کلام المحقّق النائینی قدس سره فی تحریر محلّ النزاع
ثمّ إنّ لبعض الأعاظم من المتأخّرین کلاماً فی المقام فی تحریر محلّ النزاع وبیان ما ذهب إلیـه لابأس بذکره والتعرّض لـه علیٰ نحو الإجمال .
فنقول : قد ذکر فی تحریر محلّ النزاع أوّلاً : أنّ شرط متعلّق التکلیف خارج عن حریم النزاع ؛ لأنّ حال الشرط حال الجزء فی توقّف الامتثال علیـه ، فکما أنّـه لا إشکال فیما إذا کان بعض أجزاء المرکّب متأخّراً عن الآخر فی الوجود ومنفصلاً عنـه فی الزمان ـ کما إذا أمر بمرکّب بعض أجزائـه فی أوّل النهار والبعض الآخر فی آخر النهار ـ کذلک لاینبغی الإشکال فیما إذا کان شرط الواجب متأخّراً فی الوجود ؛ لأنّ ما یلزم علیٰ تقدیر کون الشرط متأخّراً ـ وهو لزوم المناقضـة وتقدّم المعلول علی علّتـه وتأثیر المعدوم فی الموجود ـ لایجری فی شرط متعلّق التکلیف ، فأیّ محذور یلزم إذا کان غسل اللیل المستقبل شرطاً فی صحّـة صوم المستحاضـة ؟ فإنّ حقیقـة الاشتراط یرجع إلی أنّ الإضافـة الحاصلـة بین الصوم والغسل شرط فی صحّـة الصوم بحیث لایکون الصوم صحیحاً إلاّ بحصول هذه الإضافـة .
نعم لو قلنا : إنّ غسل اللیل الآتی موجب لرفع حدث الاستحاضـة عن الزمان الماضی ، کان الإشکال فی الشرط المتأخّر جاریاً فیـه ، ولکنّـه خارج عن مقتضی الدلیل . وبالجملـة فتسریـة إشکال الشرط المتأخّر إلیٰ قیود متعلّق التکلیف ممّا لا وجـه لـه .
وثانیاً : أنّـه لا إشکال فی خروج العلل الغائیـة من حریم النزاع ؛ فإنّها غالباً
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 32 متأخّرة فی الوجود عمّا تترتّب علیـه ، ولیست هی بوجودها العینی علّةً للإرادة وحرکـة العضلات حتّیٰ یلزم تأثیر المعدوم فی الموجود ، بل المؤثّر والمحرّک هو وجوده العلمی ، وکذا الحال فی علل التشریع ؛ فإنّـه لا فرق بینها وبین العلل الغائیـة إلاّ فی مجرّد التعبیر .
وثالثاً : أنّـه لیس المراد من الشرط المتأخّر المبحوث عنـه فی المقام باب الإضافات والعناوین الانتزاعیـة ، کالتقدّم والتأخّر والسبق واللّحوق وغیر ذلک من الإضافات والاُمور الانتزاعیـة ، فإنّ ذلک کلّـه ممّا لا إشکال فیـه ؛ لعدم لزوم محذور الشرط المتأخّر بالنسبـة إلیها ، وذلک لأنّ عنوان التقدّم ینتزع من ذات المتقدّم عند تأخّر شیء ، ولایتوقّف علیٰ وجود المتأخّر فی موطنـه ، بل فی بعض المقامات لایمکن ذلک ، کتقدّم بعض أجزاء الزمان علی البعض الآخر .
ورابعاً : أنّـه لا إشکال فی خروج العلل العقلیـة عن حریم النزاع ؛ فإنّ امتناع الشرط المتأخّر فیها أوضح من أن یحتاج إلی بیان بعد تصوّر معنی العلّیّـة الراجعـة إلی إعطاء العلّـة وإفاضتها وجود المعلول ، ومعنی المعلولیـة الراجعـة إلیٰ ترشّحـه منها .
ثمّ قال : إذا عرفت هذه الاُمور ، ظهر لک : أنّ محلّ النزاع فی الشرط المتأخّر إنّما هو فی الشرعیات فی خصوص شروط الوضع والتکلیف . وبعبارة اُخریٰ : محلّ الکلام إنّما هو فی موضوعات الأحکام وضعیةً کانت أو تکلیفیةً ، فقیود متعلّق التکلیف والعلل الغائیـة والاُمور الانتزاعیـة والعلل العقلیـة خارجـة عن حریم النزاع .
