الوجه التاسع
حـول التفریع فی «فَلا تَجْعلوا للّٰه أنْداداً»
قضیّـة الـقواعد الأوّلیّـة أن تکون الـهیئـة فی قولـه تع الـیٰ: «فَلاَ تَجْعَلُوا لِلّٰهِ أَنْدَاداً»للتحریم، فتکون زجراً بداعی إفادة الـحرمـة الـذاتیـة، ولکنّ الـمناسبـة الـمشهودة من ابتداء الآیـة الـسابقـة إلـیٰ هنا، تقضی بأنّها للإرشاد، فإنّـه تع الـیٰ أخذ فی توجیـه الـناس إلـیٰ الـعبادة؛ بذکر الـعلل و الـموجبات الـعقلیـة، وب الـتنبیـه إلـیٰ الأسباب الإنسانیـة والاُصول الأخلاقیـة، وأنّ اللّٰه الـذی هو ربّکم وربّ الـسابقین علیکم، و الـذی جعل لکم الأرض فراشاً و الـسماء بناءً، واللّٰه الّذی أنزل من السماء ماءً لکم، وأخرج بـه رزقاً لکم من أنواع الثمرات لا ینبغی أن تجعلوا لـه أنداداً.
وهذا أحسن طریقـة فی الأدب و الـبلاغـة، فإنّ فی الـنهی خشونـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 367 لایتحمّلها الإنسان الـطاغی و الـبشر الـمتمرّد، بخلاف هذه الـسبیل الـتی تلائم الـطباع کلاًّ، وتناسب الآراء الـمختلفـة و الـمعاندین من الـملحدین و الـمشرکین.
ومن هنا یظهر وجـه الإتیان ب الـفاء، وأنّ ذکر جمیع هذه الـنعم و الـموائد و الـعوائد والآلاء و الـنعماء، مقدّمـة وتوطئـة لما هو الـمقصود ب الـذات؛ بأن یطرحوا الأنداد و الـشرکاء والأضداد والأصنام و الـمعبودات ویتمسّکوا بعبادة اللّٰه، ولأجل الاهتمام بشأن عبادة اللّٰه تع الـیٰ أتیٰ باسم الـذّات وب الـعلم الـشخصی.
وغیرخفیّ: أنّ التوجیهات السابقة علیٰ مدار الأسماء الـکلّیـة و الصفات الـعامّـة، ثمّ بعد ذلک انتقل إلـیٰ ذکر الـعَلَم الـشخصی انتقالاً من الـکلّی إلـیٰ الـجزئی، ولأنّ اللازم فی الـعبادة أن یکون الـعبد متوجّهاً إلـیٰ اللّٰه الشخصی، لا إلـیٰ الـکلّی ولو کان لا ینطبق إلاّ علیٰ الـجزئی و الـشخصی الـخاصّ.
وما قد یتوهّم: أنّ المقام من باب ذکر الـمُظهَر مقام الـمضمر غیر تامّ، بل المقام من باب توجیـه العباد من الکلّیات الـفطریّـة إلـیٰ الـقضیّـة الشخصیّة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 368