أجوبـة الأعلام عن المشکلـة ونقدها
ثمّ إنّـه تفصّی المحقّق المعاصر عن أصل الإشکال ـ علی ما فی التقریرات ـ بأنّ الموارد التی توهّم وقوع التضادّ بین الأحکام الظاهریـة والواقعیـة علی أنحاء ثلاثـة :
أحدها : موارد قیام الطرق والأمارات .
ثانیها : موارد مخالفـة الاُصول المحرزة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 424 ثالثها : موارد تخلّف الاُصول الغیر المحرزة ، والتفصّی عن الإشکال یختلف فی کلّ منها .
أمّا باب الطرق والأمارات : فلیس المجعول حکماً تکلیفیاً ، حتّی یتوهّم التضادّ بینـه وبین الحکم الواقعی ، بل المجعول فیها إنّما هو الحجّیـة والوسطیـة فی الإثبات ، وهو أمر عقلائی ، وممّا تنالـه ید الجعل . وحینئذٍ فلیس حال الأمارة المخالفـة إلاّ کحال العلم المخالف ، فلایکون فی البین إلاّ الحکم الواقعی فقط ؛ أصاب الطریق الواقع أو أخطأ ، فإنّـه عند الإصابـة یکون المؤدّی هو الحکم الواقعی ، کالعلم الموافق ، ویوجب تنجیز الواقع ، وعند الخطأ یوجب المعذوریـة وعدم صحّـة المؤاخذة علیـه ، کالعلم المخالف ، من دون أن یکون هناک حکم آخر مجعول ، انتهی ملخّصاً . هذا ما أفاده فی التفصّی عن الإشکال فی خصوص الأمارات .
ویرد علیـه أوّلاً : أنّـه لیس فی باب الأمارات والطرق العقلائیـة الإمضائیـة حکم مجعول أصلاً ، لا الحجّیـة ولا الوسطیـة فی الإثبات ، ولا الحکم التعبّد بـه ؛ ضرورة أنّـه لیس فیها إلاّ مجرّد بناء العقلاء عملاً علی طبقها ، والمعاملـة معها معاملـة العلم ، من دون أن یکون هنا جعل فی البین ، والشارع أیضاً لم یتصرّف فیها ، بل عمل بها ، کما یعمل العقلاء فی اُمورهم .
وثانیاً : فلو سلّم الجعل الشرعی فالمجعول فیها لیس إلاّ إیجاب العمل بالأمارات تعبّداً ، کما یظهر بملاحظـة الروایات الواردة فی ذلک ، مثل قولـه علیه السلام : «إذا أردت حدیثاً فعلیک بهذا الجالس» ، مشیراً إلی زرارة ، وقولـه علیه السلام : «وأمّا
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 425 الحوادث الواقعـة فارجعوا فیها إلی رواة أحادیثنا» ، وقولـه علیه السلام : «علیک بالأسدی» ؛ یعنی أبا بصیر ، فإنّـه لو استفید منها الجعل الشرعی ، واُغمض عن کون جمیعها إرشاداً إلی الارتکاز العقلائی فظاهرها وجوب العمل علی قول العادل ، لا جعل الحجّیـة والوسطیـة ، کما لایخفی .
وثالثاً ـ وهو العمدة ـ : أنّـه مع الغمض عن الإیرادین الأوّلین نقول : إنّ ما أفاد من کون المجعول هو الوسطیـة فی الإثبات لایجدی فی دفع الإشکال ؛ لما تقدّم فی توجیهـه من أنّ مرجع الإشکال إلی استحالـة اجتماع الإرادة الحتمیـة المتعلّقـة بإیجاد شیء ، والإرادة الجائیـة من قبل الحجّیـة الراجعـة إلی الترخیص فی المخالفـة فیما لو أخطأت الأمارة ، وهذا لایندفع بما ذکره ، ولم یکن الإشکال منحصراً بالاجتماع فی خصوص الحکمین ، حتّی یندفع بما ذکره من عدم کون المجعول فی باب الأمارات هو الحکم .
