إنکار المحقّق الخراسانی المقدّمیّـة مطلقاً
ثمّ إنّ من القائلین بالقول الخامس المنکرین للمقدّمیـة : المحقّق الخراسانی فی الکفایـة ، بل یظهر من بعض عباراتـه کون الشیء وترک ضدّه فی رتبـة واحدة حیث قال فی مقام الجواب عن توهّم المقدّمیـة : إنّ المعاندة والمنافرة بین الشیئین لا تقتضی إلاّ عدم اجتماعهما فی التحقّق ، وحیث لا منافاة أصلاً بین أحد العینین وما هو نقیض الآخر وبدیلـه بل بینهما کمال الملائمـة ، کان أحد العینین مع ما هو نقیض الآخر وبدیلـه فی مرتبـة واحدة من دون أن یکون فی البین ما یقتضی تقدّم أحدهما علی الآخر ، کما لایخفیٰ .
هذا ، وأنت خبیر بأنّ مجرّد أن یکون بینهما کمال الملائمـة لایقتضی ثبوت التقارن ، کیف ومن الواضح أن یکون بین المعلول وعدم العلّـة کمال الملائمـة ، مع أنّ فرض التقارن بینهما یقتضی کون المعلول مع العلّـة أیضاً کذلک ؛ لأنّ النقیضین فی رتبـة واحدة بلا إشکال ، کما صرّح بـه فی الکفایـة بعد هذه العبارة .
ویمکن توجیـه هذا الکلام بأ نّـه کما یصدق علی الضدّ ما یکون ذلک من
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 113 أفراده حقیقـة بالحمل الشائع الذاتی الذی مرجعـه إلیٰ کون المصداق داخلاً فی حقیقـة المحمول ، کذلک یصدق علیـه عدم الضدّ الآخر بالحمل الشائع العرضی الذی یرجع إلیٰ ثبوت المحمول لـه بالعرض ، فالشیء الواحد یکون مصداقاً لشیء بالذات ولشیء آخر بالعرض ، فیستلزم ذلک کون المتصادقین فی رتبـة واحدة ؛ لأنّ المفروض کون المصداق لهما شیئاً واحداً ، کما هو واضح .
ولکن لایخفیٰ أنّ حمل العدم علیٰ الوجود لیس حملاً حقیقیّاً راجعاً إلی کون ذلک الوجود واجداً لذلک العدم ، ککونـه واجداً للصفات الوجودیـة ، کیف ومعنی الواجدیـة کون شیء مرتبطاً مع شیء آخر ، مع أنّ العدم مطلقاً لیس بشیء حتّیٰ یکون شیء آخر واجداً لـه .
وتقسیم القضایا إلیٰ قضیّـة موجبـة وسالبـة محصّلـة وموجبـة سالبـة المحمول وسالبـة معدولـة لایدلّ علی إمکان حمل السلب والعدم علیٰ شیء ؛ لأنّ ذلک إنّما هو علیٰ سبیل المسامحـة ، بل ما عدا الأوّل یرجع إلیٰ نفی الربط بین الموضوع ، وذلک الحکم المسلوب ، لا إلیٰ ثبوت الربط بینهما ، کیف والعدم لیس بشیء حتّیٰ تحقّقت الرابطـة بینـه وبین موجود آخر ، وصدق القضایا السلبیـة لیس بمعنیٰ مطابقتها للواقع حتّیٰ یکون لها واقع یطابقـه ، بل صدقـه بمعنیٰ خلوّ الواقع عن الارتباط ، وثبوت المحمول للموضوع ، کما لایخفیٰ ، کما أنّ ما اشتهر من أنّ عدم العلّـة علّـة للعدم إنّما هو علیٰ نحو المسامحـة قیاساً إلی الوجود وتشبیهاً بـه ، والتعبیر عمّا من شأنـه أن یکون لـه وجود بعدم الملکـة لیس المراد منـه أنّ العدم فیـه الشأنیـة لکذا ، کیف وهی من الحیثیّات الثبوتیّـة الممتنعـة الاجتماع مع الحیثیّات السلبیـة .
وبالجملـة ، فکون العدم مقابلاً للوجود خارجاً عن حیطـة الشیئیـة ممّا لاینبغی الارتیاب فیـه ، فکلّ ما یوهم بظاهره الخلاف من ثبوتـه لشیء أو ثبوت
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 114 شیء لـه فیجب تأویلـه ، کما هو واضح .
فانقدح من جمیع ما ذکرنا : أنّ عدم الضدّ لیس بشیء حتّیٰ یصدق علیٰ شیء آخر ، کیف ولو قلنا بذلک لایرتفع الإشکال المتقدّم ، فإنّ المعلول کما یصدق علیـه ماهیّتـه صدقاً حقیقیّاً کذلک یصدق علیـه عدم العلّـة صدقاً عرضیاً ، فیلزم أن یکون المعلول فی رتبـة العلّـة لکونـه فی رتبـة عدمها الذی هو فی رتبـة وجودها ، کما هو المفروض فی النقیضین .
فتحصّل أنّ ما ذکره فی الکفایـة لم ینهض حجّةً علی اتّحاد رتبة الشیء وترک ضدّه ، کما عرفت .
ثمّ إنّـه قدس سره ـ بعد العبارة المتقدّمـة التی کان غرضـه منها إثبات التقارن بینهما ـ صار بصدد تشبیـه الضدّین بالنقیضین ، فقال : فکما أنّ قضیّـة المنافاة بین المتناقضین لا تقتضی تقدّم ارتفاع أحدهما فی ثبوت الآخر کذلک فی المتضادّین .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 115