تقاریب اُخر لتصحیح الترتّب وتزییفها
ثمّ إنّه بعد ما عرفت عدم تمامیة التقریب الذی قرّبه وفصّله المحقّق النائینی قدس سره ، لا یهمّ التعرّض لسائر التقاریب التی تذکر لتصحیح الترتّب ، ولعلّها إجمال لما فصّله المحقّق النائینی قدس سره مع إغلاق وإخلال ، إلاّ أنّه مع ذلک لا بأس بالإشارة إلی ما قرّبه العلمان الأصفهانی والعراقی تجلیلاً لشموخ مقامهما العلمی :
التقریب الأوّل :
ما أورده المحقّق الأصفهانی قدس سره فی «التعلیقة» ، حاصله : أنّ اقتضاء کلّ أمر لإطاعة نفسه فی رتبة سابقة علی إطاعته ، کیف وهی مرتبة تأثیره وأثره ؟ ! وواضح : أنّ اقتضاء کلّ علّة أثراً إنّما هو فی مرتبة ذاتها ، وأمّا فی مرتبة أثرها المتأخّرة عنها فهی منعزلة عن الاقتضاء والتأثیر ؛ للزومه تجافی العلّة عن مرتبتها ، فتمام اقتضاء العلّة إنّما هو فی مرتبة متقدّمة علی أثرها .
فحیث إنّ نسبة الأمر إلی الإطاعة نسبة العلّة إلی أثرها ، فاقتضاء الأمر لإتیان المتعلّق وإطاعته لم یکن فی رتبة الأثر التی هی متأخّرة عن الذات ، بل الأمر فی مرتبة ذاته یقتضی إطاعة نفسه .
وحیث إنّ العصیان نقیض الإطاعة ، والنقیضان فی رتبة واحدة ، فکما أنّ مرتبة الإطاعة متأخّرة عن مرتبة ذات الأمر واقتضائه ، فکذلک ما هو فی رتبتها .
فإذا اُنیط أمر بعصیان أمر آخر فلا شبهة فی أنّ هذه الإناطة تخرج الأمرین عن المزاحمة فی التأثیر ؛ إذ فی رتبة الأمر بالأهمّ وتأثیره فی ضَرف القدرة نحوه لا وجود
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 384 للأمر بالمهمّ ، وفی رتبة وجود الأمر بالمهمّ لا یکون اقتضاء للأمر بالأهمّ ؛ فلا مطاردة بین الأمرین ، بل کلّ یؤثّر فی رتبة نفسه علی وجه لا یوجب تحیّر المکلّف فی امتثال کلّ منهما ، ولا یقتضی کلّ من الأمرین إلقاء المکلّف فیما لا یطاق ، بل کلّ یقتضی موضوعاً لا یقتضی غیره خلافه ، انتهی .
وفیه : أنّ هذا التقریب إجمال لما فصّله المحقّق النائینی قدس سره بعبارة اُخری ، فیتوجّه علیه بعض ما أوردناه علی ما أفاده قدس سره ، بل لعلّ الإشکال علیه أوضح .
إجماله : أنّ عدم التنافی بین مقتضی الأمرین وإن کان مسلّماً ، إلاّ أنّه لیس لأجل اختلاف الرتبة ـ کما هو مراد المستدلّ ـ بل لأجل أنّ فعلیة أحد الأمرین ـ أعنی المهمّ ـ فی صورة سقوط الأمر الآخر ؛ أعنی عصیان الأهمّ .
وذلک لأنّ کون شیء فی رتبة والآخر فی رتبة متأخّرة أو متقدّمة إنّما یتصوّر إذا کان الشیئان موجودین ، کالعلّة والمعلول ؛ فإنّ العقل بعد أن أدرک أنّ وجود المعلول نشأ وترشّح من العلّة فیحکم بأنّ رتبة العلّة متقدّمة علی رتبة المعلول ، وأمّا فیما لم یکونا موجودین فی زمان واحد ، أو کان أحدهما موجوداً دون الآخر ـ کما فیما نحن فیه ـ فلا یصحّ أن یقال باختلاف الرتبة إلاّ بضرب من المسامحة .