هذا ، وأمّا ما أفاده فی باب الاُصول المحرزة فملخّصـه : أنّ المجعول فیها هو البناء العملی علی أحد طرفی الشکّ علی أنّـه الواقع ، وإلغاء الطرف الآخر ، وجعلـه کالعدم ، فالمجعول فی الاُصول التنزیلیـة لیس أمراً مغایراً للواقع ، بل الجعل الشرعی إنّما تعلّق بالجری العملی علی المؤدّی ، علی أنّـه هو الواقع ، کما یرشد إلیـه قولـه علیه السلام فی بعض أخبار قاعدة التجاوز «بلی قد رکعت» ، فإن کان
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 426 المؤدّی هو الواقع فهو ، وإلاّ کان الجری العملی واقعاً فی غیر محلّـه ، من دون أن یکون قد تعلّق بالمؤدّی حکم علی خلاف ما هو علیـه . وبالجملـة : المجعول فی باب الاُصول هو الهوهویـة العملیـة التی بنی علیها الشیخ فی باب الأمارات ، انتهی .
ویرد علیـه أوّلاً : أنّ الجری والبناء العملی والهوهویـة العملیـة لیس أمراً قابلاً للجعل الشرعی ؛ لأنّـه من الاُمور التکوینیـة الغیر القابلـة للجعل ؛ ضرورة أنّـه فعل للمکلّف ، فإنّـه هو الذی یعمل بمؤدّاها بما أنّـه الواقع . وأمّا قولـه علیه السلام : «بلی قد رکع» فهو یرشد إلی ما ذکرنا من رفع الید عن الحکم الفعلی ، والاکتفاء بخلوّ المأمور بـه عن بعض الأجزاء .
وثانیاً : أنّـه علی تقدیر تسلیم إمکان تعلّق الجعل الشرعی بالجری العملی فنقول : مَن الذی أوجب علی المکلّف ، وأجاز لـه البناء علی أنّ المؤدّی هو الواقع ؟ فلا محالـة یقال فی الجواب : إنّ الجاعل والباعث لـه علی ذلک هو الشارع المرخّص فی العمل علی طبق الاُصول ، وحینئذٍ فیعود الإشکال بأنّـه کیف یجتمع ذلک مع الإرادة الحتمیـة المتعلّقـة بفعل المأمور بـه بجمیع أجزائـه وشرائطـه ، کما لایخفی .
هذا ، وذکر فی مقام التفصّی عن الإشکال فی الاُصول الغیر المحرزة ـ بعد التفصیل فی متمّمات الجعل ـ ما ملخّصـه : أنّ للشکّ فی الحکم الواقعی اعتبارین :
أحدهما : کونـه من الحالات والطوارئ اللاحقـة للحکم الواقعی أو موضوعـه ، کحالتی العلم والظن ، وهو بهذا الاعتبار لایمکن أخذه موضوعاً لحکم یضادّ الحکم الواقعی ؛ لانحفاظ الحکم الواقعی عنده .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 427 ثانیهما : اعتبار کونـه موجباً للحیرة فی الواقع ، وعدم کونـه موصلاً إلیـه ومنجّزاً لـه ، وهو بهذا الاعتبار یمکن أخذه موضوعاً لما یکون متمّماً للجعل ومنجّزاً للواقع ، کما أنّـه یمکن أخذه موضوعاً لما یکون مؤمّناً عن الواقع حسب اختلاف مراتب الملاکات النفس الأمریـة . فلو کانت مصلحـة الواقع مهمّـة فی نظر الشارع کان علیـه جعل المتمّم ، لمصلحـة احترام المؤمن وحفظ نفسـه ، فإنّـه لمّا کان حفظ نفس المؤمن أولی بالرعایـة وأهمّ فی نظر الشارع من مفسدة حفظ دم الکافر اقتضی ذلک تشریع حکم ظاهری طریقی بوجوب الاحتیاط فی موارد الشکّ ؛ حفظاً لدمـه .
وهذا الحکم إنّما یکون فی طول الحکم للواقع ، نشأ عن أهمّیـة المصلحـة الواقعیـة ؛ ولذا کان الخطاب بالاحتیاط خطاباً نفسیاً ناشئاً عن أهمّیـة مصلحـة الواقع ، فهو واجب نفسی للغیر ، لا واجب بالغیر ؛ ولذا کان العقاب علی مخالفـة التکلیف بالاحتیاط عند ترکـه وأدائـه إلی مخالفـة الحکم الواقعی ، لا علی مخالفـة الواقع ؛ لقبح العقاب علیـه مع الجهل .
إن قلت : إنّ مقتضی ذلک صحّـة العقوبـة علی مخالفـة الاحتیاط ، صادف الواقع أو خالفـه ؛ لکونـه واجباً نفسیاً ، وإن کان الغرض من وجوبـه هو الوصلـة إلی الأحکام الواقعیـة ، إلاّ أنّ تخلّف الغرض لایوجب سقوط العقاب . فلو خالف الاحتیاط ، وأقدم علی قتل المشتبـه ، وصادف کونـه مهدور الدم کان اللازم استحقاقـه للعقوبـة .
