إشکالان علی تصویر الواجب المعلّق ودفعهما
ولکن استشکل علی تصویر الواجب المعلّق بوجوه من الإشکال ، عمدتها إشکالان ، فنقتصر بذکرهما ، ثمّ الإشارة إلی ما فیهما من الخلل والضعف :
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 87 الإشکال الأوّل : وهو الذی حکاه المحقّق الخراسانی قدس سره عن بعض أهل النظر من أهل عصره ، وهو : أنّ الطلب والإیجاب إنّما یکونان بإزاء الإرادة المحرّکة للعضلات نحو المراد ؛ فکما لا تکاد تکون الإرادة منفکّة عن المراد فی الإرادة التکوینیة ، فلیکن الإیجاب والإرادة التشریعیة غیر منفکّ عمّا یتعلّق بأمر استقبالی ، فلا یکاد یصحّ الطلب فعلاً نحو أمر متأخّر .
وتصدّی المحقّق الأصفهانی قدس سره لتأیید هذا المعنی وأوضحه مبسوطاً .
وحاصله بتقریب منّا فی بعض مطالبه : أنّ الإرادة التی عبارة عن تصمیم
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 88 العزم ، موطنها النفس ، وهی ـ کما عن بعض ـ مجرّدة من وجه ، وموطن القوّة العاملة هی العضلات ، فإذا کان بین الموطنین تباین فکیف یؤثّر ما یکون فی موطنٍ فیما یکون فی موطن آخر مع ما فیهما من التباین ؟ !
وسرّ هذا التأثیر والتأثّر هو : «أنّ النفس فی وحدتها کلّ القوی» ، فهی مع أنّ لها وحدة شخصیة خارجیة ، ذات عرض عریض وله تطوّرات مختلفة فی العوالم المختلفة ؛ فتطوّرٌ فی عالم التجرّد وإدراک الکلّیات ، وتطوّر فی عالم الخیال البرزخ بین التجرّد والمادّة ، وتطوّر فی عالم المادّة ، مع ما لتلک العوالم من المراتب .
ولـذا ربّما تری شیئاً بعینـه ثمّ إذا شَمَمتـه تحکم بأنّه هـو الـذی رأیتـه ، مثلاً إذا رأیت لون تفّاحة ثمّ شممتها تحکم بأنّ التفّاحة التی لونها کـذا رائحتها کـذا ، مـع أنّ الـذی یدرک اللون غیر الذی یدرک الرائحة ، وهکذا . ولابدّ لحضور المقضیّ والمقضیّ علیه عند الحاکم .
وقـد یـدرک الشیء فـی عالـم العقل ویتطبّقـه علی مصـداق ، ویقال : إنّ الإنسان المجـرّد هـذا مصداقـه ، فإذا کـان بینهما تبایـن فمحـال أن یحکم المجـرّد علـی المادّی أو بالعکس .
وبالجملة : لابدّ للتصدیق فی کلّ قضیة من حضور کلّ من الموضوع والمحمول عند المصدِّق ؛ فالتصدیق بأنّ الذی رآه هو الذی سمعه ، أو الذی تخیّل هو الذی تعقّله ، وهکذا ، لابدّ من حضورهما لدی المصدّق بالوحدة ، فیستفاد : أنّ المدرک حقیقة واحدة یختلف مراتبه ؛ فـ «النفس فی وحدتها کلّ القوی» .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 89 فإذن : إدراک النفس بالقوّة العاقلة : أنّ فی الفعل الکذائی مصلحة وفائدة عائدة إلی جوهر ذاتها ، أو إلی قوّة من قواها ، ففی الرتبة المتأخّرة عن القوّة العاقلة ؛ وهی قوّة الشوق ینبعث لها شوق إلی ذلک الفعل . فإذا لم یجد الشوق مزاحماً ومانعاً أخذ فی الاشتداد ویخرج عن حدّ النقصان إلی حدّ الکمال ، وفی تلک الحدّ یعبّر عنه تارةً بالإجماع ، واُخری بتصمیم العزم ، وثالثة بالقصد والإرادة .
فإذا بلغ الشوق حدّ نصاب الباعثیة ینبعث منه هیجان فی مرتبة القوّة العاملة ، فتحصل منها حرکة فی العضلات .
وواضح : أنّ الشوق وإن أمکن تعلّقه بأمر استقبالی ، ولکن لا یمکن تعلّق الإرادة به ؛ وذلک لأنّ الإرادة لیست نفس الشوق ـ بأیّة مرتبة کانت ـ بل هی الشوق البالغ حدّ نصاب الباعثیة بالفعل ، فلا یتخلّف عن انبعاث القوّة العاملة المنبثّة فی العضلات ؛ وهو هیجانها لتحریک العضلات الغیر المنفکّ عن حرکتها ؛ ولذا قالوا : إنّ الإرادة هو الجزء الأخیر من العلّة التامّة لحرکة العضلات .