وبالجملة : عدم المطاردة بین الأمرین مسلّم ، لکنّه لیس لأجل اختلاف الرتبتین مع وجودهما ، بل لأجل أنّ عصیان الأمر بالأهمّ شرط للتکلیف بالمهمّ ، فقبل العصیان لم یکن هناک تکلیف بالمهمّ ، وبعد العصیان لا یعقل أن یکون الأمر بالأهمّ موجوداً ؛ فلم یجتمـع الأمران فی زمـان واحـد حتّی یقال بتقدّم أحدهما وتأخّر الآخر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 385 وببیان آخر : ظاهر قولکم بأنّه لا وجود للأمر بالمهمّ فی رتبة الأمر بالأهمّ ، هو : أنّه لا وجود للأمر بالمهمّ عند إتیان الأهمّ وإطاعته ، وهذا وإن یرفع غائلة طلب الجمع بین الضدّین ، لکنّه هدم لأساس الترتّب ؛ لأنّ الترتّب مبنیّ علی وجود کلا الأمرین الأهمّ والمهمّ فی زمان واحد .
نعم ، إن اُرید بعدم الوجود : أنّ بینهما اختلافاً فی الرتبة ـ وهو أن لا یخرج المفروض عن موضوع الترتّب ـ لکنّه عرفت بما لا مزید علیه : أنّ اختلاف الرتبة مع فعلیة الأمرین فی زمان واحد لا یجدی فی رفع محذور طلب الجمع والأمر بالضدّین .
مضافاً إلی أنّ توهّم کون العصیان والإطاعة متناقضین ، مدفوع بما عرفت : أنّ نقیض «الإطاعة» ، «لا إطاعة» ، وهی تصدق علی العصیان ، مع أنّه لو کانا متناقضین لا یلزم أن یکون المتناقضان فی رتبـة واحدة ، کما سبق لعلّه بما لا مزید علیه ، فلاحظ .
التقریب الثانی :
ما اختاره المحقّق الأصفهانی قدس سره وقال : إنّه التحقیق الحقیق بالتصدیق فی تجویز الترتّب ، وحاصله بتوضیح منّا هو : أنّ نسبة کلّ أمرٍ إلی متعلّقه نسبة المقتضی ـ بالکسر ـ إلی مقتضاه ـ بالفتح ـ لا نسبة العلّة إلی معلوله .
فالمقتضیان اللذان بینهما تنافٍ : إذا کان یقتضی کلّ منهما أثره علی جمیع التقادیر ، والغرض من کلّ منهما فعلیة مقتضاه عند انقیاد المکلّف له ، فیستحیل تأثیرهما وفعلیة مقتضاهما کذلک ، وإن کان المکلّف فی کمال الانقیاد .
وأمّا إذا کان اقتضاء أحدهما علی تقدیر ـ بأن یکون اقتضاء أحدهما عند عدم تأثیر الآخر ـ فلا تنافی بین الأمرین ؛ لأنّ ذوات المقتضیات بما هی لا تزاحم بینها ، وإن کان فإنّما هو من حیث التأثیر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 386 وواضح : أنّ فعلیة اقتضاء الأمر بالمهمّ وتأثیره متوقّف علی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ وسقوطه .
وتوهّم : أنّ الأمر بالأهمّ لجعل الداعی وانبعاث المکلّف ، فمع عدم الانبعاث بالنسبة إلی تکلیف الأمر بالأهمّ وعصیانه فی زمان یُترقّب منه الانبعاث ینعدم الأمر بالأهمّ ویسقط ، فلا بقاء له ، فضلاً عن داعویته فیخرج عن موضوع مسألة الترتّب المتوقّف علی وجود أمرین فی زمان واحد .
مدفوع : بأنّ غایة ما یقتضیه الأمر الحقیقی هو أن یکون متعلّقه فی نفسه ممکناً ذاتاً ، وأن لا یلزم من وقوعه محال ، فإذا کان متعلّق الأمر ممکناً ذاتاً ووقوعاً یصحّ تعلّق التکلیف به ، وإلاّ فلا ، ومن الواضح : أنّ الإمکان الذاتی والوقوعی لا ینافیان الامتناع أو الوجوب الغیریین ، وإلاّ لم یکن ممکن أبداً ؛ إذ الماهیة حال وجودها تکون واجبة بالغیر ، وحال عدمها ممتنعة بالغیر ، فمتی تکون ممکنة ذاتاً ووقوعاً ؟ !
