مقال صاحب الحاشیة فی رجوع القید عند الدوران إلی المادّة ودفعه
ثمّ إنّ صاحب «هدایه المسترشدین» قدس سره ذکر عن بعض أنّ مقتضی الأصل فی دوران الأمر بین رجوع القید إلی الهیئة أو المادّة رجوعه إلی المادّة ؛ لأنّ تقیید الهیئة مستلزم لتقیید المادّة أیضاً ، دون العکس .
توضیح ما ذکره بتقریب منّا هو : أنّه بعدما علم إجمالاً بطروّ تقیید فی الکلام ، ودار أمره بین تقییدٍ وتقییدین ، فأحد القیدین معلوم والآخر مشکوک فیه ، والأصل
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 104 عدمه ؛ فلو کان القید راجعاً إلی الهیئة یستلزم تقیید المادّة أیضاً ؛ إذ لا یمکن إطلاق المادّة مع تقیید الهیئة ، بخلاف العکس ؛ لأنّه لو رجع القید إلی المادّة فلا تتعدّی حریمها . فتقیید المادّة معلوم تفصیلاً علی أیّ تقدیر ، بخلاف تقیید الهیئة ؛ فإنّه مشکوک فیه ؛ فمقتضی الأصل رجوع القید إلی المادّة .
ذکر وتعقیب
وقد أورد المحقّق النائینی قدس سره علی مقال المحقّق صاحب «الحاشیة» إشکالین :
الأوّل : أنّ التقابل بین الإطلاق والتقیید تقابل العدم والملکة ، فحیثما امتنع الإطلاق امتنع التقیید . وفیما نحن فیه : لو رجع القید إلی الهیئة وکان وجوب الحجّ ـ مثلاً ـ مشروطاً بالاستطاعة فلا یعقل الإطلاق فی طرف المادّة ؛ إذ بعدما کان وجوب الحجّ بعد فرض حصول الاستطاعة فکیف یکون الحجّ واجباً فی کلتا صورتی الاستطاعة وعدمها ، الذی هو معنی الإطلاق ؟ !
الثانی : أنّ کلّ قید یرجع إلی المادّة یقتضی لزوم تحصیلها ، ومقتضی کونه قیداً للهیئة أخذه مفروض الوجود ـ کما سبق ـ فالاستطاعة فی الحجّ إن اُخذت قیداً للهیئة فلابدّ وأن تکون مفروضة الوجود ؛ فلا معنی بعده لتقیید المادّة بها أیضاً ، المقتضی للزوم تحصیلها ؛ لأنّه تحصیل للحاصل . فتحصّل : أنّ دعـوی کـون تقیید الهیئـة مستلزماً لتقیید المادّة ممّا لا یرجـع إلی محصّل .
نعم ، النتیجة المقصودة من تقیید المادّة حاصلة قهراً عند تقیید الهیئة ؛ لأنّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 105 المقصود من تقیید الحجّ بالاستطاعة لیس إلاّ وقوع الحجّ بعد التلبّس بالاستطاعة ، وهذا المعنی حاصل بعد تقیید الهیئة .
ولکن هذا غیر تقیید المادّة بحیث یکون رجوع القید إلی الهیئة موجباً لتعدّد التقیید ، انتهی .
وفیه : أنّه لا یتوجّه علی المحقّق صاحب «الحاشیة» قدس سره شیء من الإشکالین :
أمّا الإشکال الأوّل : فلأنّ معنی قولهم : إنّ التقیید فی مورد یمکن فیه الإطلاق هو لحاظ الشیء بحیاله مجرّداً عن طروّ التقیید علیه ، فإن کان مطلقاً یمکن فیه التقیید ، وإلاّ فلا . وأمّا فرض التقیید فی شیء وتوقّع الإطلاق منه فأمر غیر مترقّب .
وبالجملة : المدار ملاحظة الشیء نفسه مع قطع النظر عن طروّ التقیید ؛ ففی المثال المفروض لابدّ وأن یفرض الحجّ قبل ورود التقیید من ناحیة الهیئة ، وواضح : أنّه یقبل الإطلاق کما یقبل التقیید .
وما أورده المحقّق النائینی قدس سره علی صاحب «الحاشیة» یکون دلیلاً علی مقالته ؛ لأنّه حیث یری أنّ تقیید الهیئة مستلزم لتقیید المادّة ، فهنا أیضاً حیث یرجع القید إلی الهیئة وکان وجوب الحجّ مشروطاً بالاستطاعة فلا محالة قیّدت المادّة أیضاً .
وإن شئت مزید توضیح فنقول : لا إشکال فی أنّه لقوله تعالی : «أَحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا» إطلاق وملاحظة الإطلاق فیه بالنسبة إلی الربوی وغیره إنّما هو قبل ملاحظة طروّ التقیید علیه بکونه غیر ربوی ، وإلاّ فبعد فرض تقیید الحلّیة بکونها غیر ربوی لا معنی للإطلاق بالنسبة إلیه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 106 فما اُفید ـ مضافاً إلی أنّه غیر متوجّه علی قول صاحب «الحاشیة» ـ یمکن أن یکون تأییداً له ، فتدبّر .
وأمّا الإشکال الثانی : فلأنّ القیود علی قسمین : فقسم منهما یکون فی الرتبة السابقة علی الأمر والبعث ، والقسم الآخر یکون فی الرتبة المتأخّرة عن الأمر والبعث .
فإن کانت القیود واقعة فی الرتبة السابقة تکون من قیود الموضوع وتکون تحت دائرة الطلب ، فلابدّ للمکلّف تحصیلها . وأمّا القیود المتأخّرة عن تعلّق الهیئة بالموضوع فلا تکاد تدعوا الهیئة إلیها ؛ لأنّها لا تدعوا إلاّ إلی موضوعه ، والمفروض : أنّ التقیید حصل بعد تقیّد الهیئة بالموضوع .
فحینئذٍ : للمحقّق صاحب «الحاشیة» أن یقول : إنّ تقیید الهیئة حیث یستلزم تقیید المادّة ، فتقیید المادّة یکون فی الرتبة المتأخّرة عن تعلّق الهیئة بالموضوع ، فلا تکاد تبعث الهیئة إلی ما تأخّر ، هذا .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 107