الوجه الثالث عشر
اشتماله علیٰ التعابیر العرفیة والاصطلاحات
ومن خصوصیّات هذا الـسِّفر الـقیّم و الـنور الـدائم و الـفرقان الـعظیم و الـقِسْطاس الـمستقیم: أنّـه مضافاً إلـیٰ احتوائـه علیٰ الـعربیّ الـمبین، وعلی الـلغات الـعامّیـة الـرائج استعم الـها و الـمتعارف فی عصره ومصره؛ عربیـة کانت، أو مستعربـة من الـفارس أو الـحبشـة أو الـهند أو الـترک أو الـیونان أو غیر ذلک، فإنّ فی اتّخاذ هذا الـسبیل ملاحةً خاصّة، وتقریباً من الأفهام الأوّلیـة، وتوطئـة للهدایـة إلـیٰ الـمسائل الـع الـیـة؛ الـبعیدة عن الأفهام الـراقیـة والأفکار الـعمیقـة، یکون حسب ما أظنّ محتویاً علیٰ الاصطلاحات ویحتاج إلـیٰ الـتدبّر جدّاً و الـتأمّل کثیراً؛ حتّیٰ یستخرج من خلالـه ماهو الـمراد من الـمصطلحات.
وبالجملة: کلّما یکون فی سائر الـکتب اصطلاح خاصّ یعرفـه أهلها،
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 515 ولایتوجّـه إلـیها إلاّ من استخدم الـعلم بما لا مزید علیـه، ویجیء الـملاحظ الـمتأخّر، فیجد مواقف سقوطـه ومحالّ اشتباهـه، وینادی بأعلیٰ صوتـه: عذری منـه جهلی.
وبالجملة: یجوز أن یکون « الـشرقیـة» و« الـشرق» فی الـقرآن رمزاً إلـیٰ الـمعنویات، و« الـغربیـة» و« الـغرب» اصطلاحاً للمادّیات، فإذا نقرأ قولـه تع الـیٰ: «لاَشَرْقِیَّةٍ وَلاَ غَرْبِیَّةٍ» یخطر ب الـبال: أنّ الـمراد هو الـحدّ الـوسط وإذا نقرأ قولـه تع الـیٰ: «وَمَا کُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِیّ»، وقولـه: «إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَکَانَاً شَرْقِیّاً»، نظنّ فیهما ذلک الأمر، وإذا نراجع تأریخ حیاة الأنبیاء نجدهم أنّهم من الـشرق، وإذا نراجع تأریخ علماء الـطبیعـة و الـمادّة و الـمخترعین نجدهم غربیّـین، فربّما تکون لانعکاسات الـشمس وارتعاشات الـکرات والأرض، دخ الـة فی هذا الأمر وذاک.
ومن هنا یخطر ببالنا: أنّ حدیث بعثـة الأنبیاء لیس حدیثاً خارجاً عن حدیث بعثـة الـمخترعین وسائر الـبعثات، وأنّ الـکلّ مبعوثون فی وجـه من قِبَل الـغیب ، وفی وجـه من دخ الـة الـشرائط الـمادّیـة و الـمقتضیات الـمحلّیـة و الـقطریـة، ونصل بعد ذلک إلـیٰ ما سلف منّا فی الـمباحث الـسابقـة، ویتأکّد ذلک الـبحث بما اُشیر إلـیـه جدّاً.
فلو کان نزول الـوحی من الـسماء بلا اقتضاء من قِبَل الإنسان الأرضی،
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 516 لکان أن یتنزل فی أرض امریکا والأرجنتین و الـبلاد الـنائیـة الاُروبیـة واستر الـیا، ولکان ذلک لازماً فی کلّ عصر وکلّ مصر، ولایکون لآخرهم الـختم و الـخاتمـة ؛ لاحتیاج الـبشر ـ فی جمیع الأحیان والأزمان ـ إلـی الإمدادات الـغیبیـة و الـرُسل الإلهیـة، ولکان فی ترک ذلک ظُلمٌ وجَوْرٌ فی حقّ الـجماعـة الـجاهلین و الـثلّـة الـعاجزین عن إدراک الـمبادئ و الـحقائق، فکلّ هذه الـمسائل تشهد علیٰ أنّ الـمسألـة لیست جُزافیـة. وتفصیلـه یُطلب من قواعدنا الـعقلیـة و الـحکمیـة. ومن هنا تنحلّ مشکلـة الـخاتمیـة ومُعضلـة انقراض عصر الـنبوّة و الـوحی، کما لایخفیٰ.
وب الـجملـة: من الـمحتمل أن تکون کلمـة الأمر رمزاً إلـیٰ الـوجودات الـمفارقـة، وکلمـة الـخلق رمزاً إلـیٰ الـوجود الـمادّی و الـمقارن مع الـمادّة، فإذا قرأنا قولـه تع الـیٰ: «أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ» نشعر منـه أنّ الأمر من قبیل الـخلق، ویکون فی قب الـه. وإذا قرأنا قولـه تع الـیٰ: «یَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِیّ»، یخطر ب الـبال: أنّ فی الآیـة جواباً عن حقیقـة الـروح... وهکذا.
وعلیٰ کلّ تقدیر لابدّ من الـفحص فی الـقرآن حتّیٰ یتبیّن هذه الـحقیقـة، ویظهر صدق هذه الـمق الـة أو کذبها؛ فإنّ فی صورة کشف هذا الأمر یتبیّن کثیر من الـمسائل الإلهیـة و الـتفسیریـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 517