فإذن : الأمر الأهمّ بعد تحقّق النقیض ـ أی بعد عدم الانبعاث فی الوقت المضروب له ـ وإن لم یکن له داعویة فعلیة ، إلاّ أنّه لم ینعزل عن إمکان داعویته ذاتاً ووقوعاً ، ففی ظرف عصیان الأمر یکون حقیقة الأمر ـ وهی إمکان داعویته ذاتاً ووقوعاً ـ موجوداً .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّه عند تحقّق عدم البدیل وإن کان وجوده ممتنعاً بالغیر ، لکنّه یمکن الأمر بما یمکن أن یکون مقتضیاً لطرده ، وتبیّن : أنّ قیاس الإرادة التشریعیة
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 387 بالإرادة التکوینیة ـ من حیث عدم إمکان إرادتین مترتّبتین ـ قیاس مع الفارق ؛ لأنّ الإرادة التکوینیة هی الجزء الأخیر من العلّة التامّة للفعل ، فلا یعقل إناطة إرادة اُخری بعدم متعلّق الاُولی مع ثبوتها ، بخلاف الإرادة التشریعیة ؛ لأنّها من قبیل المقتضی بالنسبة إلی فعل المکلّف ، والجزء الأخیر لفعله إنّما هو إرادة نفسه ، ومن الواضح : أنّه لا مانع من ثبوت المقتضی مع عدم مقتضاه ، انتهی .
وفیما أفاده مواقع للنظر :
فأوّلاً : أنّه کما عرفت أنّ الإرادة التشریعیة عبارة عن إرادة التقنین ، لا إرادة المقنّن فعل المکلّف ، کما زعمه ، فلاحظ .
وثانیاً : أنّ الإرادة التکوینیة لم تکن جزء أخیر للعلّة التامّة بالنسبة إلی أفعاله الخارجیة ، فوزان الإرادتین بالنسبة إلی متعلّقهما واحد .
وثالثاً : أنّه لو فسّرت الإرادة التشریعیة بأیّ من المعنیین فیتوجّه علیه قدس سره : أنّ مصحّح التکلیف لا یکون مجرّد إمکان الباعثیة ذاتاً ووقوعاً ، بل المصحّح هو إمکان الباعثیة الفعلیة ؛ ضرورة أنّه إذا لم یقدر جمیع آحاد المکلّفین علی إتیان عمل فی الخارج لا یکاد یصحّ للمقنّن تکلیفهم معتذراً بأنّه تکلیف ممکن ذاتاً ووقوعاً ؛ أمّا إمکانه الذاتی فواضح ، وأمّا إمکانه الوقوعی فلعدم لزوم محال منه .
فإن کان مع ذلک فی خواطرک ریب فلاحظ الأوامر الشخصیة ؛ فإذا توجّه أمر من مولی إلی عبده فلا إشکال فی کونه ممکناً ذاتاً ووقوعاً ، فإذا لم یقدر العبد علی امتثاله فیکون التکلیف ممتنعاً غیریاً فی حقّه ، فهل یصدر من المولی العالم الخبیر أمر بالنسبة إلیه معتذراً بإمکان إتیان متعلّقه ذاتاً ووقوعاً ؟ ! حاشا ! !
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 388 والسرّ فی ذلک هو : أنّ الأمر لغایة الانبعاث ، فلا أقلّ من احتماله ، فمجرّد إمکان إتیان المکلّف ذاتاً ووقوعاً لا یکفی فی التشریع ، فإذا علم بعدم الانبعاث فمحال أن یبعث المولی بعثاً حقیقیاً .
وبالجملة : البعث الحقیقی هو الذی یکون بداعی الانبعاث الخارجی ، فلا یکفی مجرّد إمکان الداعویة للانبعاث ذاتاً أو وقوعاً ما لم ینضمّ إلیه احتمال الانبعاث الخارجی ، والمقایسة بین المباحث الفلسفیة وبین تشریع القوانین غیر وجیه کما لا یخفی علی المتأمّل .
فعند ذلک لا فرق من هذه الجهة أیضاً بین الإرادتین ؛ فکما لم تکد تتعلّق الإرادة التکوینی مع عدم إمکان المتعلّق ، فکذلک لا تنقدح مبادئ التقنین والتشریع إذا لم یکد أن ینبعث به خارجاً .
ورابعاً : إن أراد بقوله قدس سره فی الصدر : «إنّه لا تنافی بین الأمرین إن اقتضی أحدهما علی تقدیر عدم تأثیر الآخر» ، أنّه لا یرید المهمّ فی ظرف الأهمّ ، بل یریده علی نحو الواجب التقدیری ، فیخرج المقال عن محطّ البحث ؛ لأنّه فیما إذا کان کلا الأمرین فعلیین .
وإن أراد تحقّق إرادتین فعلیتین ، ففیه : أنّه محال أن تتعلّق الإرادة بشیء بضدّه الأهمّ قبل عصیانه فی زمان واحد ، فتدبّر .
