الجهـة الثالثـة : فی وجـه حجّیـة الإجماع
قد عرفت أنّ وجـه اعتبـار الإجماع هو القطع برأی الإمام علیه السلام ، ومستند القطع بـه :
إمّا العلم بدخولـه علیه السلام فی المجمعین شخصاً .
وإمّا لزوم أن یکون رأیـه فی جملـة رأیهم من باب قاعدة اللطف التی مرجعها فی المقام إلی وجوب إلقاء الخلاف علی الإمام علیه السلام لو رأی اجتماع الاُمّـة علی أمرٍ غیر واقعی .
وإمّا الملازمـة العادیـة بین رأی العلماء ورأیـه علیه السلام وحدسـه من اتفاقهم .
وإمّا الملازمـة بین ذلک وبین وجود دلیل معتبر عندهم وإن لم یصل إلینا .
هذا ، والوجـه الأوّل لایکاد یتفق فی زمان الغیبـة ؛ لعدم العلم بدخولـه علیه السلام فی جملـة المجمعین ، إلاّ نادراً ، کما لایخفی .
والوجـه الثانی لایتمّ ؛ لعدم الدلیل علی وجوب ذلک علی الإمام علیه السلام . والوجـه الرابع أیضاً مخدوش ؛ لأنّـه لو کان اتفاقهم علی أمر مستنداً إلی دلیل
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 453 معتبر لکان اللازم نقل ذلک الدلیل فی کتبهم ؛ خصوصاً مع ما نری منهم من حرصهم علی جمع الأخبار المأثورة عن الأئمّـة علیهم السلام .
والحقّ هو الوجـه الثالث ، الذی مرجعـه إلی الملازمـة العادیـة بین اتفاق المرؤوسین ورضا الرئیس ، کما هو کذلک فی الاُمور الدنیویـة ، فإنّ من ورد فی بلد مثلاً ، ورأی أمراً رائجاً بین أهل ذلک البلد یحدس حدساً قطعیاً بأنّ هذا قانون ذلک البلد ، کما لایخفی .
هذا ، ولکن ذلک الحدس إنّما هو فیما إذا لم یکن فی مورد الإجماع أصل أو قاعدة أو دلیل موافق لما اتفقوا علیـه ، فإنّـه مع وجود ذلک یحتمل أن یکون مستند الاتفاق أحد هذه الاُمور ، فلایکشف اتفاقهم عن رضا الرئیس بذلک واقعاً ، کما لایخفی .
هذا ، ویرد علی الوجـه الرابع أیضاً : أنّ الکشف عن دلیل معتبر ـ علی فرض تمامیتـه ـ لایفید بالنسبـة إلینا ؛ لاحتمال أنّـه لو کان واصلاً إلینا لفهمنا منـه غیر ما فهموا ؛ لاختلاف الأنظار فی فهم الظهورات .
إذا عرفت هذه المقدّمات تظهر لک : أنّ نقل الإجماع لایکون حجّـة ومشمولاً لأدلّـة حجّیـة خبر الواحد ؛ من حیث المسبّب ؛ لما عرفت من انحصار أدلّـة حجّیتـه بما إذا کان المخبر بـه من الاُمور المحسوسـة القریبـة ، وهنا لیس کذلک ؛ لأنّـه علی تقدیر کون مستند الناقل هو القطع بدخولـه علیه السلام فی جملـة المجمعین فالمسبّب وإن کان أمراً محسوساً ، إلاّ أنّـه من المحسوسات الغریبـة الغیر العادیـة التی لایکتفی فیها بإخبار واحد .
وعلی تقدیر کون مستنده هو الملازمـة العادیـة الراجعـة إلی حدس رأی الإمام علیه السلام من آراء المرؤوسین فالمسبّب لایکون حینئذٍ من الاُمور المحسوسـة ؛ لأنّـه وصل إلیـه من طریق الحدس والاجتهاد ، والذی لاتجری فیـه أصالـة عدم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 454 الخطأ والاشتباه ، کما عرفت .
فنقل الإجماع ؛ من حیث تضمّنـه لنقل المسبّب لایکون حجّـة أصلاً ، وأمّا من حیث نقل السبب فیکون حجّـة بلاریب ؛ لکونـه من الاُمور المحسوسـة الغیر الغریبـة . وحینئذٍ فإن کان السبب تامّاً ؛ من حیث السببیـة بنظر المنقول إلیـه أیضاً یستفید من ذلک رأی المعصوم علیه السلام ، وإلاّ فیضمّ إلیـه مقداراً یوجب تمام السبب ، فیستکشف منـه رأیـه علیه السلام ، وإلاّ فلایترتّب علی نقلـه أثر ؛ من حیث استکشاف رأی المعصوم علیه السلام .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 455