حکم العبادة مع الجهل عن قصور
ظاهر الکفایـة بل صریحها صحّـة العبادة معـه .
ولایخفی أنّ إثبات الصحـة موقوفـة علی إثبات جهتین :
الجهـة الاُولیٰ : کون المجمع مشتملاً علی کلا مناطی الحکمین : مناط الوجوب ومناط التحریم .
الجهـة الثانیـة : کفایـة مناط الوجوب فی الصحـة بعد سقوط مناط التحریم عن التأثیر فی الحکم الفعلی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 180 أمّا الکلام فی الجهـة الاُولیٰ فنقول : لا إشکال فی ثبوت المضادّة والمنافرة بین مناطی الوجوب والتحریم کثبوت المضادّة بین أنفسهما ، بل الأوّل أولیٰ ؛ لإمکان المناقشـة فی التضادّ بین الأحکام ، کما سیجیء إن شاء اللّٰـه تعالیٰ .
ومن الواضح أنّ مناط الحکم وملاکـه إنّما یقوم بالموجود الخارجی ، ضرورة أنّ شرب الخمر المتحقّق فی الواقع یکون ذا مفسدة لا عنوان شرب الخمر ، وحینئذٍ فیُسأل عن القائل بالامتناع ـ المستند فی ذلک إلیٰ ثبوت التضادّ بین الأحکام وأنّ متعلّق التکالیف هو فعل المکلّف وما هو فی الخارج یصدر عنـه وأنّ تعدّد العنوان لایوجب تعدّد المعنون وأنّ الموجود بوجود واحد لـه ماهیّـة واحدة ـ عن أنّـه هل حامل المصلحـة والمفسدة فی الوجود الخارجی هی الحیثیّـة الواقعیـة الواحدة أو الحیثیتین ؟ فإن قال بالأوّل ، فیردّه وضوح التضادّ بین المناطین ، وإن قال بالثانی ـ کما أنّـه لابدّ من ذلک ـ فیرد علیـه سؤال الفرق بین المناط وبین نفس الحکم ، فإذا جاز قیام المصلحـة بحیثیّـة وقیام المفسدة بحیثیـة اُخریٰ ، فلِمَ لایجوز کون الأمر متعلّقاً بالحیثیـة الاُولیٰ والنهی بالحیثیـة الثانیـة .
وبالجملـة ، فلایجتمع القول بالامتناع نظراً إلی أنّـه تکلیف محال مع القول بکون المجمع مشتملاً علیٰ کلا المناطین ، فبعدما کان المفروض هو القول بالامتناع وتقدیم جانب النهی لایبقیٰ مجال للقول بالصحّـة أصلاً ولو قلنا بکفایـة الملاک فی صحّـة العبادة وعدم احتیاجها إلی تعلّق الأمر بها ، ضرورة أنّـه بناءً علیٰ ما ذکرنا لایکون المجمع إلاّ مشتملاً علی مناط التحریم فقط .
وأمّا الکلام فی الجهـة الثانیـة ، فنقول : لو سلّم کون المجمع واجداً للمناطین بناءً علی القول بالامتناع ، فهل یکفی مناط الوجوب فی صحّـة العبادة بعد فرض سقوط مناط التحریم عن التأثیر ؟ وبعد فرض کفایـة المناط فی صحّـة العبادة وعدم الافتقار إلی تعلّق الأمر بها أم لا ؟ قد یقال ـ کما فی تقریرات المحقّق
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 181 النائینی ـ بالعدم ؛ نظراً إلی أنّ تصحیح العبادة بالملاک إنّما یکون بعد الفراغ عن ثبوت حکمها وتشریعـه مطلقاً ، غایـة الأمر أنّـه وقع التزاحم بین ذلک الحکم وبین حکم آخر فی مقام الامتثال .
وخلاصـة کلامـه فی هذا الباب : أنّ التزاحم قد یکون بین الحکمین ، وقد یکون بین المقتضیین ، مثل مورد الاجتماع ، بناء علی القول بالامتناع ، وبینهما بون بعید ؛ فإنّ تزاحم الحکمین إنّما یکون فی مقام الفعلیّـة وتحقّق الموضوع بعد الفراغ عن تشریعهما علیٰ طبق موضوعاتهما المقدّر وجودها ، وفی هذا القسم من التزاحم یکون لعلم المکلّف وجهلـه دخلٌ حیث إنّ الحکم المجهول لایصلح أن یکون مزاحماً لغیره ، فإنّـه لایکون شاغلاً لنفسـه ، فبأن لایکون شاغلاً عن غیره أولیٰ .