التقریب الثالث :
ما اختاره المحقّق العراقی قدس سره ـ کما فی «المقالات» ـ مع إغلاق فی العبارة موجب لصعوبة فهم المطلب ، فقال ما حاصله : إنّ تصویر الترتّب علی نحو ذکره المحقّق
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 389 الثانی ، وأیّده المحقّق الشیرازی ، وتبعه أساتید العصر ـ قدّس الله أسرارهم ـ من اشتراط تکلیف المهمّ بعصیان الأهمّ ، فی کمال المتانة ، ولکن هذا المقدار لا یقتضی طولیة الأمرین واشتراط أحدهما بعصیان الآخر ؛ وذلک لأنّه لا شبهة فی أنّه فی صورة تساوی الفعلین فی المصلحة یحکم العقل بالتخییر بینهما .
ولیس مرجع التخییر إلی اشتراط وجوب کلّ واحد بعصیان الآخر ؛ للزومه تأخّر رتبـة کلّ مـن الأمرین عـن الآخر ، ولازم ذلک طلب الضدّیـن عند عصیان کلیهما .
ولا إلی اشتراط کلّ منهما بعدم وجود غیره الذی هو فی رتبة سابقة عن التکلیف أیضاً ؛ إذ الالتزام به وإن لم یوجب المحذور السابق ، إلاّ أنّ لازمه عدم اقتضاء کلّ أمرٍ إیجاد مقتضاه حال وجود الآخر ، فیکون وجوب کلّ منهما مشروطاً بعدم وجود الآخر ، وهذا خلاف ظواهر الأدلّة ؛ فإنّ ظاهرها : أنّ کلاًّ منهما مع قطع النظر عن الآخر مطلق ، فإن أمکن حفظ إطلاق کلّ منهما برفع بعض الجهات فلا موجب لارتکاب خلاف الظاهر .
فالأولی أن یقال : إنّ مرجع التخییر إلی تعلّق طلبین ناقصین بوجود الضدّین ؛ لعدم المطاردة بینهما بعد الجزم بأنّ الطلب الناقص فی کلّ مشروط لا یصیر تامّاً بوجود شرطه ، وبعبارة اُخری : لا یصیر الواجب المشروط بتحقّق شرطه واجباً مطلقاً .
ومقتضی الطلبین هو : أنّ الطلب فی ظرف المزاحمة یقتضی سدّ جمیع أبواب العدم ، إلاّ العدم الطارئ من إتیان ضدّه ؛ فلا مطاردة فی البین لنقص فیهما ، هذا کلّه فی صورة تساویهما من حیث المصلحة .
فإذا اتّضح لک عدم المطاردة لنقص فیهما ، یظهر لک أنّه لو فرض نقص الطلب من طرف واحد لا تکون بینهما المطاردة أیضاً ، ولو لم یشترط الطلب الناقص المزبور
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 390 بعصیان التامّ ، أو بعدم الضدّ السابق علی العصیان ، فطلب الأهمّ یقتضی سدّ جمیع أنحاء العدم ، والمهمّ یسدّ ما عدا جهة وجود الأهمّ .
إن قلت : إنّ الطلب الناقص وإن لم یطرد التامّ ـ لأنّ مقتضاه حفظ الوجود من سائر الجهات ، غیر ما یلازم وجود التامّ ـ إلاّ أنّ الطلب التامّ فی الطرف الآخر یطرد الأمر الناقص بمقتضاه ، حیث إنّ مقتضاه سدّ جمیع الأبواب .
قلت : بأنّه إذا کان مقتضی الطلب الناقص حفظ سائر الجهات غیر ما یلازم وجود التامّ ، فکیف یقتضی الطلب التامّ طرده ؛ إذ نتیجة طرده منع انسداد تلک الجهة ، وفی هذا الظرف لا اقتضاء للطلب الناقص ، فأین المطاردة ، ولو من طرف واحد ، فضلاً عن الطرفین ؟ !
فإذا اتّضح لک ما ذکرنا یظهر لک : أنّه لو دار الأمر بین ما ذکرناه وبین ما ذهب إلیه الأعلام ، یرجّح العقل ما اخترناه ؛ لأنّ غایة ما ذکرناه هی رفع الید عن ظهور الأمر فی التمامیة ، إذ هو المتیقّن فی البین ؛ سواء قلنا باشتراط الأمر بعصیان ، أم لا ، ولکن یبقی ظهور الطلب فی عدم إناطته بشیء تحت الإطلاق ، بخلاف ما ذهبوا إلیه ؛ لأدائه إلی صیرورة الطلب مشروطاً ، ولا وجه للمصیر إلیه مهما أمکن .
