الأمرالسابع : شمول النزاع للعنوانین بینهما عموم وخصوص مطلقاً
لا إشکال فی دخول العامّین من وجـه فی الجملـة فی مورد النزاع ومحلّ البحث ، کما أنّـه لا إشکال فی خروج المتبائنین عنـه ؛ لعدم شمول ظاهر عنوان النزاع لـه ، مضافاً إلیٰ وضوح إمکان تعلّق الأمر بشیء والنهی بمبائنـه ، وکذلک لا إشکال أیضاً فی خروج المتساویین عن محلّ النزاع وإن کان ظاهر العنوان التعمیم ؛ ضرورة استحالـة تعلّق الأمر والنهی بهما ، إنّما الإشکال والکلام فی دخول العامّین مطلقاً ، فقد یقال بالخروج ، کما عن المحقّقین : القمّی والنائینی وجماعـة اُخریٰ ، وقد یقال بالدخول ، کما عن صاحب الفصول قدس سره .
والتحقیق أن یقال : إنّ العامّین مطلقاً علیٰ قسمین : قسم لایکون عنوان العامّ مأخوذاً فی عنوان الخاصّ ومفهومـه ، بل مفهومهما متغایران ، غایـة الأمر أنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 184 المفهومین متصادقان فی الخارج تصادقاً کلّیّاً من جانب الخصوص وجزئیّاً من جانب العموم ، وقسم یکون مفهوم العامّ مأخوذاً فی عنوان الخاصّ ، وهو الذی یعبّر عنـه بالمطلق والمقیّد ، کالصلاة المأخوذة فی عنوان الصلاة فی الدار الغصبیـة ، وظاهر العبارة المحکیـة عن صاحب الفصول بل صریحها دخول القسم الأوّل فقط فی مورد النزاع ، والحقّ دخول القسمین معاً .
أمّا القسم الأوّل : فلأنّـه بعد فرض کون العنوانین متغایرین لایبقیٰ فرق بینـه وبین العامّین من وجـه ؛ ضرورة أنّـه لو کان مجرّد التصادق الموجود الخارجی مانعاً عن تعلّق الأمر والنهی بالمفهومین المتصادقین ، فهذه العلّـة مشترکـة بینـه وبین العامّین من وجـه ولو لم یکن ذلک مانعاً باعتبار أنّ متعلّق الحکم إنّما هو نفس العناوین والمفاهیم ، فبعد فرض ثبوت التغایر بین العنوانین فی المقام لایبقیٰ مجال لتوهّم الفرق أصلاً ، کما هو واضح .
وأمّا القسم الثانی : فقد یقال بخروجـه عن محلّ البحث ؛ نظراً إلیٰ سرایـة حکم المطلق إلی المقیّد ؛ فإنّ المطلق المأخوذ متعلّقاً للحکم لیس ما یکون قید الإطلاق جزءاً لـه ومأخوذاً فیـه ، بل المراد هی الطبیعـة المجرّدة اللاّبشرط ، وحینئذٍ فیسری حکمها إلی المقیّد .
والحاصل : أنّ الحکم المتعلّق بالمقیّد وإن لم یکن ساریاً من متعلّقـه إلی المطلق إلاّ أنّ حکم المطلق یسری إلی المقیّد ؛ إذ لیس المطلق منافیاً لـه ، والسرایـة من طرف واحد تکفی فی ثبوت استحالـة الاجتماع ، کما لایخفیٰ .
ولکن لایذهب علیک أنّ اتّحاد المطلق والمقیّد إنّما یکون بحسب الخارج ، وأمّا بحسب المفهوم فهما متغایران ، ضرورة تغایر مفهوم طبیعـة الصلاة مع مفهوم الصلاة فی الدار الغصبیـة ، وحینئذٍ فلایبقیٰ مجال للإشکال فی دخولـه فی محلّ النزاع ؛ لأنّ الضابط فیـه هو کلّ عنوانین متغایرین المتصادقین علیٰ وجود
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 185 خارجی ، وهذا المعنیٰ متحقّق فی المطلق والمقیّد ، فالحق دخول کلاالقسمین فی مورد البحث .