فمن یقول بإمکان تعلّق الإرادة بأمر استقبالی : إن أراد حصول الإرادة التی هی علّة تامّة لحرکة العضلات ، إلاّ أنّ معلولها حصول الحرکة فی ظرف کذا ، فهی عین انفکاک العلّة عن المعلول ، وجعله ـ بما هو متأخّر ـ معلولاً کی لا یکون له تأخّر ، لا یجدی ، بل أولی بالفساد ؛ لیصرورة تأخّره عن علّته کالذاتی له فهو کاعتبار أمر محال فی مرتبة ذات الشیء ، فهو أولی بعدم الوجود من غیره.
وإن أراد أنّ ذات الإرادة موجودة من قبل ، إلاّ أنّ شرط تأثیرها ـ وهو حضور وقت المراد ـ لم یحصل بعد ، ففیه : أنّ حضور الوقت لا یخلو إمّا أن یکون شرطاً فی بلوغ الشوق البالغ حدّ النصاب أو لا .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 90 فعلی الأوّل یکون عین ما رمناه ؛ من أنّ حقیقة الإرادة لا تتحقّق إلاّ حین إمکان انبعاث القوّة المحرِّکة للعضلات .
وعلی الثانی فهو غیر معقول ؛ لأنّ بلوغ القوّة الباعثة إلی حدّ النصاب مع عدم انبعاث القوّة العاملة تناقض بیّن ؛ لعدم انفکاک البعث الفعلی ، عن الانبعاث ؛ لأنّ لازمه انفکاک المعلول ـ وهو انبعاث القوّة العاملة فی العضلات ـ عن علّتها ، مع أنّه ذکرنا : أنّ الشرط هنا لا معنی له ؛ لأنّه متمّم لقابلیة القابل أو مصحّح لفاعلیة الفاعل ، ودخول الوقت خارجاً لیس من خصوصیات الشوق النفسانی حتّی یقال : إنّ هذا الشوق الخاصّ فاعل دون غیره . وکذا وجوده العلمی ، فلا معنی لأن یکون دخول الوقت مصحّحاً لفاعلیة الشوق . وکذا القوّة المنبثّة فی العضلات تامّة القابلیة ، لا یکون دخول الوقت متمّماً لقابلیتها . نعم الشیء الخارجـی یمکـن أن یکـون شرطـاً للفعل ؛ لتعلّق القـدرة والشوق به .
مضافاً إلی وجود الفرق بین الإرادة التی تکون فعلاً للنفس وسائر الأسباب ؛ فإنّه یمکن أن یقال فی الأسباب الخارجیة : إنّ لوجودها مقاماً ، ولتأثیرها مقاماً آخر ؛ فیتصوّر اشتراط تأثیرها بشیء دون وجودها . وأمّا الإرادة فلا یمکن فیها ذلک ؛ لأنّ الإرادة عبارة عن میل النفس والإشراف علی المعنی ، فلم تکن لها مرتبتان : مرتبة الفاعلیة ، ومرتبة القابلیة . . . إلی أن قال قدس سره : وممّا یشهد ـ لکون الشوق المتعلّق بأمر استقبالی لیس عین الإرادة الباعثة للقوّة المنبثّة فی العضلات نحو تحریکها ـ هو : أنّ الشوق المتقدّم ربّما یتعلّق بأمر کلّی ، کما هو کذلک غالباً ، مع أنّه غیر قابل لتحریک العضلات نحو المراد ؛ بداهة أنّ استواء نسبته إلی الأفراد المتصوّرة لهذا الکلّی وفعلیته لبعض الأفراد تخصیص بلا مخصّص ، وهو محال .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 91 وأمّا ما قاله الاُستاد قدس سره فی المتن من أنّ نوع الإرادات متعلّقة بأمر استقبالی ؛ لأنّ من یفعل شیئاً ، یریده أوّلاً ، ثمّ یشرع فی إتیان مقدّماته ، فیأتی بذی المقدّمة . ولا فرق فی عدم الاستحالة بین المدّة القلیلة والکثیرة .
ففیه : أنّ ما یکون تبعاً هو الشوق إلی المقدّمة ؛ فإنّه منبعث عن الشوق إلی ذیها ، ولکن حیث إنّ الشوق إلی ذیها لمّا لم یکن بالغاً حدّ نصاب الباعثیة ـ لتوقّفه علی مقدّمات ـ فلا محالة یقف فی مرتبته إلی أن یمکن الوصول ؛ وهو بعد طیّ المقدّمات . فالشوق بالمقدّمة لا مانع من بلوغه حدّ الباعثیة الفعلیة ، بخلاف الشوق إلی ذیها .
