تقسیم المقدّمـة إلی الخارجیّـة والداخلیّـة
فنقول : من التقسیمات تقسیمها إلی الخارجیـة والداخلیـة ، والمراد بالأوّل هی الاُمور الخارجـة عن حقیقـة المأمور بـه التی لایکاد یمکن تحقّقـه بدون واحد منها ، وبالثانی هی الاُمور التی یترکّب منها المأمور بـه ، ولها مدخلیـة فی حقیقتـه .
لا إشکال فی کون المقدّمات الخارجیـة داخلـة فی مورد البحث ، وإنّما الکلام فی المقدّمات الداخلیـة ، وأنّها هل تکون داخلةً فی محلّ النزاع أم لا ؟
قد یقال باختصاص البحث بخصوص المقدّمات الخارجیـة ؛ لأنّ الأجزاء لاتکون سابقةً علی الکلّ ومقدّمةً علیـه ؛ لأنّ الکلّ لیس إلاّ نفس الأجزاء بالأسر .
وقد ذکر بعض الأعاظم فی دفع الإشکال أنّ المقدّمـة عبارة عن نفس الأجزاء بالأسر ، والمرکّب عبارة عن تلک الأجزاء بشرط الانضمام والاجتماع ، فتحصل المغایرة بینهما .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 21 هذا ، ولایخفیٰ أنّ هذا الکلام لایدفع بـه الإشکال ؛ لأنّ مجرّد المغایرة الاعتباریـة بینهما الراجعـة إلی أنّ فی الواقع لایکون إلاّ أمر واحد وشیء فارد لایصحّح عنوان المقدّمیـة المتوقّف علیٰ أن یکون هنا شیء متقدّم فی الوجود علیٰ ذیها وسابق علیها ؛ إذ لایعقل أن یتقدّم شیء واحد علیٰ نفسـه ، وهذا واضح .
وتحقیق المقام أن یقال : إنّ المرکّبات علیٰ قسمین :
الأوّل : المرکّبات الحقیقیـة .
الثانی : المرکّبات غیر الحقیقیـة .
والمراد بالأوّل هی المرکّبات من الجنس والفصل والمادّة والصورة .
ولایخفی أنّ هذا القسم خارج عن محلّ البحث بالاتّفاق ؛ لأنّ الجنس والفصل من الأجزاء التحلیلیـة العقلیـة ولا وجود لها فی الخارج ، والصورة والمادّة وإن کانتا موجودتین فی الخارج إلاّ أنّـه لا امتیاز بینهما وبین المرکّب منهما لیتوقّف علیهما ، وهذا واضح .
والمراد بالقسم الثانی هو المرکّب من الأشیاء المتخالفـة الحقائق والاُمور المتبائنـة ، وهو علیٰ قسمین :
الأوّل : المرکّبات الصناعیـة ، وهی المرکّب من الاُمور المتعدّدة بحیث یکون لذلک المرکّب عنوان واحد من دون توقّف علیٰ أن تکون وحدتها معتبرةً باعتبار معتبر ، وهذا کالمسجد والدار والبیت والسریر وأمثالها .
والثانی : المرکّبات الاعتباریـة ، وهی المرکّب من الاُمور المتعدّدة الملحوظـة بنظر الوحدة لأجل مدخلیتها بتمامها فی حصول غرض واحد ، وترتّب مصلحـة واحدة علیها ، وهذا کأکثر المرکّبات .
وهذان القسمان قد وقعا محلّ الخلاف فی أنّـه هل یکونان داخلین فی مورد النزاع أم لا .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 22 إذا عرفت ما ذکرنا ، فنقول : إذا أراد الفاعل بناء مسجد مثلاً ، فلا إشکال فی أنّـه یتصوّره وما یترتّب علیـه من الفوائد ثمّ یشتاق إلیـه ثمّ یُریده ، وربّما لایتوجّـه إلی أجزاء المسجد فی مقام تعلّق الإرادة ببنائـه أصلاً ، بل تکون کلّها مغفولاً عنها .
ثمّ إذا شرع فی العمل ورأی أنّ تحقّق المسجد یتوقّف علیٰ اُمور متعدّدة ، فلا محالـة یرید کلّ واحد منها ؛ لتوقّف حصول الغرض الأقصیٰ علیـه .
غایـة الأمر أنّ الإرادة المتعلّقـة بها لیست لأجل نفسها ، بل لحصول غیرها ، لا أن تکون تلک الإرادة مترشّحةً عن الإرادة المتعلّقة ببناء المسجد ومسبّبةً عنها ، کما عرفت فی صدر المبحث ، وقد حقّق فی محلّـه أنّ تعیّن الإرادة وتشخّصها إنّما هو بالمراد بمعنیٰ أنّـه لایمکن تحقّقها بدون المراد ، کما یشهد بـه الوجدان ، ویدلّ علیـه البرهان . وکذلک لایمکن تعلّق إرادة واحدة بمرادات متعدّدة ، بل کلّ مراد یحتاج إلی إرادة مستقلّـة ، وحینئذٍ فالإرادة المتعلّقـة ببناء المسجد لیست هی الإرادة المتعلّقـة بالمقدّمات ، وإلاّ لزم تعدّد المراد مع إرادة واحدة .
وبالجملـة : فالمسجد عنوان واحد قد تتعلّق بـه الإرادة لما یترتّب علیـه من الفوائد ، وفی هذه الإرادة لامدخلیـة للأجزاء أصلاً بمعنیٰ أنّـه لو سُئل المرید عن الاشتیاق بالمقدّمات لأجاب بنفیـه ، وعدم کونها مرادةً أصلاً ، ثمّ بعد علمـه بتوقّفـه علیها یریدها بالإرادة الغیریـة ؛ إذ من المعلوم أنّ کلّ واحد من المقدّمات یغایر المراد الأوّلی ، فکما أنّ کلّ واحد من المقدّمات الخارجیـة یصیر مرادةً بالإرادة الغیریـة فکذلک المقدّمات الداخلیـة بلا فرق بینهما أصلاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 23 وما یظهر من بعض الکلمات من أنّ المقدّمـة هی الأجزاء بالأسر إن اُرید بالمجموعیـة عموم الأجزاء بالعموم الاستغراقی الراجع إلیٰ أنّ المقدّمـة هی کلّ واحد من الأجزاء مستقلاًّ ، فنحن لانمنعـه ، ولکن هذا لایوجب الفرق بینها وبین المقدّمات الخارجیـة أصلاً ، کما هو واضح .
وإن اُرید بها عموم الأجزاء بالعموم المجموعی الراجع إلی أنّ المجموع مقدّمـة ، فیرد علیـه : أنّ الوجدان شاهد علیٰ خلافـه ؛ لعدم تحقّق ملاک المقدّمیـة ـ وهو التوقّف ـ إلاّ فی کلّ واحد من الأجزاء .
هذا ، مضافاً إلیٰ أنّ الأجزاء بالأسر هو المرکّب لا المقدّمات .
ثمّ بما ذکرنا ظهر أمران :
الأوّل : تحقّق ملاک المقدّمیـة فی الأجزاء .
الثانی : کونها داخلةً فی محلّ النزاع ؛ لعدم لزوم اجتماع المثلین بعد فرض أنّ متعلّق الإرادة النفسیـة هی عنوان المسجد مثلاً ، ومتعلّق الإرادة الغیریـة هی کلّ واحد من الأجزاء .
ثمّ إنّا جعلنا المثال فی إرادة الفاعل وفی القسم الأوّل من المرکّبات ، وعلیک مقایسـة إرادة الآمر بإرادة الفاعل والقسم الثانی بالأوّل .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 24