مقالـة المحقّق الأصفهانی فی المقام
وممّا ذکرنا یظهر النظر فیما ذکره بعض المحقّقین من محشّی الکفایـة ، فإنّـه قدس سره بعد ذکر التقدّم بالعلّیـة والتقدّم الطبعی وبیان الفرق بینهما وأنّ ما فیـه التقدّم فی الثانی هو الوجود ، وفی الأوّل وجوب الوجود ، وذکر أنّ منشأ التقدّم الطبعی تارة کون المتقدّم من علل قوام المتأخّر ، کالجزء والکلّ ، واُخریٰ کون المتقدّم مؤثّراً ، فیتقوّم بوجوده الأثر ، کالمقتضی بالإضافـة إلی المقتضی ، وثالثـة کون المتقدّم مصحّحاً لفاعلیّـة الفاعل ، کالوضع والمحاذاة بالنسبـة إلی إحراق النار ، أو متمّماً لقابلیـة القابل ، کخلوّ المحلّ عن الرطوبـة وخلوّ الموضوع عن السواد عند عروض البیاض ، وبعد الاستشکال فی الدور الذی ذکره فی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 118 الکفایـة بأنّ عدم اتّصاف الجسم بالسواد لایحتاج إلیٰ فاعل وقابل کی یحتاج إلیٰ مصحّح فاعلیّـة الفاعل ومتمّم قابلیـة القابل کی یتوهّم توقّف عدم الضدّ علیٰ وجود الضدّ أیضاً وبعد بیان أنّ الصلاة والإزالـة لهما التأخّر والتقدّم بالطبع ، فإنّـه لا وجود للإزالـة إلاّ والصلاة غیر موجودة ، فکذا العکس .
قال : وأمّا ما یقال من أنّ العدم لا ذات لـه فکیف یعقل أن یکون شرطاً ؛ لأنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت لـه ، فمدفوع بأنّ القابلیات والاستعدادات والإضافات وأعدام الملکات کلّها لا مطابق لها فی الخارج ، بل شؤون وحیثیّات انتزاعیـة لاُمور موجودة ، فعدم البیاض فی الموضوع الذی هو من أعدام الملکات کقابلیـة الموضوع من الحیثیات الانتزاعیـة منـه ، فکون الموضوع بحیث لابیاض لـه هو بحیث یکون قابلاً لعروض السواد ، فمتمّم القابلیـة کنفس القابلیـة حیثیّـة انتزاعیـة وثبوت شیء لشیء لایقتضی أزید من ثبوت المثبت لـه بنحو یناسب ثبوت الثابت . انتهی موضع الحاجـة من کلامـه ، زید فی علوّ مقامـه .
والعجب منـه قدس سره مع کونـه من مهرة الفنّ أنّـه کیف یمکن تشبیـه أعدام الملکات بالقابلیات والاستعدادات والإضافات ، مع أنّها من مراتب الوجـود وإن لم تکن بحیث یمکن الإشارة إلیها والأعدام مطلقاً مقابل للوجود لا حظّ لها منـه أصلاً ، کما هو واضح .
وقضیّـة کون الموضوع بحیث لابیاض لـه قضیّـة سالبـة محصّلـة لا موجبـة معدولـة حتّیٰ تشابهت قضیّـة کون الموضوع قابلاً ، کما هو واضح .
وبالجملـة ، فالأعدام مطلقاً خارجـة عن حمی الوجود وحیطـة الشیئیّـة ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 119 فلایترتّب علیها شیء من الآثار الوجودیـة من قبیل الشرطیـة واتّحاد الرتبـة ونظائرهما .
فتلخّص من جمیع ذلک ، بطلان المقدّمـة الاُولیٰ من المقدّمات الثلاثـة المبتنیـة علیها القول بالاقتضاء فی الضدّ الخاصّ .
وأمّا المقدّمـة الثانیـة ـ التی هی عبارة عن الملازمـة فی مقدّمـة الواجب ـ فقد عرفت سابقاً بطلانها بما لا مزید علیـه .
وأمّا المقدّمـة الثالثـة الراجعـة إلی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ العامّ الذی بمعنی النقیض ، فربّما قیل فیها بالاقتضاء بنحو العینیّـة ، وإنّ الأمر بالصلاة مثلاً عین النهی عن ترکها ، فلا فرق بین أن یقول : صلّ ، وبین أن یقول : لا تترک الصلاة ، فإنّهما یکونان بمنزلـة الإنسان والبشر لفظین مترادفین .
هذا ، ولکن لایخفیٰ فساده ، فإنّ هیئـة الأمر موضوعـة للبعث ، وهیئـة النهی موضوعـة للزجر ، ولا معنیٰ لاتّحادهما مفهوماً وإن کان الثانی متعلّقاً إلیٰ ترک المبعوث إلیـه .
