فی منشأ الفرق بین مُرادَی الأمر والنهی
ثمّ إنّـه لا إشکال عند العقلاء فی ثبوت الفرق بین الأوامر والنواهی بکفایـة الإتیان بفرد من الطبیعـة المأمور بها فی تحقّق امتثال الأمر المتعلّق بـه وسقوطـه ؛ لحصول الغرض ، وهو تحقّقها بإیجاد فرد منها فی الخارج ، وأنّـه لایحصل الغرض بتمامـه إلاّ بترک جمیع أفراد الطبیعـة المنهی عنها فی باب النواهی ، إنّما الإشکال فی وجـه الفرق ، فقد یقال بأنّ الحاکم بـه إنّما هو العقل ؛ نظراً إلی أنّ وجود الطبیعـة إنّما هو بوجود فرد واحد ، وعدمها لایکاد یتحقّق إلاّ بعد انعدام جمیع الأفراد .
هذا ، ولکن لایخفیٰ : أنّ هذا الکلام بمعزل عن التحقیق ؛ فإنّ معنیٰ تحقّق الطبیعـة بوجود فرد ما کون کلّ واحد من الأفراد هو تمام تلک الطبیعـة ، ولاینقص عنها أصلاً ؛ إذ لو کانت الطبیعـة متحصّصـة بحصص عدیدة حسب تعدّد الأفراد ، لکان وجودها فی الخارج متوقّفاً علیٰ وجود جمیع الأفراد ؛ لکی یتحصّل جمیع الحصص ، فوجودها بوجود فرد واحد مساوق لکون کلّ فرد تمام طبیعتـه ، فزید تمام الإنسان ، وکذا عمرو ، وبکر ، فإذا کان وجود زید کافیاً فی وجود حقیقـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 166 الإنسان فکیف یعقل أن لایکون عدمـه کافیاً فی عدمها ، وهل هذا إلاّ المناقضـة فی القول من غیر التفات ؟
وتوهّم أنّ لازم ما ذکر کون طبیعـة واحدة موجودةً ومعدومةً معاً فیما إذا وجد زید وعدم عمرو ، مع أنّ ذلک غیر معقول ، یدفعـه أنّ الطبیعـة إنّما تتکثّر حسب تکثّر الأفراد ، فزید وعمرو إنسانان لا إنسان واحد ، وحینئذٍ فلابأس باتّصافها بالوجود من ناحیـة وجود بعض الأفراد وبالعدم من قِبَل انعدام بعضها الآخر ، کما أنّـه یتّصف بالبیاض والسواد ، وبالطول والقصر ، وبالحرکـة والسکون ، وبالقیام والقعود فی آنٍ واحد ، ولیس ذلک إلاّ لکونـه متکثّراً ومتعدّداً حسب تکثّر الوجودات وتعدّد الأفراد .
فالإنصاف : أنّـه لا فرق بین وجود الطبیعـة وعدمها من هذه الحیثیـة فی نظر العقل أصلاً ، وکما أنّ وجود بعض الأفراد یکفی فی تحصّل الطبیعـة فکذلک عدمـه کافٍ فی انعدامها ، فاستناد الفرق بین الأوامر والنواهی إلی حکم العقل ممّا لا مجال لـه أصلاً ، کما لایخفیٰ ، کما أنّ دعویٰ کون ذلک مستنداً إلیٰ فهم العرف من الألفاظ بحسب معانیها اللغویـة وحقائقها التی وُضعت تلک الألفاظ بإزائها ممّا لم یعرف لـه وجـه ، کما هو واضح ، فانحصر أن یکون منشأ ذلک حکم العقلاء بذلک من غیر ارتباط لـه بباب الألفاظ .
ثمّ إنّ دلالـة النهی علی الزجر بعد المخالفـة أیضاً إنّما هو لکون مدلولـه هو الزجر عن الطبیعـة المتعلّقـة لـه ، لا العدم حتّیٰ یقال بأنّـه متیٰ تحقّقت المخالفـة فقد انتقض إلی الوجود ، ولا مجال لبقائـه بعد تحقّق عصیانـه ، بل النهی لأجل کونـه دالاًّ علی الزجر عن جمیع وجودات الطبیعـة ، لا مجال لسقوطـه بمجرّد تحقّق بعض وجوداتـه ، ولا دلیل علیٰ کون المخالفـة والعصیان مسقطاً .
نعم لو کان متعلّق النهی هو أوّل الطبیعـة ، فبمجرّد تحقّقـه یسقط ، لا لکون
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 167 المخالفـة من حیث هی مسقطاً ، بل لأجل أنّـه لایمکن امتثالـه فیما بعد أصلاً ؛ لأنّ المفروض أنّ المبغوض إنّما هو أوّل وجود الطبیعـة ، وقد حصل ، وحینئذٍ فلو فرض عدم تقییده بذلک ـ کما فی أکثر النواهی ـ إذ المتعلّق فیها الطبیعـة بجمیع وجوداتها ، فلاوجـه لسقوطـه بعد تحقّقها ببعض وجوداتها ، فالنهی مع أنّـه تکلیف واحد وحکم فارد لـه عصیانات متعدّدة وإطاعات متکثّرة ، کما لایخفیٰ .
ثمّ إنّـه قد تصدّیٰ بعض من المحقّقین لإثبات بقاء النهی بکون مدلولـه علی نحو العموم الاستغراقی ، کما فی تقریرات المحقّق النائینی ، أو بکون المجعول هی الملازمـة بین طبیعی الطلب وطبیعی المتعلّق ، کما فی حاشیـة بعض المحقّقین فی محشّی الکفایـة .
ولکن کلّ ذلک ممّا لا دلیل علیـه ، لو لم نقل بثبوت الدلیل علی خلافـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 168