ، فضلاً عن انحصارها . ولعمری إنّ هذا الإشکال ممّا لایمکن الذبّ عنـه ، فتدبّر .
هذا ، وأمّا ما یظهر من بعض من دعوی أنّ الجهالـة لیس بمعنی عدم العلم ، بل بمعنی السفاهـة والرکون إلی ما لاینبغی الرکون إلیـه فهو ظاهر الفساد ، وبعد وضوح کونـه من اشتقاقات مادّة الجهل ، مضافاً إلی تصریح أهل اللغـة بـه أیضاً .
ومنها : أنّـه یلزم خروج المورد عن عموم المفهوم ؛ لأنّ مورد نزول الآیـة الشریفـة هو الإخبار بالارتداد ، وهو لایثبت إلاّ بالبیّنـة ، فاللازم خروجـه عن العموم ، مع أنّـه نصّ فی المورد ، فلابدّ من رفع الید عن المفهوم لئلاّ یلزم التخصیص الشنیع ، وهذا الإشکال أیضاً ممّا لایمکن الذبّ عنـه ، وإن تصدّی للجواب عنـه المحقّق النائینی ـ علی ما فی التقریراتـ ولکنّـه لایندفع بـه ، فتأمّل فیـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 472