وأمّا العامّان من وجـه فقد یقال : بأنّ دخولـه فی محلّ النزاع لیس علی الإطلاق ، بل الظاهر اشتراطـه ببعض القیود ، وهو أن تکون هذه النسبـة متحقّقةً بین نفس الفعلین الصادرین عن المکلّف بإرادة واختیار من دون واسطـة مع کون الترکیب بینهما انضمامیّاً لا اتّحادیّاً ، وأمّا إذا کانت النسبـة ثابتةً بین الموضوعین ، کما فی العالم والفاسق فی مثل قولـه : أکرم العالم ، ولا تکرم الفاسق ، فهو خارج عن محلّ البحث ؛ لأنّ الترکیب فی مثل ذلک یکون علیٰ جهـة الاتّحاد ، ویکون متعلّق الأمر بعینـه هو متعلّق النهی ، بل هو مندرج فی باب التعارض ، کما أنّـه لیس من مسألـة الاجتماع ما إذا کانت النسبـة بین العناوین المتولّدة من الفعل الصادر عن المکلّف کما لو قام فی المثال المتقدّم بقصد تعظیم العالم والفاسق معاً ، فإنّ القیام فعل واحد تولّد من إکرام العالم المأمور بـه وإکرام الفاسق المنهی عنـه .
ووجـه خروجـه عن محلّ النزاع : أنّـه لمّا کانت تلک العناوین من المسبّبات التولیدیّـة التی لم تتعلّق إرادة المکلّف بها أوّلاً وبالذات ؛ لکونها غیر مقدورة لـه بلاواسطـة ، فلا جرم یکون متعلّق التکلیف هو السبب الذی یتولّد منـه ذلک ، ومن المعلوم أنّـه فعل واحد بالحقیقـة والهویّـة ، فلایمکن أن یتعلّق بها الحکمان ، بل نفس کون النسبـة بین الفعلین الصادرین من المکلّف العموم من وجـه لایکفی ما لم یکن الترکیب انضمامیّاً ، فمثل قولـه : اشرب الماء ولا تغصب ، فیما إذا شرب الماء المغصوب خارج عن مورد النزاع ؛ فإنّ شرب الماء بنفسـه یکون مصداقاً لکلٍّ من متعلّقی الأمر والنهی ، ولابدّ فی مثل ذلک من إعمال قواعد التعارض ، وهذا بخلاف شرب الماء المباح فی المکان المغصوب ؛ فإنّـه من مسألـة الاجتماع ، کما لایخفیٰ .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 186 والسرّ فی ذلک هو : أنّ کلاًّ من الأمر والنهی تعلّق بموضوع خارجی ففیما إذا کان الترکیب اتّحادیاً یلزم أن یتعلّق کلٌّ منهما بعین ما تعلّق بـه الآخر ، وهذا ممّا لاشکّ فی استحالتـه . انتهیٰ ملخّص ما فی تقریرات المحقّق النائینی .
وأنت خبیر بعدم تمامیّـة کلامـه .
أمّا اعتبار کون الترکیب اتّحادیاً : فلأنّ الوجـه فیـه ـ کما اعترف بـه قدس سرهـ هو : أنّ الأمر والنهی إنّما یتعلّق کلّ واحد منهما بموضوع خارجی ، ونحن سنبیّن فساد ذلک مفصّلاً ، فانتظر .
وأمّا کون متعلّق التکالیف فی العناوین التولیدیـة هی السبب الذی یتولّد منـه : فقد عرفت سابقاً أنّـه لا وجـه لصرف الأمر عن المسبّب بعد کونـه مقدوراً ولو مع الواسطـة ؛ إذ هذا المقدار من المقدوریـة کافٍ فی تصحیح تعلّق التکلیف بـه .
فانقدح من جمیع ما ذکرنا : أنّ العامّین من وجـه مطلقاً وکذا العامّین مطلقاً بقسمیـه داخل فی محلّ النزاع .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 187