ثمّ ذکر بعد ذلک أنّ امتناع الشرط المتأخّر فی موضوعات الأحکام یتوقّف علیٰ بیان المراد من الموضوع ، وهو یتوقّف علیٰ بیان الفرق بین القضایا الحقیقیّـة والقضایا الخارجیـة ، وأنّ المجعولات الشرعیـة إنّما تکون علیٰ نهج القضایا
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 33 الحقیقیّـة لا القضایا الخارجیّـة .
ثمّ ذکر فی بیان الفرق بینهما ما ملخّصـه : أنّ القضایا الخارجیـة عبارة عن قضایا جزئیـة شخصیـة خارجیـة ، کقولـه : صَلّ یا عمرو ، وصُمْ یا زید ، من القضایا التی تکون موضوعاتها آحاد الناس ، وهذا بخلاف القضایا الحقیقیّـة ؛ فإنّ الملحوظ فی موضوعاتها عنوان کلّیّ من غیر أن یکون للآمر نظر إلیٰ زید ، وعمرو ، وبکر أصلاً ، بل لو کان واحد منهم منطبقاً لعنوان الموضوع ، فالحکم یرتّب علیـه قهراً .
ومن هنا یحتاج فی إثبات الحکم لموضوع خاص إلیٰ تألیف قیاس ، ویجعل هذا الموضوع الخاصّ صغریٰ لـه ، وتلک القضیـة کبریٰ ، وهذا بخلاف القضایا الخارجیـة ؛ فإنّ المحمول فیها ثابت لموضوعها ابتداءً من دون توسّط قیاس . والفرق بینهما من وجوه شتّیٰ ، والمهمّ منـه فی المقام هو أنّ العلم إنّما یکون لـه دخل فی القضیّـة الخارجیـة دون الحقیقیـة .
مثلاً : لو کان زید عالماً وکان الحکم مترتّباً علیٰ عنوان العالم ، فالحکم یترتّب علیٰ زید قهراً ، سواء کان الآمر عالماً بکون زید عالماً أو جاهلاً ، وهذا بخلاف القضیـة الخارجیـة ؛ فإنّ علم الآمر بکون زید عالماً یوجب الأمر بإکرامـه ، سواء کان فی الواقع عالماً أو جاهلاً ، وهذا بمکان من الوضوح .
ثمّ ذکر بعد ذلک أنّـه من الواضح أنّ المجعولات الشرعیـة إنّما هی علیٰ نهج القضایا الحقیقیـة دون الخارجیـة .
ومن هنا یظهر المراد من موضوعات الأحکام ، وأنّها عبارة عن العناوین الکلیـة الملحوظـة مرآة لمصادیقها المقدّر وجودها فی ترتّب المحمولات علیها ، ویکون نسبـة ذلک الموضوع إلی المحمول نسبـة العلّـة إلیٰ معلولها وإن لم یکن من ذلک الباب حقیقةً ، بناءً علی المختار من عدم جعل السببیة إلاّ أنّـه یکون نظیر
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 34 ذلک من حیث التوقّف والترتّب ، فحقیقـة النزاع فی الشرط المتأخّر یرجع إلیٰ تأخّر بعض ما فُرض دخیلاً فی الموضوع علیٰ جهـة الجزئیـة أو الشرطیـة من الحکم التکلیفی أو الوضعی بأن یتقدّم الحکم علیٰ بعض أجزاء موضوعـه .
ثمّ اعترض بعد ذلک علی الکفایـة والفوائد بکلام طویل لا مجال لذکره .
ثمّ ذکر بعد ذلک أنّـه ممّا ذکرنا یظهر أنّ امتناع الشرط المتأخّر من القضایا التی قیاساتها معها من غیر فرق بین أن نقول بجعل السببیـة أو لا نقول بذلک .
أمّا بناء علی الأوّل : فواضح .
وأمّا بناء علی الثانی : فلأنّ الموضوع وإن لم یکن علّةً للحکم إلاّ أنّـه ملحق بها من حیث تقدّمـه علی الحکم وترتّبـه علیـه ، فلایعقل تقدّم الحکم علیـه بعد فرض أخذه موضوعاً ؛ للزوم الخلف وأنّ ما فرض موضوعاً لم یکن موضوعاً . انتهیٰ موضع الحاجـة من کلامـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 35