الاستدلال لمقال صاحب «الفصول»
فحان الإشارة إلی ما هو الحقّ فی المسألة ، والتصدیق فی المسألة وأنّ العقل هل یحکم بوجوب المقدّمة ، أم لا ؟ وعلی تقدیره هل یحکم بوجوب مطلق المقدّمة ، أو خصوص المقدّمة الموصلة ؟
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 207 وقد وقع المحقّق الخراسانی وصاحب «الفصول» فی طرفی الإفراط والتفریط ؛ وذلک حیث ذهب المحقّق الخراسانی قدس سره إلی وجوب مطلق المقدّمة ، واختار صاحب «الفصول» قدس سره وجوب خصوص المقدّمة الموصلة . واستدلّ کلٌّ منهما علی مقاله بحکم العقل .
الدلیل العقلی علی المقدّمة الموصلة
ولکن یظهر ضعف ما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی قدس سره من استدلال صاحب «الفصول» قدس سره ؛ لأنّه استدلّ علی مقاله باُمور ، عمدتها ما ذکره أخیراً من الوجه العقلی ، وحاصله : أنّ الذی یحکم به العقل هو أنّ مقدّمة الواجب لا تتّصف بالوجوب والمطلوبیة من حیث کونها مقدّمة إلاّ إذا ترتّب علیها وجود ذیها .
وکلامه قدس سره هذا ـ مع اختصاره ـ مشتمل علی صغری وجدانیة وکبری برهانیة .
توضیحه بتقریبٍ منّا :
أمّا الصغری الوجدانیة : فهی عبارة عن أنّه کلّ ما یکون مقدّمة لشیء ، فلا تکون مطلوبة إلاّ لأجل ذاک الشیء ، مثلاً : إذا کان الکون علی السطح مطلوباً فنصب السلّم إنّما یکون مطلوباً لأجل إیصاله إلی الکون علیه ، فإذا أدرک العقل المقدّمة الموصلة فلا یمکن أن یستکشف منه حکم شرعی علی موضوع یکون دائرته أوسع أو أضیق منه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 208 وأمّا الکبری البرهانیة فهی : أنّ جمیع الجهات التعلیلیة فی الأحکام العقلیة ترجع إلی الجهات التقییدیة ، وهی فیما نحن فیه حیثیة الإیصال ، وتکون هی موضوعاً للحکم ، بحیث لا تکون الذات موضوعاً للحکم ؛ لأنّ الذی یدرکه العقل هو الموصل بما أنّه موصل ، لا الذات ، ولا هی مقیّدة بالإیصال . فلو أمکن انفکاک الموصلیة عن الذات لکانت الموصلیة واجبة لیست إلاّ ، وقد عرفته بما لا مزید علیه .
فعلی هذا : فما قاله المحقّق الخراسانی قدس سره ـ من أنّه لعلّ منشأ ما أفاده صاحب «الفصول» قدس سره هو الخلط بین الجهة التقییدیة والتعلیلیة ـ غیر مستقیم ؛ لأنّه یری قدس سره أنّ الجهة وإن کانت تعلیلیة ولکن العقل یری أنّ الجهة التعلیلیة عنوان للحکم ، فترجع الحیثیة التعلیلیة عنده إلی الحیثیة التقییدیة ، کما اقتضاه البرهان .
فتحصّل ممّا ذکرنا کلّه : أنّ القول بالمقدّمة الموصلة ـ مضافاً إلی أنّه لا یکون فیه محذور عقلی ـ یکون الوجدان من أقوی الشواهد علی اعتباره ، والله الهادی إلی سواء الطریق .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 209