تقریر إشکال الاحتیاط فی العبادات ودفعه
نعم قد یشکل فی جریان الاحتیاط فی العبادات فیما إذا دار الأمر فیها بین الوجوب وغیر الاستحباب ؛ تارةً من جهـة أنّ العبادة لابدّ فیها من نیّـة القربـة ، وهی متوقّفـة علی العلم بأمر الشارع تفصیلاً أو إجمالاً ، وفی الشبهات البدویّـة لا علم بالأمر ، فلا یمکن فیها الاحتیاط .
واُخری من جهـة أنّ حقیقـة الإطاعـة عقلاً متقوّمـة بما إذا کان الانبعاث مستنداً إلی بعث المولی ، وفی الشبهات البدویّـة لا یکون الأمر کذلک ، فإنّ الانبعاث فیها إنّما هو عن احتمال البعث ، کما هو واضح .
هذا ولا یخفی أنّ الإشکال الأوّل إنّما نشأ من تخیّل أنّ القربـة المعتبرة فی العبادة إنّما تکون کسائر الشروط المعتبرة فیها المأخوذة فی متعلّق الأمر ؛ إذ حینئذٍ لایمکن تحصیل المأمور بـه بجمیع شروطـه ، لعدم العلم بأمر الشارع حتّی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 20 تصحّ نیّـة القربـة ، مع أنّ الأمر لیس کذلک ، فإنّ قصد الأمر وإن کان یمکن أن یؤخذ فی متعلّق الأمر ـ کما عرفت ذلک فی مبحث التعبّدی والتوصّلی ـ إلاّ أنّـه لم یقع ذلک فی الخارج ، والأمر لا یدعو إلاّ إلی متعلّقـه ، وحینئذٍ فیمکن الإتیان بـه بجمیع ما اعتبر فیـه برجاء کونـه مقرّباً ومحبوباً ، لأنّـه لا یعتبر الجزم بکون المأتی بـه مأموراً بـه ومقرّباً ، بل یکفی الإتیان بـه برجاء ذلک وإن کان قادراً علی تحصیل العلم .
وما یتوهّم من عدم کفایـة الامتثال الاحتمالی مع القدرة علی الامتثال العلمی ، مدفوع بعدم قیام الدلیل علی ذلک ، کما لایخفی .
وأمّا الإشکال الثانی : فیدفعـه أنّ الانبعاث لا یعقل أن یکون مستنداً إلی نفس بعث المولی بحیث یکون وجوده وتحقّقـه فی الواقع مؤثّراً فی حصول الانبعاث ، وإلاّ لزم أن لا ینفکّ عنـه ، مع أنّ الوجدان یقضی بخلافـه بعد ملاحظـة العصاة ، وکذلک یلزم أن لا یتحقّق الانبعاث بدونـه ، مع أنّا نری تحقّقـه بالنسبـة إلی الجاهل المرکّب ، فلا یدور الانبعاث وعدمـه مدار وجود البعث وعدمـه .
فالحقّ أنّ الانبعاث إنّما یکون مستنداً إلی الاعتقاد بوجود البعث ، لا بنحو یکون للصورة الاعتقادیّـة مدخلیّـة فی تحقّقـه بحیث لا یمکن أن یتحقّق بدونها ، بل الغرض نفی مدخلیّـة البعث بوجوده الواقعی ولو بنحو الجزئیـة ، وحینئذٍ فالآتی بالفعل بداعی احتمال تعلّق الأمر بـه أیضاً مطیع .
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ فی صورة العلم بوجود البعث یکون الانبعاث مستنداً إلی نفس البعث ، لأنّـه نال الواقع ووصل إلیـه بالعرض ، وهذا بخلاف صورة الاحتمال ، فإنّ الانبعاث فیها لا محالـة یکون مستنداً إلی الاحتمال الذی لا یکون لـه کاشفیـة بوجـه ، وهذا هو الفارق بینهما فی صدق الإطاعـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 21 والامتثال ، فإنّ المحرّک والداعی فی الصورة الاُولی هو الواقع المنکشف ، وفی الصورة الثانیـة هونفس الاحتمال .
والذی یسهّل الخطب : أنّ ذلک کلّـه مبنی علی اعتبار تحقّق الإطاعـة والامتثال فی صحّـة العبادة ، مع أنّـه لم یدلّ علی ذلک دلیل ، فإنّـه لا یعتبر فیها أزید من الإتیان بها بداعی کونها مقرّبـة ومحبوبـة لـه تعالی أو برجاء ذلک ، وصحّتها علی الوجـه الثانی لا تـتوقّف علی تعذّر الوجـه الأوّل المتوقّف علی العلم بأمر الشارع تفصیلاً أو إجمالاً .
وما أفاده بعض الأعاظم علی ما فی تقریرات بحثـه من أنّ للامتثال مراتب أربعـة بحسب نظر العقل ، آخرها الامتثال الاحتمالی ولا یحسن إلاّ عند تعذّر سائر المراتب ، ممّا لا یعرف لـه وجـه ، وقد عرفت شطراً من الکلام علی ذلک فی مبحث القطع .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 22