وبالجملـة ، فمعنی الاتّحاد المفهومی یرجع إلی اتّحاد المعنی الموضوع لـه ، مع أنّ هیئـة الأمر موضوعـة للبعث ، والنهی للزّجر ، ومتعلّقـه فی الأوّل هو الفعل ، وفی الثانی هو الترک ، ولا وضع لمجموع الهیئـة المتعلّقـة بالمادّة .
ودعویٰ أنّ المراد اتّحاد البعث عن الشیء والزجر عن ترکـه معنیً ومفهوماً ، یدفعـه وضوح فساده .
وممّا ذکرنا یظهر : بطلان القول بالجزئیـة ؛ فإنّ معنی الأمر هو البعث ، وهو أمر بسیط لا ترکّب فیـه أصلاً ، وأمّا دعوی اللزوم بالمعنی الأخص فیظهر من
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 120 التقریرات (المحقّق النائینی قدس سره) أنّـه لابأس بـه نظراً إلی أنّ نفس تصوّر الوجوب والحتم یوجب تصوّر المنع من الترک والانتقال إلیـه ، وأنت خبیر بأنّ مجرّد عدم انفکاک التصوّرین لایوجب ثبوت المنع الشرعی الذی هو المقصود فی المقام ، فإنّ النزاع إنّما هو فی أنّ الآمر إذا أمر بشیء هل یکون أمره بـه موجباً لنهیـه عن ضدّه بمعنیٰ أن یکون هنا شیئان : أحدهما : الأمر بالشیء ، والآخر : النهی عن نقیضـه ، وذلک لایثبت بمجرّد الانتقال من تصوّر الوجوب إلیٰ تصوّر المنع من الترک ، کما هو واضح .
وإن أراد الدلالـة علی المنع بالدلالـة الالتزامیـة من دون افتقار إلی النهی الصادر من المولی بعد الأمر ، فیرد علیـه : اقتضاء الدلالـة المذکورة لتعدّد الحکمین الموجب لتعدّد استحقاق المثوبـة والعقوبـة ، وهو کما تریٰ منـه .
نعم ربّما یجعل الکلام فی الإرادة لا فی الأمر والنهی ، ویقال بعدم انفکاک الإرادة المتعلّقـة بالشیء عن الإرادة المتعلّقـة بعدم ترکـه ، ولکن هذا یصحّ فی الإرادات التکوینیّـة ، وأمّا فی الإرادات التشریعیّـة فلایتمّ بناءً علیٰ ما حقّقناه فی بحث مقدّمـة الواجب من أنّ کلّ إرادة تحتاج إلیٰ مبادئها من دون فرق بین الإرادة المتعلّقـة بالمقدّمـة وبین الإرادة المتعلّقـة بذیها .
نعم لو قلنا بترتّب الإرادة الثانیـة علی الإرادة الاُولیٰ قهراً من دون توقّفها علیٰ شیء من مبادئ الإرادة ، فلـه وجـه کما لایخفیٰ .
ثمّ لایذهب علیک أنّ ما ذکرنا : من ابتناء القول بالاقتضاء من طریق التوقّف والمقدّمیـة علیٰ ثلاث مقدّمات إنّما هو علی القول بالملازمـة مطلقاً ، وأمّا لو قیل بوجوب خصوص المقدّمـة الموصلـة : فالظاهر ابتناء ذلک القول علیٰ مقدّمـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 121 رابعـة أیضاً ، فإنّ الوجوب المقدّمی إنّما یتعلّق بترک الضدّ لا مطلقاً ، بل بترکـه الموصل إلی الضدّ المتوقّف علیـه ، واقتضاء هذا الوجوب للنهی عن الضدّ العامّ بمعنی النقیض لایفید إلاّ حرمـة نقیض الترک الموصل ، وهو ترک الترک الموصل ، وهذا بمجرّده لایقتضی حرمـة الفعل إلاّ بناءً علیٰ توافق حکم المتلازمین ، وإلاّ فقد عرفت سابقاً أنّ الفعل لایکون نقیضاً للترک الموصل ، فسرایـة حکم النقیض إلی الفعل مبنیّ علیٰ لزوم توافق حکم المتلازمین ، فإنّ الفعل لاینفکّ عن النقیض أصلاً وإن کان النقیض ربّما ینفکّ عن الفعل ، کما إذا لم یأت فی المثال المشهور لابالإزالـة ولابالصلاة ، وحینئذٍ فعلی القول بالمقدّمـة الموصلـة یتوقّف إثبات الاقتضاء علی المقدّمـة الرابعـة التی جعلوها دلیلاً مستقلاًّ فی مقابل المقدّمیـة ، کما سیجیء ، فلا تکون حینئذٍ دلیلاً ثانیاً ، بل تصیر من مقدّمات الدلیل الأوّل ، کما هو واضح .
هذا کلّـه فیما یتعلّق بالقول بالاقتضاء من جهـة التوقّف والمقدّمیـة التی عرفت أنّها هی العمدة فی المقام .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 122