تفصی المحقّق النائینی عن الإشکالات فی خصوص الوضوء والغسل ودفعه
ثمّ إنّ المحقّق النائینی قدس سره قال : لو أغمضنا عن ذلک کلّه : یمکن لنا التفصّی عن الإشکالات بوجه آخر یختصّ بالوضوء والغسل فقط ، ولا یجری فی التیمّم .
وحاصله : أنّ الوضوء والغسل لهما محبوبیة ذاتیة نفسیة أوجبت استحبابهما قبل الوقت ، وعروض الوجوب لهما بعد الوقت لا ینافی بقاء تلک الجهة ، وإن قویت بعد الوقت وحصلت لها شدّة أوجبت الوضوء .
والحاصل : أنّ عروض ملاک الوجوب علی ملاک الاستحباب لا یوجب انعدام الملاک الاستحبابی وحدوث ملاک آخر للوجوب ، بل غایته تبدّل الاستحباب
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 169 بالوجوب وفوات الرخصة من الترک التی کانت قبل الوقت مع اندکاک الملاک الاستحبابی فی الملاک الوجوبی ، نظیر اندکاک السواد الضعیف فی السواد الشدید .
وفیه : أنّه ثبت فی محلّه : أنّ الحرکة فی الاشتداد لم تکن لَبساً بعد خلع ، بل لَبس بعد لَبس وحرکة من النقص إلی الکمال ؛ فالسواد الضعیف لا یصیر سواداً قویاً بخلع المرتبة الضعیفة وقلبه إلی المرتبة القویة ، بل یضاف إلیه جزءً فجزءً .
وبعبارة اُخری : هناک حقیقة واحدة تسیر من النقص إلی الکمال ، غایة الأمر بتبدّل الحدود . هذا کلّه فی الهویة الحقیقیة الخارجیة .
فظهر : أنّ القول بأنّ السواد الضعیف مندکّ فی السواد الشدید غیر تمام .
ولو سلّم ذلک فی مثل السواد والبیاض ـ اللذین هما من الهویات الخارجیة ویکون الضعیف من سنخ القوی ـ ولکن لا یجری فیما نحن فیه ؛ لأنّه ـ مضافاً إلی أنّ الوجوب الغیری والاستحباب النفسی لم یکونا من الحقائق الخارجیة ـ لم یکونا من سنخ واحد ؛ لأنّ المطلوب الذاتی وهو الاستحباب النفسی یخالف المطلوب الغیری وهو الواجب الغیری لأنّه حیث یحصل بالوضوء طهارة وکمال معنوی للنفس ، یکون محبوباً ذاتیاً . وأمّا إذا کانت مقدّمة للصلاة فلا یکون مطلوباً إلاّ لأجل موقوفیة الصلاة علیه ، لا لأجل قیام مصلحة أقوی به ، فتدبّر .
وإن شئت مزید توضیح فلاحظ المقدّمات غیر العبادیة ؛ فإنّ من یرید لقاء صدیقه الذی فی ناحیة یتوجّه إلیها ویحتاج الوصول إلیه إلی طیّ المسافة ، فطیُّ المسافة مقدّمة للوصول إلی صدیقه ، ولا یکون له مصلحة ، بل ربّما یبغضه ، ولو أمکنه الوصول إلی صدیقه بدون الطیّ لترکه . فملاک وجوب الطیّ هو التوقّف أو التوصّل .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 170 والحاصل : أنّ دعوی التبدّل لو تمّ فإنّما هو فی الوجوب والاستحباب اللذین هما من سنخ واحد ، ولم یکن کذلک فیما نحن فیه . فالملاک الذی کان فی الوضوء ـ مثلاً ـ قبل الوقت باقٍ بعد الوقت أیضاً .
هذا ما أفاده سماحة الاُستاد ـ دام ظلّه ـ فی یوم .
ولکن استدرک فی الیوم الثانی بأنّ هذا المحقّق اعترف ذیلاً بأنّه لا یخفی علیک : أنّ ما ذکرناه من تبدّل الاستحباب بالوجوب فإنّما هو بالنسبة إلی الوجوب النفسی الثابت للوضوء بعد الوقت ، لا الوجوب الغیری له ؛ فإنّ التبدّل بالوجوب الغیری لا یعقل ؛ لاختلاف المتعلّق ، انتهی .
فعلی هذا : لا یتوجّه علیه الإشکال الأخیر .
ولکن الإشکال الأوّل متوجّه علیه بعد ، فتأمّل . وکذا إشکال إجراء الشدّة والضعف اللذین هما فی الحقائق الخارجیة فی الوجوب والندب اللذین هما من الاُمور الاعتباریة متوجّه علیه ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 171