الجهـة الاُولی : المخصّص اللفظی المجمل مفهوماً
إذا کان الخاصّ مجملاً بحسب المفهوم ، فتارة یکون مُردّداً بین الأقلّ والأکثر ، واُخریٰ بین المتبائنین ، وعلی التقدیرین إمّا أن یکون متّصلاً بالعامّ ، وإمّا أن یکون منفصلاً عنـه ، فالصور أربع :
منها : ما إذا کان الخاصّ مردّداً بین الأقلّ والأکثر وکان متّصلاً بالعامّ ، کقولـه : أکرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ، أو أکرم العلماء العدول ، وتردّد الفاسق بین الاختصاص بمرتکب الکبیرة أو الشمول لمرتکب الصغیرة أیضاً .
ولاشبهـة فی هذه الصورة فی عدم جواز الرجوع إلی العامّ بالنسبـة إلی المورد المشکوک ، وهو خصوص مرتکب الصغیرة فقط ، وذلک لأنّ الخاصّ المتّصل بالکلام یصیر مانعاً من انعقاد ظهور للعامّ فی العموم حتّیٰ یقال بأنّ القدر المتیقّن من الدلیل المجمل المزاحم الأقویٰ هو خصوص مرتکب الکبیرة ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 276 فأصالـة العموم بالنسبـة إلیٰ غیره محکّمـة ، بل الکلام ما دام لم یتمّ لایتّبع ظهوره أصلاً ، بل الظهور الذی یجب اتّباعـه عند العقلاء هو الظهور الحاصل للکلام بملاحظـة جمیع قیوده وخصوصیاتـه ، فإذا فرض أنّ موضوع الحکم المجعول هو العالم غیر الفاسق فلابدّ من إحراز هذا العنوان الذی هو بمنزلـة الصغری فی تطبیق الکبریٰ علیـه ، وهذا واضح .
منها : هذه الصورة مع کون الخاصّ منفصلاً عن العامّ ، ربّما یقال ـ کما فی أکثر الکتب الاُصولیـة ـ بجواز الرجوع إلی العامّ فی هذه الصورة بالنسبـة إلی المورد المشکوک دخولـه فی الخاصّ ؛ لإجمالـه مفهوماً ؛ نظراً إلی أنّ العامّ قبل ورود التخصیص علیـه انعقد لـه ظهور فی العموم ، ومن الواضح أ نّـه لایرفع الید عن هذا الظهور إلاّ بسبب حجّـة أقویٰ منـه ، وحجّیـة الخاصّ إنّما هی بالنسبـة إلیٰ ما یعلم شمولـه لـه یقیناً ؛ لما عرفت من أنّ إحراز الصغریٰ شرط فی تطبیق الکبریٰ علیـه ، فقولـه : لا تکرم الفسّاق من العلماء ، لایکون حجّةً إلاّ بالنسبة إلیٰ خصوص مرتکب الکبیرة ، فبالنسبـة إلی المورد المشکوک لم یقم حجّـة أقویٰ علیٰ خلاف العامّ الذی انعقد لـه ظهور فی العموم ، فالواجب الرجوع إلیـه ، کما لایخفیٰ .
وفی الدّرر تنظّر فی ذلک وقال بإمکان أن یقال : إنّـه بعدما صارت عادة المتکلّم جاریةً علی ذکر التخصیص منفصلاً عن کلامـه ، فحال المنفصل فی کلامـه حال المتّصل فی کلام غیره ، فکما أ نّـه یحتاج فی التمسّک بعموم کلام سائر المتکلّمین إلی إحراز عدم المخصّص المتّصل إمّا بالقطع أو بالأصل ، کذلک یحتاج فی التمسّک بعموم کلام المتکلّم المفروض إلی إحراز عدم المخصّص المنفصل أیضاً کذلک ، فإذا احتاج العمل بالعامّ إلی إحراز عدم التخصیص بالمنفصل ، فاللازم الإجمال فیما نحن فیـه ؛ لعدم إحراز عدمـه لابالقطع ولابالأصل ، أمّا
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 277 الأوّل : فواضح ، وأمّا الثانی : فلما مضیٰ من أنّ جریانـه مخصوص بمورد لم یوجد ما یصلح لأن یکون مخصّصاً ، والمسألـة محتاجـة إلی التأمّل . انتهیٰ .
هذا ، ولایخفی أنّ جریان العادة علیٰ ذکر التخصیص منفصلاً إنّما یجدی بالنسبـة إلیٰ عدم جواز التمسّک بالعامّ بمجرّد صدوره من المتکلّم ، بل لابدّ من الفحص والبحث عن المخصّص ، وأمّا بالنسبـة إلیٰ عدم جواز الرجوع إلیـه بعد العلم بالتخصیص فی المورد المشکوک انطباق المخصّص علیـه فلابعد انعقاد ظهور لـه فی العموم وعدم المزاحمـة بالحجّـة الأقویٰ فی المورد المشکوک کما بیّنّا .
نعم ، قد یشکل التمسّک بـه فی بعض المخصّصات الواردة بلسان التفسیر والشرح بحیث یکون ظاهراً فی عدم جعل الحکم بنحو العموم الشامل لمورد التخصیص من الأوّل ، مثل : قولـه بعد الأمر بإکرام العلماء : ما أردت إکرام فسّاقهم ، ونحو ذلک من التخصیصات التی تکون بلسان الحکومـة والتفسیر العامّ الواقع قبلها .
منها : ما إذا کان الخاصّ مردّداً بین المتبائنین وکان منفصلاً ، والظاهر أ نّـه لایجوز الرجوع إلی العامّ فی شیء من المحتملات ؛ لأنّ العلم الإجمالی بخروج واحد منها مانع من جریان أصالـة العموم ؛ لأنّ جریانها بالنسبـة إلیٰ جمیع الأطراف مخالف للعلم الإجمالی وفی بعضها دون بعض ترجیح من غیر مرجّح ، وحینئذٍ فلو کان مفاد الخاصّ حکماً تحریمیّاً والعامّ حکماً وجوبیاً ، یدور الأمر بین المحذورین ، وإن کان مفاده الجواز ونفی الوجوب ، فاللاّزم إکرام الجمیع ؛ لتوقّف الامتثال الیقینی علیـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 278 منها : هذه الصورة مع کون الخاصّ متّصلاً ویجری فیها حکم الصورة السابقـة ، کما هو واضح .
هذا کلّـه فیما إذا کان الخاصّ مجملاً مفهوماً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 279