هذا کلّه فی الإرادة التکوینیة .
وأمّا فی الإرادة التشریعیة ـ وهی إرادة فعل الغیر منه اختیاراً ـ فحیث إنّ المشتاق إلیه فعل الغیر الصادر باختیاره فلا یکون بنفسه تحت اختیاره ، بل بالتسبّب إلیه بجعل الداعی إلیه ؛ وهو البعث نحوه ، فیتحرّک القوّة العاملة نحو تحریک العضلات بالبعث إلیه . فالشوق المتعلّق بفعل الغیر إذا بلغ مبلغاً ینبعث منه الشوق نحو البعث الفعلی کان إرادة تشریعیة ، وإلاّ فلا .
ومن الواضح : أنّ جعل الداعی للمکلّف لیس ما یوجب الدعوة علی أیّ حالٍ ؛ إذ المفروض تعلّق الشوق بفعله الصادر منه باختیاره ، لا قهراً علیه ، فهو جعل ما یمکن أن یکون داعیاً عند انقیاده وتمکینه ، وعلیه : فلا یعقل البعث نحو أمر استقبالی ؛ إذ لو فرض حصول جمیع مقدّماته وانقیاد المکلّف لأمر المولی ، لما أمکن انبعاثه نحوه بهذا البعث ، ولیس ما سمّیناه بعثاً فی الحقیقة بعثاً ، ولو إمکاناً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 92 فتحصّل من جمیع ما ذکرنا : أنّه لا یعقل تعلّق الإرادة بحدّها بأمر استقبالی ، وکذلک تعلّق البعث به ، انتهی بطوله .
أقول : فی کلامه الطویل مواقع للنظر :
منها : أنّ حاصل ما ادّعاه قدس سره هو أنّ الإرادة التکوینیة علّة تامّة لحرکة العضلات ، فلو تعلّقت بأمر استقبالی یلزم انفکاک المعلول عن علّته ، ولم یقم برهاناً علی ذلک لننظر فیه ونلاحظ مقدار دلالته ؛ لأنّ الذی أقام علیه البرهان ویکون معتضداً بالوجدان ، هو أنّ النفس فی وحدتها کلّ القوی ، ومعناه : أنّ النفس واحدة شخصیة ، لها درجات وکمالات وذوات منازل ، فهی مع کلّ قوّة عینها ، ولم تکن قوی النفس اُموراً منفصلة عنها حتّی یسأل عن أنّها کیف ینفصل قوّة عن قوّة اُخری ؟ فللنفس مع وحدتها سلطنة وتصرّف فی قواها ، بحیث تتّحد معها ؛ فهی التی تبصر وتسمع وتذوق وهکذا . ولذا تحمل إحداهما علی الاُخری ، وهی التی تتخیّل وتتعقّل .
فالنفس لها منازل ومراتب بعضها فوق بعض ، وتکون المرتبة النازلة ظهوراً للمرتبة السابقة ؛ فالقوی مراتب وجود النفس ، ولازم هذا الأمر هو : أنّ النفس إذا أراد شیئاً فلابدّ وأن لا تتعصّی القوی عنها ، بل تطیعها وتتّحد هی بها ، إلاّ إذا کان فی القوّة فَلَج وفساد .
وبالجملة : غایة ما یقتضیه البرهان علی کون النفس فی وحدتها کلّ القوی هی : أنّ النفس فی محیط سلطنتها فعّال لما تشاء ؛ إذا أرادت التکلّم فمتکلّم ، وإذا أرادت الحرکة فمتحرّک ، وإذا أرادت السکون فساکن ، وهکذا . . . ولا یستفاد من ذلک عدم إمکان تعلّق إرادتها بأمر استقبالی ، بل استفادة ذلک أجنبی ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93 فتحصّل : أنّ غایة ما یقتضیه البرهان نفی عدم تعصّی القوی عن إرادة النفس ، وتتّحد النفس معها إدراکاً ، وأنّیٰ له ولعدم إمکان تعلّق إرادة النفس بأمر استقبالی ؟ ! فتدبّر . والذی ینبغی أن یقال ـ وعلیه البرهان والوجدان ـ هو صحّة تعلّق الإرادة بأمر استقبالی ، کما یصحّ تعلّقها بأمر حالی :
أمّا البرهان فإجماله : أنّ البرهان قائم علی أنّ الله تعالی مرید ، وإرادته تعالی عین ذاته المقدّسة .
ولا وجه لما ذهب إلیه بعض المحدّثین من کون الإرادة من صفات الفعل ، جموداً بظواهر بعض الأخبار . وذلک لأنّه لو لم تکن واجدة لهذه الصفة الکمالیة یلزم النقص فی ذاته ؛ فیلزم الترکیب ، فتدبّر .
