الأمر الأوّل فیما یمکن أن یقع محطّ النزاع فی وجوب المقدّمة
لا إشکال فی أنّ الفاعل منّا لا تتعلّق إرادته بشیء ـ کلقاء الصدیق مثلاًـ إلاّ بعد تصوّر ذلک الشیء ، ثمّ التصدیق بفائدته ، ثمّ یحصل له ـ نوعاً ـ الاشتیاق إلیه ، ثمّ تصمیم العزم ـ ویعبّر عنه بالإرادة ـ ولا تتعلّق الإرادة بنفس العمل الخارجی بلا واسطة ، بل بوسائط ، کبسط القوی وقبضها ، ومدّ الید إلیه ونحوها .
وحیث إنّ الإرادة من أفعال النفس تکون تابعة لتشخیص الفاعل المصلحة فی المراد ؛ فلا یلزم أن یکون الشیء المراد موافقاً لغرضه بحسب الواقع ونفس الأمر ؛
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 7 فربّما تتعلّق إرادة الفاعل بشرب مائع یری أنّه ماء عذب صالح ـ مثلاًـ مع أنّه فی الواقع سمّـاً مهلکاً . وبالجملة : أنّ الإرادة مرهونة بتشخیص الفاعل کون الشیء ذامصلحة ، وهو قد یطابق الواقع ونفس الأمر ، وقد یکون جهلاً مرکّباً مخالفاً للواقع . فلا تکاد تتعلّق الإرادة بما هو الصلاح واقعاً ؛ ضرورة امتناع تعلّقها بالمجهول المطلق وما یکون مجهولاً عنده .
ثمّ إنّ المطلوب والمراد قد یکون له مبادئ ومقدّمات ، وواضح : أنّه لا تتعلّق الإرادة بها کیف اتّفق بحیث لم تکن محتاجة إلی التصوّر والتصدیق بالفائدة وغیرها من مبادئ الفعل الاختیاری ، بل کلّ من المقدّمة وذیها مرهونان بالتصوّر والتصدیق بالفائدة وغیرهما من المبادئ .
ألا تری أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ مشروطة بالطهارة ، وهی مقدّمة لها ، ومع ذلک تحتاج الطهارة إلی التصوّر والتصدیق وغیر ذلک ، کما تحتاج إلیها نفس الصلاة ؟ !
نعم ، حیث إنّ الصلاة لا تتحقّق بدون الطهارة شرعاً فتوجد الإرادة المتعلّقة بالصلاة مبادئ الإرادة فی الطهارة .
وبالجملة : لابدّ فی تحقّق کلّ من المقدّمة وذیها من مبادئ ، ولا فرق فیهما من هذه الجهة ، وإن کان بینهما فرق من جهة اُخری ، کما سنشیر إلیها ؛ لأنّ الوجدان أصدق شاهدٍ علی أنّ النفس لا تشتاق ولا تتعلّق إرادتها بالمجهول المطلق وما یکون مجهولاً عنده .
فتوهّم الفرق بینهما : بأنّ المطلوب النفسی هو الذی تتعلّق به الإرادة ویحتاج وجوده إلی مبادئ ومقدّمات ، وأمّا المقدّمة فتوجد بإرادة ذی المقدّمة ، من دون أن یکون لها مبادئ .
مدفوع ؛ لما أشرنا أنّه محال أن تتعلّق إرادة الفاعل بما یکون مجهولاً عنده .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 8 نعم ، التصدیق بفائدة المطلوب النفسی فی الواجب النفسی لنفسه . وأمّا فی الواجب المقدّمی فلا تکون لنفسها ، بل للغیر .
ومعنی تبعیة إرادة المقدّمة من إرادة ذیها لیس معلولیة إرادتها من إرادة ذیها ، بل معناها : أنّ الفائدة المترتّبة علی إرادة المقدّمة بحسب تشخیص الفاعل لیس لها لنفسها ، بل لأجل توقّف الغیر علیها .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ کلاًّ من المقدّمة وذیها یتعلّق به الإرادة المنبعثة عن مبادئهما ، من دون فرق بینهما فی ذلک . والفرق إنّما هو فی أنّ الغایة المقصودة فی أحدهما نفسی ، وفی الآخر مقدّمی غیری .
ولا یخفی : أنّ ما ذکرنا ـ من أنّ تعلّق الإرادة بشیء وبذی المقدّمة تابع لتشخیص الفاعل الـمصلحة فیه ، لا ما یکون صلاحاً فی الواقع ـ جارٍ بعینه فی المقدّمة وما یکون مطلوباً للغیر أیضاً ؛ فإنّ إرادته إنّما تتعلّق بما یراه مقدّمة بعد تصوّرها والتصدیق بفائدتها إلی غیر ذلک ، لا ما هی مقدّمة واقعاً ؛ لما أشرنا أنّ الإرادة لا تکاد تتعلّق بما یکون مجهولاً عند الفاعل ؛ فقد لا یکون ما یراه مقدّمة لشیء مقدّمة له فی الواقع .
فالتلازم بین إرادة المقدّمة وذیها دائماً إنّما هو بین إرادة ذی المقدّمة وما یراه مقدّمة ، لا ما تکون مقدّمة فی الواقع ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 9