قلت : فرق بین علل التشریع وعلل الأحکام ، والذی لایضرّ تخلّفـه هو الأوّل ؛ لأنّها تکون حکمـة تشریع الأحکام ، وأمّا علّـة الحکم فالحکم یدور مدارها ، ولایمکن أن یتخلّف عنها ، ولا إشکال أنّ الحکم بوجوب حفظ نفس المؤمن علّـة للحکم بالاحتیاط ؛ لأنّ أهمّیـة ذلک أوجب الاحتیاط .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 428 ومن ذلک یظهر : أنّـه لا مضادّة بین إیجاب الاحتیاط وبین الحکم الواقعی ، فإنّ المشتبـه إن کان ممّا یجب حفظ نفسـه واقعاً فوجوب الاحتیاط یتّحد مع الوجوب الواقعی ، ویکون هو هو ، وإن لم یکن کذلک فلایجب الاحتیاط ؛ لانتفاء علّتـه ، وإنّما المکلّف یتخیّل وجوبـه ، هذا کلّـه إذا کانت مصلحـة الواقع تقتضی جعل المتمّم من إیجاب الاحتیاط .
وإن لم تکن المصلحـة الواقعیـة بهذه المثابـة من الأهمّیـة فللشارع جعل المؤمّن بلسان الرفع کحدیث الرفع ، أو بلسان الوضع کقولـه : «کلّ شیء لک حلال» ، فإنّ المراد من الرفع لیس رفع التکلیف عن موطنـه ، بل رفع التکلیف عمّا یستتبعـه من التبعات ، وإیجاب الاحتیاط ، فالرخصـة المستفادة من حدیث الرفع نظیر الرخصـة المستفادة من حکم العقل بقبح العقاب من دون بیان ، فکما أنّ هذه الرخصـة لا تنافی الحکم الواقعی کذلک الرخصـة المستفادة من حدیث الرفع .
والسرّ فی ذلک : هو أنّ هذه الرخصـة تکون فی طول الحکم الواقعی ، ومتأخّر رتبتها عنـه ؛ لأنّ الموضوع فیها هو الشکّ فی الحکم ؛ من حیث کونـه موجباً للحیرة فی الواقع وغیر موصل إلیـه ، فقد لوحظ فی الرخصـة وجود الحکم الواقعی ، ومعـه کیف یعقل أن تضادّ الحکم الواقعی .
وبالجملـة : الرخصـة والحلّیـة المستفادة من حدیثی الرفع والحلّ تکون فی عرض المنع والحرمـة المستفادة من إیجاب الاحتیاط ، وقد عرفت أنّ إیجاب
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 429 الاحتیاط یکون فی طول الواقع ومتفرّعاً علیـه ، فما یکون فی عرضـه یکون فی طول الواقع أیضاً ، إلاّ یلزم أن یکون ما فی طول الشیء فی عرضـه ، انتهی .
ویرد علیـه أوّلاً : أنّ الفرق بین أخذ الشکّ باعتبار کونـه من الحالات والطوارئ وبین أخذه باعتبار کونـه موجباً للحیرة فی الواقع ، دعوی المناط فی رفع التضادّ هو الأخذ علی الوجـه الثانی ممّا لا محصّل لـه ، فإنّ مجرّد الطولیـة لو کان کافیاً فی رفع التضادّ فاللازم رفعـه بناءً علی الوجـه الأوّل أیضاً ؛ لأنّ الحالات الطارئـة أیضاً فی طول الواقع ، وإن لم یکن کافیاً فیـه ، فالأخذ علی الوجـه الثانی أیضاً لایرفع التضادّ ، بل نقول : إنّ الاعتبارین مجرّد تغییر فی العبارة ، وإلاّ فلا فرق بینهما واقعاً ، کما لایخفی .
