البحث الثالث
عموم قدرته علیٰ الأفعال
تدلّ هذه الآیـة علیٰ عموم قدرتـه ونفوذ سطوتـه وسلطنتـه فی جمیع الأشیاء؛ سواء فیها الـجواهر والأحداث، فجیمع الأفعال الإنسانیـة محطّ قدرته، ومهبط نفوذ إرادتـه تع الـیٰ، خلافاً لجمع الـمعتزلـة و الـمفوّضـة، الـقائلین باستقلال الـعباد فی أفع الـهم، بل هم یقولون باستقلال الـعلل فی تأثیراتها.
ویمکن الـمناقشـة فی الاستدلال الـمزبور: بأنّ إثبات الـقدرة لـه تع الـیٰ ب الـنسبـة إلـیٰ کافّـة الأفعال، لا ینافی استقلال الـعباد فی صنعهم وأعم الـهم؛ ضرورة أنّ اللّٰه تع الـیٰ یقدر علیٰ إیجاد الـمانع عن صنیعهم وفعلهم، ویقدر علیٰ أن یخلق أفع الـهم بلا وساطتهم. وهذا غیر ما علیـه الـمحقّقون؛ وهو أنّ کلّ فعل من الأفعال الـصادرة عن الـعباد مستندة إلـیٰ قدرة الـعبد وقدرتـه تع الـیٰ، ولاتدلّ الآیـة الـشریفـة علیٰ أنّ اللّٰه تع الـیٰ أعمل قدرتـه فی کلّ فعل، فلاینبغی الـخلط کما خلطوا.
نعم حُکی عن أبی هاشم وأبی علیّ الـجبائیـین: أنّهما أنکرا مقدوریـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 248 فعل الـعبد للّٰه تع الـیٰ، ولا أظنّ أنّهم یلتزمون بعجزه تع الـیٰ عن سدّ الـمانع عن تأثیر قدرة الـعبد، وعلیٰ هذا یکون فعلـه مقدوراً للّٰه تع الـیٰ بهذا الـمعنیٰ.
أقول: هذه الـمسألـة تدور حـول مسألـة الـقدرة وحقیقتها، وأنّ قدرة اللّٰه تع الـیٰ کقدرة الـعبد منتظرة لح الـتی الإرادة و الـدواعی الـزائدة علیٰ الـذات، أم هی طور آخر من الـقدرة، ونمط أعلیٰ من الـسلطـة.
وحیث إنّ لهذه الـمسألـة محلاًّ آخر حسب ما هو بناؤنا فی هذا الـکتاب، فنشیر إجمالاً إلـیٰ أمر ینتهی إلـیٰ دلالـة الآیـة ـ حسب ما هو الـحقّ فی الـقدرة ـ علیٰ أنّ کلّ شیء فی الـعالَم إذا تحلّیٰ بحِلْیـة الـوجود وتجلّیٰ بجلوة الـنور و الـحقیقـة، یکون ذلک بإقداره تع الـیٰ وقدرتـه الأزلیـة؛ ضرورة أنّ قدرتـه تع الـیٰ عین ذاتـه تع الـیٰ وعین علمـه تع الـیٰ، ولایکون هناک أمر زائد علیٰ ذاتـه الـوحدانیـة الـبسیطـة، فتکون قدرتـه وإرادة اللّٰه تع الـیٰ واحدة بوحدة الـوجود الـذی هو الأصل وأصل کلّ کمال وجمال، فهو تع الـیٰ مفیض الـوجود، ومخرج الـماهیّات من « الـلیس» إلـیٰ «الأیس»، و الـوسائط إمکانات استعدادیـة وممرّات الـفیض الأزلی، فهو قادر علیٰ کلّ شیء ب القدرة الفعلیة، لابمعنیٰ أنّـه تع الـیٰ یقبض قدرتـه تارة ویرسلها اُخریٰ، کما فی الـعباد، فإنّ أخذ الـقدرة وقبض الإرادة ثمّ بسطها یرجع إلـیٰ قبض إرادتـه وبسطها، وهو محال. نعم الـقبض و الـبسط فی الـوجود متصوّر؛ أی فی فعلـه تع الـیٰ حاصل متحصّل ب الـضرورة، فهو تع الـیٰ قادر ذاتاً، وقدرتـه عمّ الة نافذة دائمیـة أزلاً وأبداً علیٰ وجـه تعلّق علمـه بتبعات أسمائـه وصفاتـه.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 249 ف الـمحصول ممّا قدّمنا: أنّ الآیـة لا تدلّ علیٰ شیء حسب الـدلالات الـلفظیـة. نعم علیٰ مبنیٰ الـتحقیق یکون الآیـة شاهدة علیٰ أنّـه تع الـیٰ قادر ب الـقدرة الـمعمولـة لاب الـقدرة الـمخزونـة فقط، کما هو تع الـیٰ ع الـم ب الـعلم الـمعمول، أی الـعلم الـفعلی الـخارجی، وهو صفحـة الـعالَم کلّـه وبالعلم الـمخزون الـذی هو ذاتـه.
وممّا ذکرنا یظهر ضعف ما فی کتب الـقوم من الاستدلال بهذه الآیـة علیٰ أنّ الـمحدَث شیء، واللّٰه قادر علیٰ کلّ شیء خلافاً للمعتزلـة؛ وذلک لما عرفت أنّ من یقول بذلک یفسّر الـقدرة بما لا ینافی عموم قدرتـه وکون الـعبد مستقلاًّ فی إحداث الـحدث، فلا تخلط.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 250