الثانیـة : مناط الصدق والکذب فی القضایا
ثمّ إنّ ممّا ذکرنا ظهر أنّ المناط فی کون القضیّـة محتملةً للصدق والکذب لیس کون نسبتها تامّةً فی مقابل النسبة الناقصة ، کما هو المعروف ؛ لما عرفت من خلوّ أکثر القضایا عن النسبـة حتّیٰ تکون تامّةً أو غیرها ، بل المناط فیـه هی الحکایـة التصدیقیّـة المقابلـة للحکایـة التصوّریـة ، فإنّ الحاکی عن الواقع قد یحکی عنـه تصوّراً بمعنیٰ أ نّـه یوقع فی ذهن المخاطب تصوّر الواقع ، مثل : قولـه : زید الذی هو قائم ، وقد یحکی عنـه تصدیقاً ، بمعنی أ نّـه یؤثّر بالنسبـة إلی المخاطب التصدیق بها نفیاً أو إثباتاً ، مثل قولـه : زید قائم ، أو : زید لـه القیام ، فالملاک فی احتمال القضیّـة للصدق والکذب هو هذه الحکایـة التصدیقیـة لا النسبـة التامّـة ؛ لما عرفت ، والدالّ علیٰ تلک الحکایـة إنّما هو ترکیب الجُمل الخبریـة وهیئتها الموضوعـة بإزاء ذلک .
کما أنّ ممّا ذکرنا ظهر أیضاً أنّ الملاک فی کون القضیـة صادقةً لیس هو أن
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 293 یکون لنسبتها واقع تطابقـه ، کما هو المعروف ؛ لما عرفت من خلوّ أکثر القضایا عن النسبـة بحسب الواقع ، فلایکون لها بحسبـه نسبـة حتّیٰ طابقتها ، بل المناط هو تطابقها مع نفس الواقع ونفس الأمر ، بمعنی أنّ الواقع لو کان زید مثلاً موجوداً ، لکانت الحکایـة عنـه بقولـه : زید موجود ، حکایـة صادقـة ؛ لأنّ الواقع مشتمل علی الهوهویـة والاتّحاد بینهما ، وإن لم یکن کذلک ، لکانت کاذبةً ؛ لعدم تحقّقها فی الواقع .
ثمّ لایخفیٰ جریان هذا المعنیٰ فی السوالب أیضاً ؛ فإنّها وإن لم یکن لها واقع بل قد یصدق مع عدم الموضوع أیضاً ، إلاّ أنّ واقعها هو خلوّ صفحـة الواقع عن الهوهویـة أو النسبـة بین موضوعها ومحمولها ، فصدق قولـه : زید لیس بقائم ، إنّما هو بخلوّ الواقع عن الاتّحاد بینهما ، کما أنّ صدق قولـه : زید لیس لـه البیاض ، إنّما هو بخلوّه عن النسبـة والربط بینهما .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 294