کما لا وجه لأن یقال : إنّ الإرادة مفهوماً عبارة عن العلم بالصلاح ؛ لأنّه إن اُرید بذلک : أنّ جمیع صفاته تعالی لم تکن منحازة بعضها عن بعض وجمیعها عن ذاته تعالی ، بل جمیع صفاته یرجع إلی کماله الوجودی ، فنقول : إنّه لا یثبت ذلک کونها متّحدة مفهوماً ؛ وذلک لاختلاف الصفات بعضها مع بعض مفهوماً ، والمجموع مع الذات کذلک ؛ ضرورة أنّ مفهوم کونه عالماً غیر مفهوم کونه قادراً ، وهکذا . . . فإذن : مفهوم الإرادة غیر مفهوم العلم ، فضلاً عن کونها العلم بالصلاح .
فالإرادة بأیّ معنی تکون فینا تطلق علیه تعالی ، وإن کانت خصوصیة الموارد مختلفة ؛ فإنّ الإرادة فینا تصمیم العزم والإجماع ، ولم تکن فی ذاته تعالی کذلک . کما أنّ العلم کذلک ؛ فیطلق علیه تعالی أنّه عالم کما یطلق علینا العالم ، ولکن علمه تعالی عین ذاته المقدّسة وحضوری ، وعلمنا زائد علی الذات وحصولی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 94 وبالجملة : الله تعالی مرید للأشیاء بالإرادة الذاتیة الأزلیة علی نظام السببی والمسبّبی ، فلا تتأخّر الأشیاء ولا تتجافی عن محالّها التی اُرید إیجادها فیها ، وإلاّ لزم تخلّف المراد عن الإرادة . فتحصّل : أنّ إرادته القدیمة الأزلیة تعلّقت بإیجاد اُمور فیما لا یزال وفی هذا الزمان مثلاً .
فظهر بالبرهان صحّة تعلّق الإرادة بأمر استقبالی ، فتدبّر .
وأمّا الوجدان : فلما نشاهد بعین البصیرة من أنّا نرید أشیاء فی المستقبل ، مثلاً نرید إکرام الضیف عند مجیئه غداً ، فإن جاء فی الغد فربّما لا نضیفه ونعتذر منه بأنّ القضاء والقدر حال بیننا وبین إرادتنا ، فالوجدان أصدق شاهدٍ علی تعلّق الإرادة بأمر استقبالی ، فتدبّر .
ومنها : أنّ ما ذکره قدس سره من مبدأیة الشوق للإرادة دائماً ممنوع ؛ لما أشرنا إلیه مکرّراً : أنّ کثیراً ما یرید الإنسان فعلاً ولا یشتاق إلیه ، بل ربّما یکون مع الکراهة .
مثلاً : إنّ الإنسان قد یرید قطع یده الفاسدة بدستور الطبیب الحاذق ؛ لما یجده من الصلاح لبدنه ، ولم یکن له اشتیاق ، بل یکون له انزجار شدید عنه . وقد یشرب الدواء المرّ الذی یتنفّر عنه ؛ لعلمه بصلاح بدنه فیه ، إلی غیر ذلک .
فالاشتیاق والإرادة بمعناهما المعروف قد یتخلّف کلّ منهما عن الآخر ؛ فقد تکون إرادة ولا شوق ، کما ربّما لا یشتاق إلی الحجّ ولکن یریده خوفاً من العذاب المتوعّد علیه فی ترکه . وقد یعکس فیکون له اشتیاق ولا إرادة ، کما إذا علم بعدم قدرته علیه ، فهو لا یریده مع اشتیاقه إلیه . نعم کثیراً ما یکون الشوق سابقاً علی الإرادة .
والشاهد علی أنّ الإرادة لم تکن مسبوقة دائماً بالشوق هو وجود الإرادة فی المبادئ العالیة والمجرّدات ؛ خصوصاً ذاته المقدّسة ، مع عدم وجود الشوق هناک ، لأنّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 95 الشوق صفة انفعالیة ، والمجرّدات فعلیات محضة لا یکون فیها شائبة النقص ، فتدبّر .
ومنها : قوله قدس سره : إنّ الشوق یکمل شیئاً فشیئاً ، فتصیر إرادة . وبعبارة اُخری قوله : إنّ الشوق البالغ حدّ نصاب الباعثیة هی الإرادة ، غیر مستقیم ؛ لأنّ الشوق یشبه أن یکون من مقولة الانفعال ، والإرادة تشبه أن تکون من مقولة الفعل .