وثانیاً : أنّ ما أجاب بـه عن الإشکال الذی أورده علی نفسـه بقولـه : إن قلت : من عدم وجوب الاحتیاط واقعاً فی مورد الشکّ مع عدم کون المشکوک ممّا یجب حفظـه ؛ لکون وجوب حفظ المؤمن علّـة للحکم بالاحتیاط ، لا علّـة للتشریع ممّا لاوجـه لـه ، فإنّ وجوب الاحتیاط حکم ظاهری مجعول لغرض حفظ الواقع ، ولابدّ أن یتعلّق حقیقـة بکلّ مشکوک ، سواء کان واجب الحفظ أم لم یکن ، وإلاّ فلو تعلّق بخصوص ما کان منطبقاً علی الواجب الواقعی فقط فیحتاج إلی متمّم آخر ، فإنّ وجوب الاحتیاط المتعلّق علی المشکوک الواجب بحسب الواقع لایصلح للداعویـة نحو المشکوک کونـه هو الواقع ، وقاصر عن تحریک العبد نحوه ، فیصیر جعل إیجاب الاحتیاط لغواً ؛ لأنّ جمیع موارد الشکّ یکون تعلّق وجوب الاحتیاط بها مشکوکاً ، کما لایخفی .
وثالثاً : أنّ ما أفاد من أنّ الرخصـة ، وکذا أصالـة الحلّیـة إنّما یکون فی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 430 عرض الاحتیاط الذی هو فی طول الواقع ، فلابدّ أن تکون الرخصـة أیضاً فی طولـه ممنوع جدّاً ؛ لأنّـه قد ثبت فی محلّـه أنّ ما فی عرض المتقدّم علی شیء لایلزم أن یکون متقدّماً علیـه ؛ لأنّ التقدّم والتأخّر إنّما یثبت فی موارد ثبوت ملاکهما ، کالعلّیـة والمعلولیـة ، ولا معنی لثبوتهما من دون ملاک ، کما هو واضح .
ورابعاً : أنّ ما ذکره ـ علی تقدیر تسلیم صحّتـه ـ لایجدی فی رفع الإشکال بالتوجیـه الذی ذکرناه ، فتدبّر .
وممّا تفصّی بـه عن الإشکال ما أفاده السیّد الأصفهانی ـ علی ماحکاه عنـه المحقّق المعاصر فی کتاب «الدرر» ـ وملخّصـه : أنّـه لا إشکال فی أنّ الأحکام إنّما تتعلّق بالمفاهیم المتصوّرة فی الذهن ، لکن لا من حیث إنّها کذلک ، بل من حیث إنّها حاکیـة عن الخارج .
ثمّ إنّ المفهوم المتصوّر تارة یکون مطلوباً علی نحو الإطلاق ، واُخری علی نحو التقیید ، وعلی الثانی فقد یکون ذلک لعدم المقتضی فی غیر المقیّد ، وقد یکون لوجود المانع ، مثلاً قد یکون عتق الرقبـة مطلوباً علی سبیل الإطلاق ، وقد یکون الغرض فی عتق الرقبـة المؤمنـة خاصّـة ، وقد یکون فی المطلق ، إلاّ أنّ عتق الرقبـة الکافرة مناف لغرضـه الآخر ، ولأجلـه قیّد العتق المطلوب بما إذا تحقّق فی الرقبـة المؤمنـة ، فتقییده فی هذا القسم إنّما هو من جهـة الکسر والانکسار ، لا لتضییق دائرة المقتضی .
ومن المعلوم : أنّ ذلک یتوقّف علی تصوّر العنوان المطلوب أوّلاً مع العنوان الآخر المتّحد معـه فی الوجود المخرج لـه عن المطلوبیـة الفعلیـة ، فلو فرضنا عنوانین غیر مجتمعین فی الذهن فلایعقل تحقّق الکسر والانکسار . فاللازم من ذلک : أنّـه متی تصوّر العنوان الذی فیـه جهـة المطلوبیـة یکون مطلوباً صرفاً ، من دون تقیید وکذا العنوان الذی فیـه جهـة المبغوضیـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 431 والعنوان المتعلّق للأحکام الواقعیـة مع العنوان المتعلّق للأحکام الظاهریـة ممّا لایجتمعان فی الوجود الذهنی ، مثلاً إذا تصوّر الآمر صلاة الجمعـة فلایمکن أن یتصوّر معها إلاّ الحالات التی یمکن أن تتصف بها فی هذه الرتبـة ، مثل کونها فی المسجد أو فی الدار ، وأمّا اتصافها بکون حکمها الواقعی مشکوکاً فلیس ممّا یتصوّر فی هذه الرتبـة ؛ لأنّ هذا الوصف إنّما یعرض الموضوع بعد تحقّق الحکم ، والأوصاف المتأخّرة عنـه لایمکن إدراجها فی موضوعـه ، فلا منافاة حینئذٍ بین الحکمین ؛ لأنّ الجهـة المطلوبیـة ملحوظـة فی ذات الموضوع مع قطع النظر عن الحکم ، وجهـة المبغوضیـة ملحوظـة مع لحاظـه .
