مفهوم الغایـة
المقام الثانی فی مفهوم الغایـة
یقع الکلام فی مفهوم الغایـة بمعنیٰ دلالتها علی انتفاء الحکم فیما بعدها بناء علیٰ دخولها فی المغیّیٰ ، أو انتفاؤه فیها وفیما بعدها بناء علیٰ خروجها عنـه .
والمعروف بین المتأخّرین : التفصیل بین ما إذا کانت الغایـة قیداً للحکم وبین ما إذا کانت قیداً للموضوع بالدلالـة علی المفهوم فی الأوّل دون الثانی .
والوجـه فی الثانی واضح ؛ لأنّـه یصیر حینئذٍ من قبیل الوصف ، وقد عرفت أنّـه لا مفهوم لـه .
وأمّا وجـه الدلالـة علی المفهوم فی الأوّل : فهو علیٰ ما ذکره بعض المحقّقین من المعاصرین فی کتاب الدّرر عبارة عن أنّ الغایـة بحسب مدلول القضیّـة جُعلت غایةً للحکم المستفاد من قولـه : اجلس ، مثلاً ، وقد حقّق فی محلّـه أنّ مفاد الهیئة إنشاء حقیقـة الطلب ، لا الطلب الجزئی الخارجی ، فتکون الغایـة فی القضیّـة غایةً لحقیقة الطلب المتعلّق بالجلوس ، ولازم ذلک هو ارتفاع حقیقة الطلب عن الجلوس عند وجودها .
نعم لو قیل بدلالـة الهیئـة علی الطلب الجزئی ، فالغایـة لا تدلّ إلاّ علی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 257 ارتفاعـه عندها ، وهو لاینافی وجود جزئی آخر من سنخ ذلک الطلب بعدها .
ولکنّـه اختار فی الأواخر أنّـه لا تدلّ الغایـة علی المفهوم ولو کانت قیداً للحکم ، فقال فی حاشیـة الدّرر ما هذه عبارتـه : یمکن أن یقال بمنع المفهوم حتّیٰ فیما اُخذ فیـه الغایـة قیداً للحکم ، کما فی : اجلس من الصبح إلی الزوال ؛ لمساعدة الوجدان علی أنّا لو قلنا بعد الکلام المذکور : وإن جاء زید فاجلس من الزوال إلی الغروب ، فلیس فیـه مخالفـة لظاهر الکلام الأوّل ، فهذا یکشف عن أنّ المغیّی لیس سنخ الحکم من أیّ علّـة تحقّق بل السنخ المعلول لعلّـة خاصّـة سواء کانت مذکورة کما فی إن جاء زید فاجلس من الصبح إلی الزوال ، أم کانت غیر مذکورة ، فإنّـه مع عدم الذکر أیضاً یکون لا محالـة هنا علّـة یکون الحکم المذکور مسبّباً عنها . انتهیٰ .
وأنت خبیر بأنّ الغایـة إذا کانت غایةً لطبیعة الطلب المتعلّقة بالجلوس مثلاً ، فلا محالـة ترتفع الطبیعـة عند وجودها ، وإلاّ فلا معنیٰ لکونها غایةً لنفس الطبیعة ، ویکشف من ذلک ارتفاع علّتـه وعدم قیام علّـة اُخریٰ مقامـه .
وبعبارة اُخریٰ : بعد کون القضیّـة بنظر العرف ظاهرة فی ارتفاع الطلب عند وجود الغایـة لا مجال للإشکال فی الدلالـة علی المفهوم من جهـة ما ذکر ؛ لأنّ ذلک مستلزم لکون العلّـة واحدة بحیث لایقوم مقامها علّـة اُخریٰ .
هذا مضافاً إلی أنّ العرف لایتوجّـه ولاینظر إلی مسألـة العلّـة أصلاً ، کما لایخفیٰ ، إلاّ أنّ کون الهیئـة مفادها هو إنشاء حقیقـة الطلب وکلّیـه قد عرفت ما فیـه سابقاً ؛ فإنّ الوضع والموضوع لـه فی الحروف لیسا عامّین ، بل الموضوع لـه خاص ، إلاّ أنّ المتفاهم فی المقام من القضیّـة الغائیـة کون المغیّیٰ هو حقیقـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 258 الطلب بحیث ترتفع عند وجود الغایـة ، کما یظهر بمراجعـة العرف ، فالحقّ ثبوت مفهوم الغایـة .
ثمّ إنّ هنا خلافاً آخر ، وهو : أنّ الغایـة هـل تکون داخلـة فی المغیّیٰ أو خارجـة عنها ؟
ولایخفیٰ أنّ المراد بالغایـة هنا هو مدخول مثل «إلیٰ» و«حتّیٰ» ممّا لـه أجزاء ، لا نهایـة الشیء ، فإنّ البحث فیها بالمعنی الثانی لیس شأن الاُصولی ، بخلاف الأوّل .
والحقّ خروجها عن المغیّیٰ ، سواء کانت غایةً للموضوع أو الحکم .
والدلیل علیٰ ذلک مراجعـة الاستعمالات العرفیـة ، فإنّ قول القائل : سرت من البصرة إلی الکوفـة لایدلّ علی استمرار السیر فی جزء من الکوفـة أیضاً بحیث لو وصل إلیٰ جدار الکوفـة من دون أن یدخل فیها ، لکان هذا القول منـه کذباً ، بل نقول : إنّ دعویٰ دخول تالی کلمـة «من» فی الموضوع أو الحکم ممنوعـة أیضاً ، کما یظهر بالتأمّل فی المثال ، فالإنصاف خروج الغایـة عن المغیّیٰ حکماً کان أو موضوعاً ، فالتفصیل بینهما بدخولها فیـه فی الثانی دون الأوّل ـ کما فی الدّرر ـ فی غیر محلّـه ، کما أنّ دعویٰ خروج غایـة الحکم عن النزاع فی هذا المقام ـ کما فی الکفایـة ـ ممنوعـة جدّاً ، کما أشار إلیـه فی الحاشیـة فراجع .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 259
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 260