فالشوق ـ بلغ ما بلغ ـ لا یمکن انقلابه عمّا هو علیه وصیرورته مقولة اُخری . فإن اشتدّ شوقه إلی لقاء صدیقه ـ مثلاً ـ اشتیاق یعقوب علیه السلام إلی لقاء یوسف علیه السلام ولکن مع ذلک لا تکون له إرادة . ألا تری أنّ الصائم المؤمن العطشان فی أیّام الحرّ ربّما یشتاق إلی شرب الماء البارد اشتیاقاً شدیداً تامّاً ـ لا یوجد له ذلک فی شیء آخر فی أیّام حیاته ـ ومع ذلک لا یریده ؟ !
وبالجملة : الوجدان أصدق حاکمٍ علی أنّه إذا جعل فی مرأی من الإنسان ومسمع منه شیئان ، بحیث یشتاق إلی أحدهما ، ولکن لا یری فی ارتکابه مصلحة ، ولا یشتاق الآخر بل ینزجر عنه ، ولکن یری صلاحه فی ارتکابه ، فیرید الثانی دون الأوّل ؛ تحکیماً لمقتضی حکم العقل .
فظهر ممّا ذکرنا : إمکان تعلّق الإرادة بأمر استقبالی ، بل أقمنا البرهان علیه ، فلاحظ .
ومنها : أنّه لو سلّم جمیع ما ذکره فی الإرادة التکوینیة فلا وجه لمقایسة الإرادة التشریعیة بالإرادة التکوینیة ؛ بداهة إمکان تعلّق الإرادة التشریعیة بالأمر الاستقبالی ؛ وذلک لأنّ الإرادة التشریعیة ـ کما ذکرنا غیر مرّة ـ هی إرادة التشریع لا إرادة فعل الغیر منه اختیاراً ، کما ذکره قدس سره .
فإذا رأی المولی : أنّ إتیان فعل فی الغد ـ مثلاً ـ فیه صلاح ، ولکن لا یمکنه أن یأمر به فی الغد ـ إمّا لضیق الوقت المضروب للعمل عن العمل ، أو لمانع آخر ـ
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 96 فیتصوّره أوّلاً ، ثمّ یصدّق بفائدته ، فیرید البعث إلیه فی الغد ، فیبعثه کذلک . وأکثر الأوامر العرفیة بالبعث إلی أمر استقبالی .
فالبعث یوجد الداعی فی نفس المکلّف فی الغد . وحیث إنّ البعث والدعوة إلی إیجاد أمر استقبالی فلا یکاد ینبعث إلاّ فی الوقت المضروب له . فالمکلّف إن کان مطیعاً ومنقاداً لا ینبعث بالبعث الاستقبالی إلاّ فی الظرف المعدّ له .
ومنها : أنّه لو أغمضنا عن ذلک کلّه فنقول : لعلّ منشأ ما ذکره قدس سرهتوهّم أنّ البعث والانبعاث أمران حقیقیان خارجیان ، مع أنّهما لیسا کذلک ، بل هما أمران اعتباریان . فإذا لم یکن البعث علّة للانبعاث خارجاً فلا یلزم محذور تخلّف المعلول عن علّته .
فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّ إشکال شیخنا الأعظم الأنصاری قدس سره علی الواجب المعلّق ، وکذا إشکال بعض مدقّـقی عصر المحقّق الخراسانی مع التأیید الأنیق الذی حقّقه یراعة المحقّق الأصفهانی قدس سره غیر وجیه ، ولا محذور فی تصویر الواجب المعلّق .
هذا ، وقد سبق منّا أنّا مع ذلک غیر محتاجین إلی تصویر الواجب المعلّق ؛ لما أشرنا : أنّ ذلک لأجل وجوب المقدّمات المفوّتة قبل وجوب ذیها ، وقد أشرنا إمکان إثبات وجوبها من غیر احتیاج إلی الواجب المعلّق ، فلاحظ .
الإشکال الثانی : وهو ما أورده المحقّق النائینی قدس سره فی کلام طویل ، ذکر فی خلاله مطالب کثیرة ، بعضها مربوط بواجب المعلّق وبعضها غیر مربوط به ؛ فإنّه
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 97 ورد أوّلاً فی تفسیر القضیة الحقیقیة والقضیة الخارجیة ، ثمّ ذکر جهات التی تمتاز الحقیقیة عن الخارجیة ، والاُمور المترتّبة علیهما . وظاهر أنّها لا ترتبط بما نحن فیه ، کما لا یخفی . ثمّ ورد فی أنّ الأحکام الشرعیة مشروطة بموضوعاتها ثبوتاً وإثباتاً .
ومراده بالثبوت : أنّ القضیة الحقیقیة عبارة عن ترتّب حکم أو وصف علی عنوان اُخذ منظرة لأفراده المقدّرة وجودها ، فلا یمکن جعل الحکم إلاّ بعد فرض الموضوع . فالحکم ثبوتاً مشروط بوجود الموضوع ، نظیر اشتراط المعلول بوجود علّته . ومراده بالإثبات : مرحلة الإبراز وإظهار الجعل .
