منها : آیـة النفر
ومن الآیات التی استدلّ بها علی حجّیـة خبر الواحد آیـة النفر : «وَمٰا کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کٰافَّةً فَلَوْلاٰ نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَلِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذٰا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ» .
ولکن الاستدلال بها لذلک فی غایـة الضعف ؛ لأنّ المستفاد من لولا التحضیضیـة لیس وجوب أصل النفر ، بل المقصود بها بملاحظـة قولـه : «وَمٰا کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفرُوا کٰافَّةً» ، وبملاحظة الآیات التی قبل هذه الآیة هو نفی وجوب نفر المؤمنین کافّـة ، والنهی عن ذلک ، بمعنی أنّ مفاد لولا التحضیضیـة هو وجوب التفرقـة والتفکیک ؛ أی لایجوز للمؤمنین کافّـة النفر ، وإبقاء رسول اللّٰـه صلی الله علیه و آله وسلم وحده ، فلِمَ لایکون النافرون طائفـة خاصّـة من المؤمنین .
فالمراد من الآیـة بحسب الظاهر هو النهی عن النفر العمومی ، ولیس المقصود منها هو بیان أصل وجوب نفر طائفـة لغایـة التفقّـة . هذا ، مضافاً إلی أنّ کلمـة النفر کما یدلّ علیـه التأمّل فی سیاق الآیـة وفی موارد استعمالاتها فی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 481 القرآن الکریم یکون المراد بها النفر للجهاد ، لا النفر للتفقّـة .
وعلیـه فیتعیّن أن یکون المراد من الآیـة هو تفقّـة النافرین بسبب ما یرونـه فی الجهاد من السفرة الإلهیـة والإمدادات الغیبیـة وقوّة الإیمان وإنذار القوم الذین هم الکفّار الموجودون فی المدینـة ، لعلّهم یحذرون ویدخلون فی دین اللّٰـه ، أو یصون الإسلام والمسلمون من شرورهم . ویؤیّد ذلک رجوع الضمیر فی «لیتفقّهوا» أو ما بعده إلی النافرین المذکورین فی الآیـة ، ولا وجـه للرجوع إلی المتخلّفین ، بعد عدم کونهم مذکورین ، وأیضاً لایناسب الإنذار والحذر بالإضافـة إلی المجاهدین ، أصلاً .
وإلی أنّ التفقّـه یحتمل أن یکون المراد بـه التفقّـه فی الاُصول الاعتقادیـة ، لا الأحکام الفرعیـة ، کما یشهد بذلک الروایات الکثیرة التی استدلّ فیها بالآیـة الشریفـة لأصل الإمامـة .
وعلی تقدیر أن یکون المراد بـه الأعمّ من التفقّـه فی الأحکام الفرعیـة فالظاهر أنّ المراد بقولـه «لینذروا» هو إنذار کلّ واحد من المتفقّهین النافرین أو المتخلّفین ـ علی اختلاف التفسیرین ـ جمیع قومهم ، وحینئذٍ فلایدلّ علی وجوب تصدیق کلّ واحد من المنذرین ، وعلی تقدیر وجوب تصدیقـه ینحصر ذلک بالمتفقّـه المنذر ، لا کلّ من تحمّل الحدیث ، وإن لم یکن فقیهاً .
هذا کلّـه ، مضافاً إلی المنع من کون الحذر واجباً ، وعلی تقدیر وجوبـه لا دلیل علی کون المراد بالحذر هو الحذر العملی الراجع إلی العمل بقول المنذر ، بل الظاهر هو التحذّر القلبی والخوف والخشیـة ، فیکون المقصود لینذروا قومهم بالموعظـة والإیعاد ، حتّی یخافوا من عذاب اللّٰـه ، ویعملوا بوظائفهم .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 482 وکیف کان فالآیـة الشریفـة بعیدة عن الدلالـة علی حجّیـة خبر الواحد بمراحل . وممّا ذکرنا یظهر الخلل فیما أفاده المحقّق النائینی علی ما فی تقریراتـه فی تقریب دلالـة الآیـة علی حجّیـة خبر الواحد ، فراجع .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 483