الأمر الثانی : لزوم اجتماع الحبّ والبغض وغیرهما
وأمّا استدلالهم علی الامتناع بلزوم تعلّق الحبّ والبغض وکذا الإرادة والکراهـة بشیء واحد ولزوم کونـه ذا مصلحـة ملزمـة ومفسدة کذلک معاً مع وضوح التضادّ بین هذه الأوصاف ، فیرد علیـه : أنّ المحبوبیـة والمبغوضیـة لیستا من الأوصاف الحقیقیـة للأشیاء الخارجیـة ، نظیر السواد والبیاض وغیرهما من الأعراض الخارجیـة ، کیف ولازم ذلک استحالـة کون شیء واحد فی آن واحد مبغوضاً لشخص ومحبوباً لشخص آخر ، کما أنّـه یستحیل أن یتّصف الجسم الخارجی بالسواد والبیاض معاً فی آنٍ واحد ولو من ناحیـة شخصین بداهـة ، بل
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 194 ولازمـه عدم اتّصاف الفعل قبل وجوده الخارجی بشیء منهما ، نظیر أنّـه لایعقل أن یتّصف الجسم بالسواد مثلاً قبل تحقّقـه فی الخارج ، بداهـة أنّـه یستحیل أن یوجد الوصف الحقیقی قبل تحقّق موصوفـه ، ومن المعلوم فی المقام أنّ الاتّصاف بالمحبوبیـة قبل وجود المحبوب وتحقّقـه فی الخارج ، بل کثیراً ما یکون الداعی والمحرِّک إلی إیجاده فی الخارج إنّما هو تعلّق الحبّ بـه ، وکونـه متّصفاً بالمحبوبیّـة .
وکیف کان فهذا المعنیٰ ممّا لایتّکل إلیـه أصلاً ، بل المحبوبیّـة والمبغوضیّـة وصفان اعتباریان ینتزعان من تعلّق الحبّ والبغض بالصورة الحاکیـة عن المحبوب والمبغوض .
توضیح ذلک : أنّـه لا إشکال فی أنّ الحبّ وکذا البغض إنّما یکون من الأوصاف النفسانیـة القائمـة بالنفس ، وحیث إنّ تحقّقـه فی النفس بنحو الإطلاق غیر مضاف إلیٰ شیء ممّا لایعقل ، فلا محالـة یحتاج فی تحقّقـه إلیٰ متعلّق مضاف إلیـه ومشخّص یتشخّص بـه ، ولایعقل أن یکون ذلک المشخّص هو الموجود الخارجی ؛ لأنّـه یستحیل أن یکون الأمر الخارج عن النفس مشخّصاً للصفـة القائمـة بها ، کما هو واضح .
مضافاً إلیٰ ما عرفت من أنّ المحبوب ـ أی الفعل الخارجی ـ إنّما یکون محبوباً قبل تحقّقـه ووجوده فی الخارج ، فکیف یمکن أن یکون الأمر الذی لایتحقّق فی الخارج أصلاً أو لم یتحقّق بعدُ ولکن یوجد فی الاستقبال مشخّصاً فعلاً ؟ ! کما هو واضح ، فلا محالـة یکون المشخّص هو الأمر الذهنی الموجود فی النفس ، والمحبوب إنّما هو ذلک الأمر ، غایـة الأمر أنّـه حیث یکون ذلک الأمر صورةً ذهنیـة للفعل الخارجی ووجهاً وعنواناً لـه ینسب إلیـه المحبوبیـة بالعرض ؛ لفناء تلک الصورة فی ذیها ، وذلک الوجـه فی ذی الوجـه ، ولایخفیٰ أنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 195 معنی الفناء والوجـه والمرآتیـة لیس راجعاً إلاّ سببیّـة ذلک لتعلّق الحبّ بـه وطریقتـه إلیـه ، بل معنیٰ تعلّق الحبّ بـه تعلّقـه بوجهـه وعنوانـه فقط ، نظیر العلم وأشباهـه ، فإنّـه أیضاً من الصفات النفسانیـة القائمـة بالنفس المتحقّقـة فیها المتشخّصـة بصورة المعلوم الحاکیـة لـه الموجودة فی النفس ، وتوصیف الخارج بالمعلومیـة إنّما هو بالعرض ، وإلاّ فکیف یمکن أن یتّصف بذلک قبل تحقّقـه ؟ ! مع أنّا نعلم بالبداهـة کثیراً من الاُمور المستقبلـة ، مضافاً إلی أنّـه کیف یمکن حینئذٍ أن یکون شیء واحد معلوماً لأحد ومجهولاً لآخر ؟ ! کما لا یخفیٰ .
وکیف کان ، فظهر أنّ المحبوبیّـة والمبغوضیـة إنّما تنتزعان من تعلّق الحبّ والبغض بالصور الذهنیـة للأشیاء الخارجیـة ، ولاریب فی أنّ تعدّد الأمر الانتزاعی وکذا وحدتـه إنّما هو بلحاظ تعدّد منشأ انتزاعـه ووحدتـه ، ومن المعلوم تعدّده فی المقام ؛ إذ لاشکّ فی أنّ الصورة الحاکیـة عن وجود الصلاة تغایر الصورة الحاکیـة عن وجود الغصب ؛ إذ لایعقل أن یکون عنوان الصلاة ووجهها عنواناً للغصب ووجهاً لـه ، کما هو واضح ، فکیف یلزم أن یکون شیء واحد مبغوضاً ومحبوباً معاً ؟ !
ومنـه یظهر أنّـه لایلزم اجتماع الإرادة والکراهـة أیضاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 196