فقال قدس سره : إنّ الإبراز تارة لا یکون بصورة الاشتراط ، کما إذا قیل : «المستطیع یحجّ» . واُخری یکون کذلک ، کما إذا قیل : «إن استطعت فحجّ» . ولکن لا یتفاوت الحال ؛ لأنّ مآل الشرط إلی الموضوع ، وبالعکس . والنتیجة واحدة ؛ وهی عدم تحقّق الحکم إلاّ بعد وجود الموضوع والشرط .
نعم ، یختلف الحال بحسب الصناعة العربیة ؛ لأنّ القضیة إذا لم تکن مصدّرة بأداة الشرط تکون حملیة طلبیة أو خبریة ، وإن کانت مصدّرة بها تکون شرطیة .
فینبغی أن یعلم محلّ الاشتراط ، والذی یقع الشرط علیه بحسب القواعد العربیة فی القضیة الشرطیة ، فیمکن تصوّراً أحد اُمور :
إمّا یرجع الشرط إلی المادّة أو الهیئة الترکیبیة ، أو إلی المنشأ بتلک النسبة ، أو إلی المحمول المنتسب فی رتبة الانتساب وفی الرتبة المتأخّرة رتبةً أو زماناً .
فاختار من بین هذه الوجوه رجوع التقیید إلی المحمول المنتسب بوصف کونه منتسباً . فالمقیّد فی «إن جاءک زید فأکرمه» وجوب الإکرام ، أو الإکرام الواجب ؛ لأنّ القضیة الشرطیة إنّما هی تعلیق جملة بجملة اُخری ، ولا یستقیم ذلک إلاّ بأن یرجع إلی مفاد الجملة الخبریة أو الطلبیة ؛ وهو وجوب الإکرام أو الإکرام المتلوّن بالوجوب .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 98 وعلی أیّ تقدیر : یحصل المطلوب ـ وهو أخذ الشرط مفروض الوجود ـ ومرجعه بالأخرة إلی الموضوع ، ویکون مفاد «إن استطعت فحجّ» : «یجب الحجّ علی المستطیع» .
ثمّ ورد فی أنّ القیود علی قسمین : فبعضها واقعة فوق دائرة الطلب ـ وهی المقدّمات الوجوبیة ـ فالطلب لا یکاد یدعـو إلیها ، وبعضها الآخـر واقعـة تحت دائرة الطلب .
ثمّ قال : إنّ القیود والإضافات التی اعتبرت فی ناحیة المتعلّق أو المکلّف ـ علی اختلافها من حیث کونها من مقولة الزمان أو المکان وغیرهما من ملابسات الفعل ؛ حتّی الحال ـ لا تخلو إمّا أن تکون اختیاریة تتعلّق بها إرادة الفاعل ، وإمّا أن تکون غیر اختیاریة .
فعلی الثانی لا محیص من خروجها عن تحت دائرة الطلب ؛ إذ لا یعقل التکلیف بأمر غیر اختیاری ، والقطعة غیر الاختیاریة لابدّ من أخذها مفروضة الوجود واقعة فوق دائرة الطلب ، وتکون ـ حینئذٍ ـ من المقدّمات الوجودبیة ، وتکون الواجب مشروطاً بالنسبة إلیها .
وأمّا علی الأوّل ـ أی إذا کانت الملابسات اختیاریة ـ فوقوعها تحت دائرة الطلب ـ کوقوعها فوق دائرة الطلب ـ بمکان من الإمکان ؛ فتصلح أن تکون مقدّمة وجودیة بحیث یتعلّق الطلب بها وتلزم تحصیلها ، کالطهارة بالنسبة إلی الصلاة ، وتصلح أن تکون مقدّمة وجوبیة غیر لازمة التحصیل ، کالاستطاعة فی الحجّ .
إلی أن قال : إنّ القید إذا کان غیر اختیاری فلابدّ من أن یؤخذ مفروض الوجود ، ویکون من الشرائط الوجوبیة الواقعة فوق دائرة الطلب ؛ سواء کان ذاک القید من مقولة الزمان ، أو کان من سائر المقولات ـ إذ العبرة فی أخذه مفروض
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99 الوجود هو کونه غیر اختیاری غیر قابل لتعلّق الطلب به ـ وسواء کان القید له دخل فی مصلحة الوجوب بحیث لا یتمّ ملاک الأمر إلاّ بعد تحقّق القید ، أو کان له دخل فی مصلحة الواجب بحیث لا یمکن أن تستوفی المصلحة التامّة به إلاّ بعد تحقّق قیده .
