الأمر الثالث : تفسیر وصفی الصحّـة والفساد
ذکر فی الکفایـة فی معنی الصحّـة والفساد ما حاصلـه : أنّهما وصفان إضافیّان ، ومعنی الأوّل هی التمامیـة ، والثانی هو النقص ، والصحّـة فی العبادة والمعاملـة بمعنیٰ واحد ، وهو التمامیـة ، والاختلاف فی الآثار المرغوبـة منهما
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 209 التی بالقیاس علیها تتّصف بالتمامیـة ، وهکذا الاختلاف بین الفقیـه والمتکلّم فی تفسیر صحّـة العبادة إنّما یکون لأجل الاختلاف فیما هو المهمّ لکلٍّ منهما من الأثر بعد الاتّفاق علی أنّها بمعنی التمامیـة ، کما هی معناها لغةً وعرفاً .
أقول : من الواضح أنّ الصحّـة والفساد لایساوقان التمامیـة والنقص بحسب اللغـة والعرف ؛ لما نریٰ بالوجدان من اختلاف موارد استعمالهما ، فلایقال علی الإنسان الفاقد للبصر مثلاً : إنّـه فاسد ، ولا علی الفاکهـة التی طرأ علیها بعض العوارض فأخرجها عمّا یقتضیـه بحسب نوعها : إنّها ناقصـة ، ولا علی البیت الخالیـة من السقف أو الجدار مثلاً : إنّـه فاسد ، بل یقال : ناقص ، ولا علی المعجون المشتمل علیٰ جمیع أجزائـه الغیر المترتّب علیـه الأثر المقصود منـه ؛ لطروّ بعض العوارض علیـه : إنّـه ناقص ، بل یقال لـه : إنّـه فاسد .
وبالجملـة ، فاختلاف موارد استعمالهما ممّا لاینبغی الارتیاب فیـه .
والحقّ الذی یطابقـه الوجدان : أنّ معنی التمامیـة یرجع إلی اشتمال الشیء المرکّب علیٰ جمیع ما اعتبر فیـه من الأجزاء والشرائط ، والنقص عبارة عن فقدانـه لبعض تلک الأجزاء أو الشرائط ، والتقابل بینهما تقابل العدم والملکـة .
وأمّا الصحّـة فهی عبارة عن کون الشیء فی وجوده الخارجی مطابقاً لما یقتضیـه طبعـه الأوّلی بحسب نوعـه والفساد عبارة عن خروجـه عن مقتضی طبعـه الأوّلی لطروّ بعض الأسباب الموجبـة لذلک ، وهو کالصحّـة أمر وجودی ، والتقابل بینهما تقابل الضدّین .
نعم ، لا ننکر أنّ الصحّـة قد استعملت فی العبادات والمعاملات بمعنی التمامیـة ؛ إذ العبادة الصحیحـة مثلاً هو ما کان جامعاً لجمیع الأجزاء والشرائط
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 210 المعتبرة فیـه ، وکذا المعاملـة ، والفساد قد استعملت فیهما بمعنی النقص ، کما هو واضح ، ولکن هذا الاستعمال إمّا أن یکون اصطلاحاً خاصّاً من الفقهاء ، وإمّا أن یکون مجازیّاً ، وقرینتـه المشابهـة ؛ لأنّ الصلاة الفاقدة لبعض أجزائها مثلاً کأنّها قد خرجت عن مقتضی طبعها الأوّلی .
نعم علی التقدیر الثانی قد بلغ الآن إلیٰ حدّ الحقیقـة ؛ لعدم احتیاجـه إلی القرینـة أصلاً ، کما هو واضح .
ثمّ لایخفی أنّ التمامیـة والنقص وصفان إضافیان ، فیمکن أن یکون المرکّب تامّاً من حیث أجزائـه مثلاً ، وناقصاً من حیث شرائطـه ، والصحّـة والفساد فی العبادات والمعاملات وإن عرفت أنّهما یساوقان التمامیـة والنقص إلاّ أنّ أثرهما ـ وهو الإضافـة ـ لایسری إلی الصحّـة والفساد ؛ لأنّـه لایقال علی الصلاة الجامعـة لجمیع أجزائها الفاقدة لبعض شرائطها مثلاً : إنّها صحیحـة من حیث الأجزاء ، وفاسدة من حیث الشرائط ، بل أمرها یدور بین الصحّـة بقولٍ مطلق ، والفساد کذلک ، کما لایخفیٰ .
وهکذا المعاملات ، فإنّ أمرها أیضاً دائر بین الصحّـة فقط ، والفساد کذلک .
ثمّ إنّ الصحّـة والفساد وصفان واقعیّان لایختلفان بحسب الأنظار واقعاً ، بل مرجع الاختلاف إلیٰ تخطئـة کلٍّ من الناظرین نظر صاحبـه بمعنی أنّ المصیب إنّما هو نظر واحد فقط ، غایـة الأمر أنّ کلاًّ یدّعی إصابـة نظره ، وذلک لایقتضی اختلافهما بحسب الأنظار واقعاً .
فما فی الکفایـة : من اختلافهما بحسب الأنظار ؛ لکون الأمر فی الشریعـة علی أقسام ، وقد وقع الخلاف فی إجزاء غیر الأمر الواقعی عنـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 211 ممنوع جدّاً ؛ لأنّ هذا الخلاف مرجعـه إلیٰ ما ذکرنا من عدم اقتضاء ذلک الاختلاف بحسب الواقع ، بل نقول : إنّ مسألـة الإجزاء لا ربط لها بمسألـة الصحّـة أصلاً ؛ فإنّ معنی الصحّـة عبارة عن موافقـة المأتی بـه للأمر المتعلّق بنفسـه ، وأمّا الاکتفاء بـه عن الإتیان بالمأمور بـه بأمر آخر فهو أمر خارج عن معنی الصحّـة ، فالصلاة مع الطهارة المستصحبـة صحیحـة بمعنیٰ کونها موافقـة للأمر الظاهری المتعلّق بها ولو لم نقل بکونها مجزئةً بمعنی الاکتفاء بـه عن الصلاة مع الطهارة الواقعیـة المأمور بها بالأمر الواقعی ، فالصحّـة أمر ، والإجزاء أمر آخر .
نعم الإجزاء مترتّب علی الصحّـة بمعنی أنّ الإجزاء لو قیل بـه إنّما یتّصف بـه الصلاة الصحیحـة المطابقـة للأمر المتعلّق بها ؛ إذ الصلاة الفاسدة بحسب أمرها لایعقل أن تکون مجزئةً بالنسبة إلی أمر آخر کما هو واضح .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 212