المقام الأوّل فی دلالـة النهی علی الفساد فی العبادات
والکلام فیـه یقع من جهتین :
الجهـة الاُولیٰ : فی دلالـة النهی علی الفساد فیها بالدلالـة اللفظیـة العرفیـة بمعنی أنّـه لو ورد نهیمتعلّق بعبادة ولم یحرزکونـه مولویّاً تحریمیّاً أوتنزیهیّاً أوإرشادیاً ، فهل یدلّ بنظر العرف علیٰ فسادها أم لا ؟ بمعنی أنّـه هل یکون للإرشاد إلی الفساد أم لا ؟
قد یقال ـ کما عن بعض الأعاظم من المعاصرین ـ بکونـه فی العبادات إرشاداً إلیٰ فسادها ؛ لأنّـه حیث تکون العبادة من المجعولات الشرعیـة ، والغرض من إتیانها إنّما هو سقوط الأمر ، وحصول التقرّب بسببها إلی المولیٰ ، فکما أنّ الأمر بإتیانها علیٰ کیفیّـة مخصوصـة وبوجوب الإتیان بشیء فیها یکون للإرشاد إلی أنّ الأثر المترقّب من العبادة لایترتّب علیها من دون تلک الکیفیّـة أو ذلک الشیء ، وکذلک النهی عن إیجاد شیء فی المأمور بـه أو إتیانها بکیفیـة خاصّـة یکون للإرشاد إلی مانعیـة ذلک الشیء أو تلک الکیفیـة ، وأنّ الأثر المقصود
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 216 لایترتّب علیـه مع وجوده أو وجودها ، فکذلک النهی المتعلّق ببعض أنواع العبادة أو أصنافها لایکون إلاّ للإرشاد إلیٰ فساده ، وعدم ترتّب الأثر المقصود علیـه .
الجهـة الثانیـة : فی ثبوت الملازمـة بین الحرمـة والفساد بمعنی أنّـه لو اُحرز کون مدلول النهی هی الحرمـة ، فهل یثبت بذلک فساد المنهی عنـه للملازمـة ، أو لایثبت لعدمها ؟
والتحقیق هو الأوّل ؛ لأنّ النهی یکشف عن مبغوضیـة متعلّقـه واشتمالـه علی المفسدة علیٰ ما یقول بـه العدلیـة ، ومع ذلک لایبقیٰ مجال لصحّتـه بعد أنّـه یعتبر فی صحّـة العبادة أحد أمرین ، وهما تعلّق الأمر بها واشتمالها علی الملاک وهو رجحانها الذاتی ، والمفروض انتفاؤهما فی المقام .
وتوهّم : أنّـه لایعقل تعلّق النهی التحریمی الذاتی بالعبادة ؛ لعدم حرمتها مع عدم قصد التقرّب وعدم القدرة علیها معـه إلاّ تشریعاً .
مدفوع : بأنّ المراد بالعبادة هو الذی یکون من سنخ الوظائف التی یتعبّد بها ، لا ما یکون فعلاً عبادةً ، فصلاة الحائض عبادة بمعنی أنّها لو تعلّق الأمر بها ، کان أمرها أمراً عبادیّاً .
هذا فی غیر العبادات الذاتیـة ، وأمّا فیها : فتکون محرّمةً مع کونها فعلاً عبادةً ، کما هو واضح .
هذا فی النهی التحریمی ، وأمّا النهی التنزیهی المتعلّق بذات العبادة فهو أیضاً یوجب فسادها ؛ لأنّـه لایعقل اجتماع الصحّـة مع المرجوحیّـة الذاتیـة أصلاً ، إلاّ أنّـه لایخفیٰ ثبوت المنافاة بین الفساد وبین الترخیص فیها الذی هو لازم النهی التنزیهی ؛ لأنّ الترخیص بلازم الصحّـة ؛ إذ لایعقل تجویز التشریع ، فثبوتـه یلازم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 217 صحّتها ، کما لایخفیٰ .
فلابدّ من التأویل بجعل الترخیص ترخیصاً فی أصل العبادة ، أو یقال بکون النهی إرشاداً إلی أقلّیـة الثواب ، إلاّ أنّ ذلک خروج عن محلّ البحث ؛ لأنّ المفروض کون النهی تنزیهیّاً متعلّقاً بذات العبادة .
هذا فی النواهی النفسیـة ، وأمّا النواهی الغیریـة کالنهی عن الصلاة الناشئ من قِبَل الأمر بالإزالـة بناءً علی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه ، فلایخفیٰ أنّها لا تستلزم الفساد ؛ لعدم کون متعلّقها مبغوضاً أصلاً ، فلا مانع من صحّتها مع وجود الملاک فیها ، والاکتفاء بـه فی صحّـة العبادة ، کما عرفت .
وتوهّم أنّ الآتی بالصلاة دون الإزالة یکون متجرّیاً والتجرّی یوجب بطلان عبادتـه ؛ لأنّـه لایقبل عبادة المتجرّی ، مدفوع : بأنّ التجرّی إنّما هو بسبب عدم فعل الإزالـة ، لا فعل الصلاة ، ولایعقل سرایـة التجرّی منـه إلیـه ، کما هو واضح .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 218