وخالف فی ذلک صاحب «الفصول» قدس سره وقال بإمکان تعلّق الطلب بقید غیر اختیاری إذا لم یکن القید ممّا له دخل فی مصلحة الوجوب ، وإن کان له دخل فی مصلحة الواجب . والتزم بإمکان کون الوجوب حالیاً والواجب استقبالیاً ، وسمّاه بالواجب المعلّق وجعله قبال الواجب المشروط والمطلق . وعلیه بنی لزوم تحصیل مقدّماته قبل حضور وقت الواجب إذا لم یمکن تحصیلها فی وقته . . . إلی أن قال ما حاصله : یمتنع کون الواجب معلّقاً ؛ أمّا أوّلاً : فلأنّ مقتضی کون الأحکام مجعولة أزلاً علی نحو القضایا الحقیقیة هو أخذ العنوان الملحوظ مرآةً لمصادیقه المفروض وجودها موضوعاً للحکم ، فیکون کلّ حکم مشروطاً بوجود الموضوع بما له من القیود ، لا مطلقاً ، ولا فرق فی ذلک بین کون الحکم من الموقّتات أو غیرها ، وإن کان بینهما فرق من جهة اُخری ؛ وهی أنّ للموضوع فی الموقّتات قیداً آخر سوی القیود المعتبرة فی موضوعات سائر الأحکام من الشرائط العامّة ، کالبلوغ والعقل وغیرهما .
وبالجملة : التکلیف مشروط بالنسبة إلی جمیع القیود المعتبرة فی الموضوع ، من غیر فرق فی ذلک بین الزمان وغیره .
وثانیاً : کیف یفرّق القائل بالواجب المعلّق بین الزمان وسائر القیود ؛ ویقول بتقدّم الوجوب قبل الوقت ، ولم یقل ذلک فی سائر القیود ، مع اشتراک الکلّ فی أخذه قیداً للموضوع ؟ ! ولیت شعری ما الفرق بین الاستطاعة فی الحجّ والوقت فی الصوم ؟ ! فیقال : بأنّ وجوب الحجّ مشروط بالاستطاعة ، وأمّا وجوب الصوم فلم یکن مشروطاً بالوقت ، بل یتقدّم الوجوب علیه . بل الأمر فی الزمان وأمثاله من
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 100 الاُمور غیر الاختیاریة التی لابدّ من أخذها مفروض الوجود أوضح ، وإلاّ یلزم تکلیف العاجز .
فظهر : أنّه لا وجه لدعوی إمکان الواجب المعلّق وتثلیث الأقسام ، بل الواجب ینقسم إلی مطلق ومشروط ؛ لأنّ کلّ خصوصیة لم تؤخذ مفروضة الوجود فالواجب بالنسبة إلیها مطلق ، وإن اُخذت مفروضة الوجود فالواجب بالنسبة إلیها مشروط .
والذی أوقع صاحب «الفصول» قدس سره فیما وقع هو وجوب المقدّمات المفوّتة قبل وجوب ذیها ، ولکن وجوبها لم یکن بملاک المقدّمیة ، بل بملاک آخر . ثمّ ورد قدس سره فی ملاکها ، فلاحظ .
وفیه أوّلاً : أنّ القائل بالواجب المعلّق لا یرید الفرق بین الزمان وسائر القیود ، بل یرید تقسیم الواجب المطلق إلی منجّز ومعلّق ، وقد عرفت أنّ الواجب المطلق الذی یکون الواجب المعلّق أحد مصادیقه یفترق عن الواجب المشروط ملاکاً وثبوتاً ، بحیث لا یمکن إرجاع أحدهما إلی الآخر .
وحاصله : أنّ القید تارةً یکون دخیلاً فی نفس تعلّق غرض المولی ، بحیث لولا القید لما کان له غرض أصلاً ، بل ربّما یکون مبغوضاً ، مثلاً شرب المُسهل إنّما یحسن للمریض إذا شربه بعد المنضج ـ مثلاً ـ فشرب المسهل لا یکون مطلوباً ومراداً مطلقاً ، بل مشروطاً وعلی تقدیر شرب المنضج .
واُخری لا یکون القید دخیلاً فی أصل تعلّق غرضه ، بل یکون غرضه مطلقاً غیر مقیّد ، وإنّما یکون القید دخیلاً فی تحصیل غرضه المطلق المحقّق . فالإرادة المطلقة محقّقة فعلاً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 101 وهذا علی قسمین : مُنجّز ومعلّق . والمنجّز معلوم . وأمّا المعلّق فهو کلّ شیء یترتّب علیه آثار الوجوب ، ولکنّه یتوقّف وجوده علی أمر لم یجعل بعد ؛ إمّا لعدم کونه تحت الاختیار ـ کالزمان ـ أو کان تحت الاختیار ولکن لم تحصل بعد .
