التنبیه الثالث فی منشأ عبادیة الطهارات الثلاث
قد ظهر لک ممّا تقدّم : أنّ عبادیة الطهارات الثلاث إنّما هی لقابلیتها وصلاحیتها للعبادة ، والنصّ والإجماع متطابقان علی ذلک ، وقد جعلت بما هی عبادة مقدّمة للصلاة .
وقد عرفت : أنّه لو قلنا بوجوب مطلق المقدّمة فلا یکاد یستفاد عبادیتها من الأمر الغیری ؛ لأنّ المقدّمة بما هی مقدّمة لا مطلوبیة فیها ولا مقرّبیة ، ولا تکاد تصلح الأوامر الغیریة للباعثیة .
ولو سلّم داعویتها فغایتها داعویتها إلی أنّ إتیان المقدّمة للتوصّل بها إلی ذی المقدّمة ، ولیست لها نفسیة وصلاحیة للتقرّب ، ولم تکن المقدّمة محبوبـة للمولی ، بحیث لو أمکنه إتیان ذی المقدّمة بدون المقدّمة لکانت محبوبـة . فالأمر بالمقدّمـة ـ علی فرضه ـ من جهة اللابدّیة العقلیة ، ومثل ذلک لا یصلح للمقرّبیة ؛ ولذا علی القول بوجوب المقدّمـة المطلقـة لو أتی بالمقدّمـة بانیاً علی عدم الإتیان بذی المقدّمـة لم تصر مقرّباً .
وقد ظهر لک أیضاً : أنّه لا یکاد تستفاد عبادیتها من الأمر النفسی المتعلّق بذی المقدّمة ؛ لما أشرنا : أنّ الأمر النفسی المتعلّق بالصلاة ـ مثلاً ـ لا یکاد یدعو إلاّ إلی عنوان الصلاة ، من دون أن تکون له داعویة إلی مقدّماتها ، بل لا یعقل أن یدعو إلیها ؛ لعدم تعلّقه بها ، فلا یکون الإتیان بالمقدّمات إطاعة له ، بل مقدّمة لها . وقد عرفت عدم تمامیة القول بأنّ الشروع فی المقدّمات نحو شروع فی الواجب النفسی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 178 إذا أحطت خبراً بما ذکرنا ظهر لک وقوع الخلط فی کلماتهم بین حکم العقل بلابدّیة إتیان المقدّمة ، وبین داعویة الأمر الغیری .
وتوهّم : أنّه یکفی فی عبادیة الشیء أن یؤتیٰ به لأجل المولی ، ولو بمثل هذه الداعویة مدفوع بأنّ العبادیة فرع صلوح الشیء للتقرّب ، وقد عرفت عدم صلوح المقدّمة بما هی مقدّمة لذلک ، ولو قلنا بإمکان تعلّق الأمر الغیری بها .
فتحصّل : أنّ مقرّبیة المقدّمات لا تکاد تمکن بالأمر الغیری . نعم لو لم یقصد خصوصیة الأمر الغیری ، بل قصد أمره الغیری تقرّباً إلیه تعالی اشتباهاً یصحّ .
ولو قلنا بأمرین ، تعلّق أحدهما بذات الشیء ـ کذات الوضوء ـ والآخر بعنوان المقدّمیة ، فیصحّ الوضوء قبل الوقت ، ویجوز له معه الدخول فی الصلاة بعد حضور وقتها بل وکذا یصحّ لو قلنا بعدم إمکان اجتماع الأمر الاستحبابی النفسی والأمر الوجوبی الغیری ، ولکن قلنا ببقاء ملاک العبادیة فیه لصحّة التقرّب به أیضاً .
وکذا یصحّ التوضّی إذا لم یکن له داعٍ إلی إتیان الوضوء قبل الوقت ، ولکن حیث یری توقّف الصلاة فی وقتها بالوضوء فصار ذلک داعیاً إلی إتیانه قبل الوقت وکذا یصحّ له أن یأتی بالوضوء بعد الوقت بأمره الاستحبابی .
نعم ـ کما أشرنا ـ لو قصد بعد الوقت خصوص أمره الغیری فلا یصحّ ؛ لعدم صلاحیة الباعثیة للأوامر الغیریة .
نعم إن قصد أمره الغیری تقرّباً إلیه تعالی اشتباهاً فیصحّ ، هذا کلّه علی تقدیر وجوب المقدّمة .
وأمّا لو قلنا بعدم وجوبها وقلنا بأنّه لیس هنا إلاّ اللابدّیة العقلیة ، فتکون أوامر المقدّمات قبل الوقت وبعده أوامر استحبابیة ، غایته : جعل الشارع هذا الأمر الاستحبابی شرطاً للصلاة ، والعقل یحکم بإتیانه للملازمة ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 179