إن قلت : العنوان المتأخّر وإن لم یکن متعقّلاً فی مرتبـة تعقّل الذات ولکن الذات ملحوظـة فی مرتبـة تعقّل العنوان المتأخّر ، فعند ملاحظـة العنوان المتأخّر یجتمع العنوانان فی اللحاظ .
قلت : تصوّر ما یکون موضوعاً للحکم الواقعی الأوّلی مبنی علی قطع النظر عن الحکم ، وتصوّره بعنوان کونـه مشکوک الحکم لابدّ وأن یکون بلحاظ الحکم ، ولایمکن الجمع بین لحاظ التجرّد عن الحکم ولحاظ ثبوتـه .
ویرد علیـه أوّلاً : أنّ عنوان کون الموضوع مشکوک الحکم لایتوقّف علی تحقّقـه قبلـه ؛ ضرورة أنّـه یمکن الشکّ فی حکم الموضوع مع عدم کونـه محکوماً بحکم . فبین العنوانین ـ أعنی عنوان الموضوع بلحاظ حکمـه الواقعی وعنوان کونـه مشکوک الحکم ـ نسبـة العموم من وجـه ؛ لأنّـه کما یمکن أن یکون الموضوع معلوم الحکم فیتحقّق الافتراق من ناحیـة الموضوع ، کذلک یمکن أن یکون مشکوک الحکم مع عدم تحقّقـه أصلاً . کیف ، ولو کان عنوان المشکوکیـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 432 متوقّفاً علی سبق الحکم یلزم من وجود الشکّ العلم ؛ لأنّ المفروض أنّ توقّفـه علی سبق الحکم أمر مقطوع ، فبعد الشکّ یقطع بـه ، مع أنّـه مستحیل جدّاً .
مضافاً إلی أنّـه لو شکّ فی حکم الموضوع ؛ من حیث الوجوب والتحریم مثلاً فاللازم ـ بناءً علی هذا ـ أن یکون الموضوع فی الواقع واجباً وحراماً معاً .
وثانیاً : أنّـه لو سلّم أنّ تحقّق عنوان المشکوکیـة فی الواقع یتوقّف علی سبق الحکم فلا نسلّم ذلک فی مقام جعل الأحکام ، الذی لایتوقّف إلاّ علی تصوّر موضوعاتها ، فللمولی أن یجعل الحکم متعلّقاً بعنوان مشکوک الحکم قبل أن صدر منـه حکم آخر متعلّق بذوات الموضوعات ، وقد حقّقنا فی مبحث التعبّدی والتوصّلی إمکان أن یکون الموضوع مقیّداً بما لایأتی إلاّ من قبل الحکم ، فراجع .
وثالثاً ـ وهو العمدة ـ : أنّ ما أجاب بـه عن الإشکال الذی أورده علی نفسـه بقولـه : إن قلت ممّا لایندفع بـه الإشکال أصلاً ؛ لأنّ الموضوع المتصوّر المأخوذ موضوعاً للحکم الواقعی إمّا أن یکون مأخوذاً بشرط لا ؛ من حیث کونـه مشکوک الحکم ، وإمّا أن یکون مأخوذاً لابشرط . ومرجع الأوّل إلی أنّ ثبوت الحکم الواقعی للموضوع إنّما هو فی صورة العلم بثبوتـه لـه ، وهو تصویب قام الإجماع ، بل الضرورة علی خلافـه ، ولو کان المراد هو الثانی فمن الواضح أنّ الشیء المأخوذ لابشرط لایأبی من الاجتماع مع بشرط شیء ، وحینئذٍ فیجتمع الحکمان عند ملاحظـة عنوان مشکوک الحکم ، وجعل الحکم متعلّقاً بـه ، کما لایخفی .
ثمّ إنّـه قد تخلّص عن الإشکال بوجوه اُخر ، تعرّض لبعضها الاُستاذ مع الجواب عنـه ، ولکنّـه لا فائدة فی التعرّض لـه بعد کونـه مورداً للإشکال ، وبعد الجواب عنـه بما حقّقناه ، فتأمّل فی المقام ، فإنّـه من مزالّ الأقدام .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 433