فتحصّل : أنّ القیود بحسب اللبّ ونفس الأمر مختلفة ؛ فبعضها قید للمادّة ، وبعضها راجع إلی الهیئة . ولیست جزافیة وتحت اختیارنا حتّی یمکن إرجاعه إلی المادّة . فلکلٍّ من الواجب المشروط والمطلق ـ منجّزاً أو معلّقاً ـ ملاک یخصّه ، لا ینقلب عمّا هو علیه ، ولا یصیر المشروط مطلقاً بحصول الشرط ، ولا المطلق منجّزاً بحصول القید المعلّق علیه .
فظهر ممّا ذکرنا : إمکان تصویر الواجب المعلّق ، وکم فرق بین الواجب المعلّق والمشروط ؟ ! نعم عرفت : أنّه لا نحتاج إلی تصویره ، وقلنا : إنّ منشأ القول به هو ما رأی وجوب المقدّمات المفوّتة قبل وجوب ذیها ، وقد سبق غیر مرّة : أنّ وجوبها بملاک غیر المقدّمیة ، فتدبّر واغتنم .
وثانیاً : فبعد ما ظهر لک أنّ القائل بالواجب المعلّق لا یرید الفرق بین الزمان وسائر القیود ، فسؤال الفرق بین الاستطاعة والتقیید بالزمان علی فرض کونه دخیلاً فی تحصیل الغرض عجیب مع وضوحه ـ بل بصدد بیان أنّه فی بعض الموارد تکون مقدّمات شیء واجباً مع عدم وجوب ذیها ، فیستکشف بذلک عن أنّ القید قید الواجب . وأمّا الوجوب فمطلق .
وظاهر : أنّ الفرق بین الاستطاعة والزمان لأجل أنّ المستفاد من الأدلّة : أنّ الاستطاعة شرط وجوب الحجّ ، وأمّا الزمان فی الصوم فشرط للواجب ؛ لعدم کونه تحت اختیار المکلّف علی ما ذکره .
وثالثاً : أنّ ما ذکره من أنّ القیود إذا کانت غیر اختیاریة فلا محیص من
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 102 خروجها عن تحت دائرة الطلب وتکون واقعة فوق دائرة الطلب ؛ معلّلاً بأنّ التکلیف بأمر غیر اختیاری غیر معقول .
ففیه : أنّ الأمر یتعلّق بالمقیّد بالقید ، لا بالقید . مثلاً لو أمر بالصلاة تحت السماء یکون المأمور به إتیان الصلاة المقیّدة بکونها تحت السماء ، وهو مقدور للمکلّف ، مع أنّ القید ـ وهو السماء ـ لم یکن تحت اختیاره ؛ فالمأمور به هو المقیّد لا القید .
نعم ، إذا کان القید اختیاریاً للمکلّف ولم یکن حاصلاً فلابدّ من تحصیله ، لا لأجل تعلّق الأمر به ، بل بحکم العقل لتحصیل المقیّد . فلو أمر المولی بإتیان فعل فی زمان کذا أو مکان کذا لم یکن المأمور به إیجاد المکان أو الزمان حتّی یقال بأنّه غیر اختیاری للمکلّف ـ حتّی تکون واقعة فوق دائرة الطلب ـ بل المأمور به هو إیقاع الفعل فی ذلک الزمان أو المکان ، وإیقاع الفعل فی ذلک الزمان ـ کقبله أو بعده ـ أمر ممکن مقدور .
ولعلّ منشأ ما ذکره قدس سره هو توهّم أنّ القائل بالواجب المعلّق یری أنّ القیود داخلة تحت الطلب ؛ ففرق بین القیود التی تکون تحت اختیار المکلّف وما تکون خارجة عنه ، مع أنّ التقیّدات داخلة تحت الطلب ، وإلاّ فلو کان الأمر متعلّقاً بنفس القید لم یبق فرق بین الجزء والشرط ، وواضح : أنّه لا ملازمة بین کون القید خارجاً عن تحت الاختیار ، ومع ذلک یمکن إیجاد الفعل مقیّداً به . نعم إذا لم یکن للقید وجود فی الخارج أزلاً وأبداً فلا معنی لتقیید الأمر به .
فتحصّل ممّا ذکرنا کلّه : أنّ تصویر الواجب المعلّق أمر ممکن لا غبار علیه ، ولکنّه ـ کما ذکرنا غیر مرّة ـ یتوجّه علی صاحب «الفصول» قدس سره أنّه لا نحتاج إلی تجشّم ذلک ، وإلی تثلیث الواجب ؛ لما أشرنا من إمکان وجوب المقدّمة المفوّتة قبل وجوب ذیها ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 103