الرابع والخامس : من یجوز له التصدّی لمقام القضاوة والحکومة
إعلم أنّ مقتضی حکم العقل مع قطع النظر عن الشرع أنّـه لا ترجیح لأحد علی الآخر فی نفوذ حکمـه علیـه وعدم جواز مخالفـة حکمـه ، لأنّ الناس فی ذلک شرعٌ سواء وإن کانوا مختلفین فی العلم والعدالـة وغیرهما من سائر الجهات ، إلاّ أنّ هذا الاختلاف بنفسـه لا یوجب اختصاص بعضهم بالتصدّی لمقام القضاوة بحیث کان حکمـه نافذاً علی الباقین ولم یجز لهم التخطّی عنـه ، فالعقل لا یری فضیلـة لأحد علی الآخر من هذه الجهـة .
نعم هو یحکم بثبوت حکم اللّٰه تبارک وتعالی ونفوذه فی حقّ جمیع الخلائق ، لکونهم مملوکین لـه ، والمملوک لا یقدر علی شیء .
وأمّا مع ملاحظـة الشرع فنعلم بأنّ الشارع المبیّن لجمیع الأحکام حتّی أرش الخـدش ، ولجمیع الآداب والمستحبّات حتّی آداب بیت الخلاء لم یهمل هـذا الأمر ، بل جعل هذا المنصب لبعض من أفراد الناس یقیناً لأجل اختلال النظام ولزوم الحرج ، والقدر المتیقّن من هذا البعض هو العلماء ، لأنّهم اُمناء الرسل وورثـة الأنبیاء ورواة أحادیثهم ومعدن أسرارهم ، والقدر المتیقّن من العلماء هو الرجل العادل الحرّ البالغ ، وبالجملـة الجامع لجمیع الشرائط .
ثمّ لا یخفی أنّ استلزام عدم نفوذ حکم أحد علی الآخر ، من حیث هو فی نظر العقل للاختلال والحرج ، لا یوجب أن یحکم العقل بثبوت هذه الفضیلـة لبعض من الناس مع قطع النظر عن الشرع ، لأجل أنّ تساوی جمیع الأفراد یستلزم ذلک ، وکما أنّ اختلال النظام أمر سدّ الشارع سبیلـه ، کذلک العقل یحکم بسدّ هذا
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 426 الباب ، وذلک لأنّ غایـة الأمر حکم العقل بأنّـه لابدّ من تحفّظ النظام ولزوم الاجتناب عمّا یوجب اختلالـه .
ومن الواضح أنّ هذا المعنی یغایر ثبوت فضیلـة لبعض الناس علی الآخر وکون حکمـه نافذاً علیـه ولو کان مخالفاً للواقع ، کما لایخفی .
وکیف کان : فلابدّ فی هذا الباب من ملاحظـة الشرع ، وقد عرفت أنّ مقتضی الدلیل الإجمالی فی هذا الباب کون المنصوب من جانب الشارع لهذا المنصب هو الفقیـه الجامع لجمیع الصفات المذکورة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 427