ولازم ما ذکرنا : عدم طولیة الطلب بالضدّین ، بل کلّ منهما مطلوب فی عرض مطلوبیة الآخر ، غایة الأمر : مع تساوی المصلحتین یکون کلّ واحد منهما ناقصاً قاصراً عن اقتضاء سدّ جمیع الأعدام ، ومع أهمّیة المصلحة فی أحـد الطرفین کان الطلب فی الأهمّ تامّاً وفی المهمّ ناقصاً ، انتهی ملخّصاً محرّراً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 391 وفیما أفاده مواقع للنظر :
فأوّلاً : أنّ المحذور الذی توهّمه هذا المحقّق قدس سره ـ فیما لو کانت المصلحة فیهما متساویة ـ من لزوم تأخّر رتبة کلّ من الأمرین عن الآخر فیما إذا اشترط وجوب کلّ منهما بعصیان الآخر ـ غیر لازم ؛ لما تقدّم : أنّه لم یکن للأمر ملاک التقدّم بالنسبة إلی العصیان ، وغایة ما یمکن أن یقال ـ علی إشکالٍ تقدّم ذکره ـ هی تأخّر الإطاعة عنه ، فلو اُخذ عصیان کلّ منهما شرطاً فی الآخر لا یلزم محذور التقدّم والتأخّر الرتبیّین . نعم یلزم محذور آخر ، وهو : کون کلّ منهما منجّزاً مطلقاً ومشروطاً ؛ أمّا کونهما منجّزاً مطلقاً فبحسب الفرض ، وأمّا کونهما مشروطاً فلتوهّم اشتراط کلّ منهما بعصیان الآخر ، والعصیان هو ترک المأمور به خارجاً بلا عذر ، فقبل عصیان کلّ منهما لا یکون الآخر فعلیاً .
وثانیاً : أنّ مقتضی ذلک عدم قدرة المکلّف لإتیانهما .
وبعبارة اُخری : فی الواجبین المتزاحمین المتساویین فی المصلحة إذا کان أوّل الزوال إلی ساعة بعدها ظرف إتیانهما ، وکان العصیان الخارجی لکلّ منهما شرطاً للآخر فلابدّ وأن یمضی من الزوال بمقدار لا یمکن أن یأتی بأحدهما لیتحقّق شرط الآخر ، وعند ذلک لا یمکن إتیان الآخر ؛ لمضیّ وقته ، فتدبّر .
وثالثاً : لو سلّم ذلک فالمحذور المتوهّم إنّما هو فی المتساویین من حیث المصلحة ، فمقایسة محلّ البحث ـ وهو ما إذا کان أحدهما أهمّ ـ بهما فی غیر محلّه ؛ لعدم لزوم المحذور المتوهّم ، کما لا یخفی .
ورابعاً : أنّ عدم صیرورة المشروط مطلقاً عند حصول الشرط مسلّم ، ولکن المحذور غیر دائر مداره ، بل المحذور لأجل فعلیة الخطابین ؛ فإذا تحقّق شرط کلّ من
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 392 الواجبین یصیرا فعلیین ، فیلزم محذور طلب الجمع .
وخامساً : أنّه یتوجّه علی ما اختاره قدس سره کلّ ما یرد علی القول بأخذ العصیان شرطاً ، بل ما اختاره فی الحقیقة هو الذی ذکروه الأعلام بعبارة اُخری ، وذلک لظهور أنّه قدس سره لم یرد بالطلب الناقص ، الطلب الاستحبابی ، بل مراده هو أنّه یریده عند عدم ذاک ، ولا یریده عند وجود ذاک ، وأنت خبیر بأنّه لیس ذلک إلاّ معنی الواجب المشروط ، فهو قدس سره منکر بلسانه ، ولکنّه معترف به بقلبه .
ومع ذلک لا یرتفع بذلک الإشکال ؛ لأنّه قبل عصیان التامّ ـ الذی یکون له اقتضاء وبعث ـ هل یکون للناقص اقتضاء وبعث ، أو لا ؟
فعلی الأوّل یلزم طلب الجمع بین الضدّین .
وعلی الثانی یخرج من محلّ البحث ، حیث إنّه تکون باعثیة الناقص بعد سقوط أمر التامّ ، فلا باعثیة له قبل تحقّق إطاعة التامّ .
فتحصّل ممّا ذکرناه فی هذه التقریبات : أنّه لا مخلص عن إشکال الترتّب ، ولا یکاد رفعه بشیء من هذه التقریبات ، فله الحمد والمنّة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 393
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 394