المقام الأوّل : فی تنجّز التکلیف بالعلم الإجمالی
فقد یقال بأنّ العلم الإجمالی لایؤثّر فی تنجّز التکلیف أصلاً ، ویکون حالـه حال الشبهـة البدویـة ؛ لأنّ موضوع حکم العقل فی باب المعصیـة هو ما إذا علم المکلّف حین إتیانـه أنّـه معصیـة فارتکبـه ، ومن المعلوم أنّ المرتکب لأطراف العلم الإجمالی لایکون کذلک ؛ لأنّـه لایعلم بالمعصیـة إلاّ بعد إتیان جمیع الأطراف فی الشبهـة المحصورة التحریمیـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 406 هذا ، ولکن یردّ هذا الکلام العقل السلیم ، فإنّـه لا فرق فی نظره بین قتل ابن المولی مثلاً مع کونـه معلوماً تفصیلاً ، وبین قتلـه فی ضمن عدّة فی قبحـه عند العقل . وبالجملـة : لا إشکال فی حرمـة المخالفـة القطعیـة وقبحها عند العقل مطلقاً ، ومن المعلوم أنّ ارتکاب جمیع الأطراف مخالفـة قطعیـة لتکلیف المولی .
هذا ، وذکر فی «الکفایـة» ما حاصلـه : أنّ التکلیف ؛ حیث لم ینکشف بـه تمام الانکشاف ، وکانت مرتبـة الحکم الظاهری محفوظـة معـه فجاز الإذن من الشارع بمخالفتـه احتمالاً ، بل قطعاً . ومحذور المناقضـة بینـه وبین المقطوع إجمالاً إنّما هو محذور مناقضـة الحکم الظاهری مع الحکم الواقعی فی الشبهـة الغیر المحصورة ، بل الشبهـة البدویـة ؛ ضرورة عدم تفاوت بینهما أصلاً . فما بـه التفصّی عن المحذور فیهما کان بـه التفصّی عنـه فی المقام ، نعم ، العلم الإجمالی کالتفصیلی فی مجرّد الاقتضاء ، لا فی العلّیـة التامّـة ، فیوجب تنجّز التکلیف ما لم یمنع عنـه مانع عقلاً أو شرعاً ، انتهی ملخّصاً .
وأنت خبیر بأنّ مورد البحث فی المقام إنّما هو فیما إذا کان المعلوم الإجمالی تکلیفاً فعلیاً ؛ ضرورة أنّ التکلیف الإنشائی لایصیر متنجّزاً ، ولو تعلّق بـه العلم التفصیلی ، فضلاً عن العلم الإجمالی . فالکلام إنّما هو فی التکلیف الذی لو کان متعلّقاً للعلم التفصیلی لما کان إشکال فی تنجّزه ، ووجوب موافقتـه ، وحرمـة مخالفتـه . غایـة الأمر : أنّـه صار معلوماً بالإجمال .
وحینئذٍ فمن الواضح : أنّـه لایعقل مع ثبوت التکلیف الفعلی الإذن فی ارتکاب بعض الأطراف ، فضلاً عن جمیعها ، بل لایعقل ذلک مع احتمالـه ؛ لاستحالـة اجتماع القطع بالإذن فی الارتکاب ، واحتمال التحریم الفعلی ؛ لأنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 407 مرجعـه إلی إمکان احتمال الجمع بین المتناقضین .
وتوهّم : أنّـه لا مانع من اجتماع التکلیف الفعلی مع الإذن فی الارتکاب ـ بعد کون متعلّقهما مختلفین ـ لأنّ متعلّق التحریم الفعلی المعلوم إنّما هو الخمر الواقعی ، ومتعلّق الإذن هو الخمر المشکوک ؛ أی مشکوک الخمریـة ، ومن المعلوم أنّ بین العنوانین عموماً من وجـه . وقد حقّق فی مبحث اجتماع الأمر والنهی القول بالجواز فی تلک الصورة .
مدفوع : بأنّ محلّ النزاع فی تلک المسألـة هو ما إذا کان تکلیف متوجّهاً إلی طبیعـة ، وتکلیف آخر متوجّهاً إلی طبیعـة اُخری بینهما إمکان التصادق فی الخارج ، من دون أن یکون فی أحدهما نظر إلی ثبوت الآخر ، وهذا بخلاف المقام ، فإنّ الترخیص فی ارتکاب مشکوک الخمریـة إنّما هو بملاحظـة ثبوت الحرمـة للخمر الواقعی ؛ ضرورة أنّـه لو لم یکن الخمر الواقعی متعلّقاً للتحریم لما کان وجه فی ترخیص مشکوک الخمریـة ، وقد عرفت أنّ مع ثبوت فعلیـة الحرمـة لایبقی مجال للترخیص أصلاً ، ولایجدی فیذلک اختلاف العنوانین علی هذا النحو .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 408