وأمّا تزاحم المقتضیین فإنّما یکون فی مقام الجعل والتشریع حیث یتزاحم المقتضیان فی نفس الآمر وإرادتـه ، ویقع الکسر والانکسار بینهما فی ذلک المقام ، ویکون لعلم الآمر وجهلـه دخل فی تزاحم المقتضیین حیث لو یعلم الآمر بثبوتهما لایعقل أن یقع التزاحم بینهما ، وعلم المکلّف وجهلـه أجنبی عن ذلک ؛ فإنّ عالم الجعل والتشریع إنّما یکون بید الآمر ، والمأمور أجنبی عنـه ، کما أنّ عالم الامتثال إنّما یکون بید المکلّف ، والآمر أجنبی عنـه .
والحاصل أنّـه بناءً علی الامتناع تندرج المسألـة فی صغری التعارض ؛ للزوم تعلّق الأمر حینئذٍ بعین ما تعلّق بـه النهی ، واستلزامـه اجتماع الضدّین فی واحد شخصی عدداً وهویّةً ، وعلیـه لابدّ من إعمال قواعد التعارض ، ومع ترجیح جانب النهی لم یبق مجال للقول بالصحّـة أصلاً ؛ لما عرفت من أنّ فی هذا الباب لا دخل لعلم المکلّف وجهلـه أصلاً .
وتوهّم أنّ الصحّـة عند الجهل إنّما هی لوجود الملاک والمقتضی ، مدفوع :
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 182 بأنّ الملاک المغلوب بما هو أقویٰ منـه والمکسور بغیره فی عالم الجعل والتشریع لایصلح أن یکون موجباً للصحّـة ، فإنّ الموجب لها هو الملاک التامّ الذی لایکون مکسوراً بما هو أقوی منـه فی عالم التشریع انتهی ملخّص کلامـه .
ولکن لایخفیٰ : أنّ المراد بوقوع الکسر والانکسار بین الملاکین لیس صیرورة الملاک المسکور والمغلوب معدوماً فی مقابل الملاک الغالب بحیث یکون الفعل مع تلک الغلبـة مشتملاً علی ملاک الغالب فقط ، بل المراد کونـه جامعاً لکلا الملاکین ، غایـة الأمر أنّ أقوائیـة ملاک الغالب صار مانعاً من تشریع الحکم علیٰ طبق الملاک المغلوب ، وحینئذٍ فیرد علیـه سؤال الفرق بین صورتی التزاحم ، أی : التزاحم بین الحکمین والتزاحم بین المقتضیین ، فإن قال فی الجواب : بأنّ فی الثانی یرجع التقیید إلیٰ مقام الثبوت والواقع بمعنی أنّـه یکون المأمور بـه مثلاً حینئذٍ فی المقام بناءً علی الامتناع وترجیح جانب النهی هی الصلاة المقیّدة بما عدا الفرد المجامع للغصب ، بخلاف الأوّل ؛ فإنّ سقوط الأمر بالمهم مثلاً إنّما هو لعدم إمکان امتثالهما بعد الفراغ عن تشریعهما مطلقاً ، فیرد علیـه : أنّ السقوط لابدّ أن یرجع إلی التقیید ، فإن قال : إنّ التقیید فی تزاحم المقتضیین إنّما هو فی مقام جعل الحکم الإنشائی ، بخلاف تزاحم الحکمین ، فإنّ التقیید إنّما هو فی مقام فعلیـة الحکم ، فیقال علیـه : إنّـه لا نسلّم رجوع التقیید فی تزاحم المقتضیین إلی مقام جعل الحکم الإنشائی .
ودعوی : أنّ إطلاق الحکم فیـه یستلزم اللغویـة ، مدفوعـة : بمنع لزومها بعد ظهور ثمرتـه فی صورة الجهل .
وکیف کان فبعد کون ملاک الأمر تامّاً بمعنیٰ کونـه صالحاً لتعلّق الأمر بـه لو
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 183 لم یمنع عنـه مانع لایبقیٰ مجال للإشکال فی صحّـة الصلاة بناءً علی هذا القول الفاسد لو قیل باشتمالها علی الملاک وبکفایـة الملاک فی صحّـة العبادة .
ولکنّک عرفت أنّ المقدّمـة الاُولیٰ ممنوعـة .
ومن هنا انقدح : أنّـه لایمکن أن یستکشف من مجرّد حکم المشهور بالصحّـة فی موارد العذر أنّهم قائلون بالجواز ؛ نظراً إلیٰ أنّـه بناء علی الامتناع تکون الصلاة فاسدةً مطلقاً ، فإنّک عرفت أنّ الحکم بالصحّـة لاینافی القول بالامتناع ، فتأمّل جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 184