التنبیه الثالث أنحاء متعلّق الأمر والنهی
الأوامر والنواهی قد یتعلّقان بنفس الطبیعـة من غیر لحاظ شیء معها أصلاً من الوحدة والکثرة وغیرهما .
وقد یتعلّقان بصرف الوجود ، والمراد بـه هو الطبیعـة المأخـوذة علی نحو لا ینطبق إلاّ علی أوّل وجود الطبیعـة ، واحداً کان أو کثیراً .
وقد یتعلّقان بالطبیعـة علی نحو العامّ المجموعی .
وقد یتعلّقان بها علی نحو العامّ الاستغراقی .
فإذا تعلّق الأمر والنهی بنفس الطبیعـة من غیر لحاظ الوحدة والکثرة فالأمر یکون باعثاً إلی نفسها ، کما أنّ النهی یکون زاجراً عنها . ومن المعلوم أنّ الطبیعـة متکثّرة فی الخارج بتکثّر أفرادها ؛ لأنّ کلّ فرد منها هی تمام الطبیعـة مع خصوصیـة الفردیّـة ، وحینئذٍ فإذا أتی بوجود واحد من وجودات الطبیعـة یتحصّل الغرض ، لأنّـه تمام الطبیعـة المأمور بها ، فیسقط الأمر ، لحصول الغرض .
وأمّا إذا أتی بوجودات متکثّرة دفعـة واحدة ، فهل یتحقّق هنا إطاعات متعدّدة حسب تعدّد الوجودات المأتی بها ، نظراً إلی أنّ المطلوب علی ما هو المفروض هو نفس الطبیعـة ، وهی تـتکثّر بتکثّر وجوداتها ، فتکثّر الطبیعـة مستلزم لتکثّر المطلوب ، کما أنّ فی الواجب الکفائی لو قام بالإتیان بـه أزید من واحد یکون کلّ من أتی بـه مستحقّاً للمثوبـة ، مع أنّ المطلوب فیـه أیضاً هی نفس طبیعـة الواجب ، ولذا یحصل الغرض بالإتیان بوجود واحد منها من مکلّف واحد .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 32 أو أنّـه لیس هنا أیضاً إلاّ إطاعـة واحدة ، نظراً إلی أنّ الطبیعـة وإن کانت متکثّرة بتکثّر الأفراد ، إلاّ أنّها بوصف کونها مطلوبـة ومأموراً بها لا تکون متکثّرة ، کیف وتکثّر المطلوب بما هو مطلوب لا یعقل مع وحدة الطلب بعد کونهما من الاُمور المتضایفـة ، وتنظیر المقام بباب الواجب الکفائی فی غیر محلّـه بعد کون الطلب فی ذلک متعدّداً ، أو کـون کل واحـد من المکلّفین مأمـوراً . غایـة الأمر أنّـه مـع إتیان واحد منهم یحصل الغرض ، فیسقط الأمر عـن الباقین ، فالأمـر الواحـد لا یکون لـه إلاّ إطاعـة واحدة .
وأمّا النهی والزجر عن نفس الطبیعـة فهو وإن کان أیضاً بحسب نظر العقل یتحقّق إطاعتـه بترک وجود واحد منها ، لأنّـه کما أنّ الطبیعـة یوجد بوجود فرد منها کذلک ینعدم بانعدام فرد مّا ، لأنّـه إذا فرض أنّ وجوداً واحداً منها یکون تمام الطبیعـة فوجوده وجود لها ، وعدمـه عدم لها ، ولا یعقل أن یکون وجوده وجوداً لها ولا یکون عدمـه عدماً لها ، إلاّ أنّ العقلاء یرون أنّ المطلوب فی باب النواهی عدم تحقّق الطبیعـة أصلاً ، وقد ذکرنا ذلک فی باب النواهی من مباحث الألفاظ فراجع . هذا کلّـه فیما إذا تعلّق الأمر أو النهی بنفس الطبیعـة .
وأمّا لو تعلّق بصرف الوجود الذی مرجعـه إلی وجوب نقض العدم فی ناحیـة الأمر والزجر عنـه فی ناحیـة النهی ، فیتحقّق إطاعـة الأمر بإیجادها ؛ أی الطبیعـة مرّة أو أکثر ، فإنّـه إذا وجد ألف فرد من الطبیعـة دفعـة لا یکون الصرف إلاّ واحداً ، کما إذا أوجد فرداً واحداً ، بخلاف ما إذا أوجد أفراداً تدریجاً ، فإنّـه الصرف بأوّلها ، لأنّ الصرف لا یتکرّر ، فیکون للأمر بـه إطاعـة واحدة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 33 متحقّقـة بأوّل الوجودات واحداً کان أو متعدّداً ، وکذا عصیان واحد حاصل بترکها رأساً ، کما أنّ للنهی بـه أیضاً إطاعـة واحدة حاصلـة بترک جمیع الأفراد ، وعصیان واحد متحقّق بالإتیان بفرد منها .
وأمّا لو تعلّق الأمر والنهی بالطبیعـة علی نحو العامّ المجموعی فلا یکون لهما إلاّ إطاعـة واحدة حاصلـة بالإتیان بجمیع وجودات الطبیعـة فی ناحیـة الأمر ، وبعدم الإتیان بالجمیع فی ناحیـة النهی ، وکذا لا یکون لهما إلاّ عصیان واحد حاصل فی الأمر بما یتحقّق بـه الإطاعـة فی النهی ، وفی النهی بما یتحقّق بـه الإطاعـة فی الأمر .
وأمّا لو تعلّق الأمر والنهی بالطبیعـة علی نحو العامّ الاستغراقی الذی مرجعـه إلی کون کلّ فرد من الطبیعـة مطلوباً فعلـه أو ترکـه ، فینحلّ کل واحد منهما إلی الأوامر المتعدّدة حسب تعدّد أفراد الطبیعـة ، أو النواهی المتعدّدة کذلک ، وحینئذٍ فلکلّ منهما إطاعات متکثّرة وعصیانات متعدّدة ، کما لایخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 34