المقام الثانی فی اقتضاء النهی للفساد فی المعاملات وعدمـه
وفیـه أیضاً جهتان من الکلام :
الجهـة الاُولیٰ : فی دلالـة النهی علی الفساد ، بمعنیٰ أنّـه لو ورد نهی متعلّق بمعاملـة ، ولم یحرز کونـه مولویّاً تحریمیّاً أو تنزیهیّاً أو إرشادیاً فهل ، ظاهرها الأخیر بمعنیٰ کونـه للإرشاد إلی الفساد أم لا ؟
والتحقیق هو الأوّل ؛ لأنّ المعاملـة کالبیع مثلاً یتضمّن جهات ثلاثـة :
الاُولیٰ : هی نفس الألفاظ الصادرة من المتعاقدین ، کبعتُ واشتریتُ مثلاً .
الثانیـة : ماهومدلول تلک الألفاظ ، وهوفعل تسبیبیللإنسان ، کالنقل والانتقال .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 218 الثالثـة : الآثار المترتّبـة علیها المرغوبـة منها ، کجواز التصرّف بالأکل والشرب واللّبس مثلاً ، ومن المعلوم أنّ غرض العقلاء هو الأمر الأخیر ، أی ترتیب الآثار المطلوبـة ، فالشارع من حیث إنّـه مقنّن للقوانین التی بها ینتظم اُمور الناس من حیث المعاش والمعاد ، فإذا نهیٰ عن معاملـة ، فالظاهر أنّـه لایترتّب علیها الآثار المترقّبـة منها ، بمعنیٰ أنّ النهی إرشاد إلیٰ فساد تلک المعاملـة ، کما هو الظاهر بنظر العرف .
الجهـة الثانیـة : فی الملازمـة بین الحرمـة والفساد فی المعاملات ، بمعنیٰ أنّـه لو اُحرز کون النهی للتحریم ، فهل یلازم ذلک فساد المعاملـة أو لا ؟
فنقول : إنّ النواهی الواردة فی المعاملات علی أنحاء :
أحدها : أن یکون النهی متعلّقاً بنفس ألفاظها من حیث إنّها فعل اختیاری مباشری ، فیصیر التلفّظ بها من المحرّمات ، کشرب الخمر ، ولاریب فی عدم الملازمـة بین حرمـة التلفّظ وفساد المعاملـة أصلاً ؛ فإنّ المعصیـة لا تنافی ترتیب الأثر .
ألا تری أنّ إتلاف مال الغیر حرام بلا إشکال ، ومع ذلک یؤثّر فی الضمان .
ثانیها : أن یکون مدلول النهی هو إیجاد السبب من حیث إنّـه یوجب وجود المسبّب . وبعبارة اُخریٰ : یکون المبغوض هو ما یتحصّل من المعاملـة ، وتؤثّر تلک الألفاظ فی وجودها ، کما فی النهی عن بیع المسلم للکافر ؛ فإنّ المبغوض فیـه هو سلطنـة الکافر علی المسلم ، وفی هذا النحو یمکن أن یقال بعدم ثبوت الملازمـة بین الحرمـة والفساد ، إذ لا مانع من صحّـة البیع ، إلاّ أنّـه ذکر فی تقریرات الشیخ قدس سره أنّ ذلک إنّما یستقیم فیما إذا قلنا بأنّ الأسباب الناقلـة إنّما هی مؤثّرات عقلیـة قد اطّلع علیها الشارع ، وبیّنها لنا من دون تصرّف زائد ، وأمّا علی القول بأنّ هذه أسباب شرعیـة إنّما وضعها الشارع وجعلها مؤثّرةً فی الآثار المطلوبـة عنها ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 219 فلابدّ من القول بدلالـة النهی علی الفساد ، فإنّ من البعید فی الغایـة جعل السبب فیما إذا کان وجود المسبّب مبغوضاً . انتهیٰ .
ولکن لایخفیٰ أنّ هنا احتمالاً آخر ، وهو : أن تکون الأسباب الناقلـة مؤثّرات عقلائیـة ، والشارع قد أمضاها ، وهو أقویٰ من الاحتمالین اللّذین ذکرهما فی کلامـه ، ومعـه یمکن صحّـة المعاملـة مع کونها محرّمـة .
وتوهّم أنّـه کما یکون من البعید جعل السبب ابتداء مع مبغوضیّـة المسبّب کذلک من البعید إمضاء السبب العقلائی مع مبغوضیّـة مسبّبـه ، مدفوع : بأنّ ذلک إنّما یستقیم لو تعلّق الإمضاء بها بخصوصها ، وأمّا لو کان الدلیل العامّ کقولـه : «أوفوا بالعقود» متضمّناً لإمضاء جمیع العقود العقلائیـة ، فیرتفع البُعْد ، کما لایخفیٰ .
ثالثها : أن یکون مدلول النهی هو التسبّب بألفاظ معاملـة خاصّـة إلی المسبّب ، بمعنی أنّـه لایکون السبب ولا المسبّب من حیث أنفسهما حراماً ، ولکن المحرّم هو التوصّل إلیٰ وجود المسبّب من ناحیـة خصوص هذا السبب ، ولایخفیٰ عدم الملازمـة فی هذا القسم أیضاً لو لم نقل بدلالـة النهی علی الصحّـة من حیث إنّ متعلّق النهی لابدّ وأن یکون مقدوراً للمکلّف بعد تعلّق النهی ، فلو کانت المعاملـة فاسدةً ، لم یکن التوصّل بالمسبّب من طریق هذا السبب مقدوراً للمکلّف بعد النهی حتّیٰ یتعلّق بـه ، وقد یعدّ باب الظهار من هذا القسم ؛ نظراً إلی أنّ السبب ـ وهو التلفّظ بألفاظـه ـ من حیث هو لایکون محرّماً ، وکذا المسبّب ـ وهی المفارقـة بین الزوجین والبینونـة بینهما ـ لایکون مبغوضاً أیضاً ؛ لتحقّقها فی الطلاق ، بل المحرّم هو التوصّل إلیٰ ذلک من طریق ألفاظ الظهار .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 220 ثمّ إنّ الوجـه الذی ذکرنا فی دلالـة النهی علی الصحّـة فی هذا القسم یجری فی القسم الثانی أیضاً ، فلا تغفل .
رابعها : أن یکون النهی متعلّقاً بالآثار المترتّبـة علی المعاملـة ، کالنهی عن أکل الثمن فیما إذا کان عن الکلب والخنزیر ، والنهی فی هذا القسم یدلّ علی الفساد ؛ لکشف تحریم الثمن عن فسادها ؛ إذ لایکاد یحرم مع صحّتها ، کما لایخفیٰ .
ثمّ إنّ هذا کلّـه فیما لو علم تعلّق النهی بواحد معیّن من الأقسام الأربعـة المتقدّمـة ، وأمّا لو اُحرز کون النهی للتحریم ولکن لم یعلم متعلّقـه وأنّـه هل هو من قبیل القسم الأوّل أو من قبیل سائر الأقسام ؟ فالظاهر کونـه من قبیل القسم الأخیر ؛ لأنّـه هو المقصود من المعاملـة ، فالنهی یتوجّـه إلیـه ، وقد عرفت کشفـه عن فسادها .
فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّ النهی المتعلّق بالمعاملـة من دون قرینـة یدلّ علیٰ فسادها إمّا لکونـه إرشاداً إلیٰ فسادها ، کما عرفت أنّـه الظاهر منـه ، وإمّا لکونـه یدلّ علیٰ حرمـة الآثار ، وهی ملازمـة للفساد ، فتأمّل جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 221