جواب آخر علیٰ مسلک الترتّب
ثمّ إنّـه تصدّیٰ جماعـة من الأفاضل لتصحیح الأمر بالضدّین بنحو الترتّب بأن یکون الأمر بالأهمّ مطلقاً غیر مشروط والأمر بالمهمّ مشروطاً بعصیان الأمر الأوّل بنحو الشرط المتأخّر ، أو بالبناء علیٰ معصیتـه ، ولایخفی أنّ اشتراط الأمر بالمهمّ بالعصیان أو بالبناء علیـه لایکون اشتراطاً شرعیّاً .
وتوضیحـه یتوقّف علیٰ بیان مقدّمات :
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 126 الاُولیٰ : أ نّـه لا إشکال فی أنّ متعلّق الأوامر والنواهی هی الطبائع لا الأفراد ، کما سیأتی تحقیقـه .
الثانیـة : المراد بالإطلاق هو أخذ الطبیعـة فی مقام جعل الحکم علیـه مطلقـة غیر مقیّدة بشیء من القیود بمعنی أنّ المتکلّم المختار إذا صار بصدد بیان بعض الأحکام ولم یأخذ فی موضوعـه إلاّ الطبیعـة المعرّاة عن القیود ، یستکشف من ذلک أنّ تمام الموضوع لذلک الحکم هی نفس الطبیعـة بلا مدخلیـة لشیء فی ترتّبـه أصلاً ، فمعنی الإطلاق لیس هو لحاظ سرایـة الحکم إلیٰ جمیع أفراد الطبیعـة حتّیٰ یتّحد مع العموم فی النتیجـة ، وهی ثبوت الحکم لجمیع أفراد الطبیعـة ؛ لأنّـه لیس فی الإطلاق لحاظ الأفراد ، بل لایعقل أن تکون الطبیعـة مرآةً وکاشفةً لوجوداتها التی ستحقّق بعد انضمام سائر العوارض إلیها فإنّ لفظ الإنسان مثلاً لم یوضع إلاّ لنفس ماهیـة الحیوان الناطق ولایعقل أن یحکی عن أفراد تلک الطبیعـة بعد عدم کونـه موضوعاً بإزائها ، کما هو واضح .
وبالجملـة ، فلیس معنی الإطلاق إلاّ مجرّد عدم مدخلیّـة شیء من القیود بلا ملاحظـة الأفراد ، کما هو واضح .
الثالثـة : أنّ المزاحمـة الحاصلـة بین الأمر بالأهمّ والأمر بالمهمّ کالأمر بإزالـة النجاسـة عن المسجد والأمر بالصلاة لیست متحقّقةً فی مرحلة تعلّق الأمر بهما ؛ إذ لیس الأمر لطبیعـة الصلاة مزاحماً للأمر لطبیعـة الإزالـة أصلاً ، کما لایخفیٰ ، ولیسا کالأمر بالنقیضین ، بل المزاحمـة بینهما إنّما تتحقّق بعد تعلّق الأمر وحصول الابتلاء بمعنی أنّـه إذا ابتلی المکلّف بنجاسـة المسجد فی زمان کونـه مأموراً بالأمر الصلاتی تحصل المزاحمـة بینهما ، ومن المعلوم أنّ الترتّب والاشتراط الذی یقول بـه القائل بالترتّب إنّما هو بعد تحقّق المزاحمـة المتأخّرة عن مرحلـة الأمر ، کما عرفت .
وحینئذٍ فنقول : إنّـه کیف یمکن أن یکون أحد الأمرین مشروطاً بسبب
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 127 المزاحمـة التی تتحقّق بینهما بعداً ؟ ! بعدما عرفت من أنّ معنی الإطلاق هو أخذ الطبیعـة المرسلـة موضوعاً للحکم ومتعلّقاً للأمر بلا ملاحظـة الأفراد ولا الحالات التی من جملتها فی المقام حال الابتلاء بالضدّ الواجب .
وبالجملـة ، فالآمر فی مقام الأمر لم یلاحظ الحالات بخصوصها حتّیٰ صار بصدد علاج المزاحمـة الحاصلـة فی بعض الحالات المتأخّرة عن الأمر ، کما هو واضح ، وعلیٰ تقدیر تسلیم عدم الامتناع عقلاً نقول : إنّ ذلک غیر واقع ؛ إذ لیس فی الأدلّـة الشرعیـة ما یظهر منـه تقیید الأمر بالمهمّ واشتراطـه کما یظهر بالمراجعـة .
فانقدح من جمیع ذلک : أنّـه لو کان المراد بالاشتراط اشتراطاً شرعیاً ، یرد علیـه امتناعـه ، وعلیٰ تقدیر التسلیم عدم وقوعـه فلایفید أصلاً ، کما لایخفیٰ ، فیجب أن یکون المراد بالاشتراط اشتراطاً عقلیّاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 128