عدم تمامیة مقالة المحقّق صاحب الحاشیة
ولکن الذی یقتضیه التحقیق : عدم تمامیة مقالة المحقّق الأصفهانی قدس سره ، فینبغی مقدّمةً ذکر معنی الإطلاق والتقیید مجملاً ، ثمّ عطف النظر فیما أفاده :
فنقول : معنی الإطلاق فی الموضوع أو المادّة ، هو أنّ العاقل المختار إذا أخذ لفظاً موضوعاً لهیئة قابلة للصدق علی مصادیق موضوعاً للحکم ، ولم یذکر له قیداً ، فیستکشف العقل من ذلک : أنّ نفس الماهیة تمام الموضوع للحکم ، ویحتجّ العقلاء بعضهم علی بعض بذلک .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 107 ولو قیّد بقید یکون الموضوع له الماهیة المتقیّدة مثلاً إذا قال المولی إذا کان فی مقام البیان : «أعتق رقبة» ، وتمّت سائر مقدّمات الحکمة فیه ، یستفاد من ذلک : أنّ نفس ماهیة الرقّیة ـ مؤمنة کانت أم کافرة ـ تمام الموضوع للحکم علیه بالإعتاق . وأمّا لو قیّدها بقید الإیمان فتکون الرقّیة جزء الموضوع ، وجزؤه الآخر الإیمان .
ودلالة ذلک واحتجاج العقلاء بعضهم علی بعض فی ذلک لیس من باب دلالة اللفظ ، بل من باب دلالة العقل .
والإطلاق أو التقیید المبحوث عنهما فی المقام إنّما هو بلحاظ ورود الحکم علیه ؛ فالمطلق هو الذی اُخذ موضوعاً للحکم بلا قید ، والمقیّد هو الذی اُخذ موضوعاً للحکم مع القید .
وبما ذکرنا یظهر سرّ إفرادهم مبحث الإطلاق والتقیید عن مبحث العامّ والخاصّ ؛ لأنّ سنخ دلالة أحدهما غیر الآخر ؛ فیکون ذکر مبحث الإطلاق والتقیید فی مباحث الألفاظ مسامحة .
ولا یخفی : أنّ المطلق والمقیّد غیر الطبیعة اللابشرط وبشرط شیء ؛ لطروّ الإطلاق والتقیید فی الموضوعات الشخصیة بلحاظ حالاتها ، مثلاً لو قال المولی : «أکرم زیداً» ، ولم یقیّد إکرامه بحالة دون اُخری ، یستکشف منه : أنّ زیداً بدون تقییده بقیدٍ تمام الموضوع لوجوب الإکرام . فذکر الاعتبارات من اللابشرط أو بشرط الشیء هناک أجنبی .
هذا إجمال المقال فی المطلق والمقیّد ، وسیوافیک تفصیله فی مبحث المطلق والمقیّد ، فارتقب .
إذا تمهّد لک : أنّ الإطلاق أو التقیید إنّما هو بعد تعلّق الحکم ، فإن أراد المحقّق «صاحب الحاشیة» «من استلزام تقیید الهیئة تقیید المادّة» أنّه بتقیید الهیئة یتقیّد
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 108 المادّة ، ففیه : أنّ الموضوع فی الواجب المشروط هو الذات ، والشرط خارج عنه مثلاً الموضوع فی «إن استطعت فحجّ» هو الحجّ ، والاستطاعة خارجة عنه غیر مربوطة به ، نعم دخیلة فی تعلّق الحکم والوجوب علیه . فهنا قیّدت الهیئة ، ولم تقیّد المادّة والموضوع ، وهو واضح .
وإن أراد قدس سره بالاستلزام : أنّه بتقیید الهیئة تحصل تضیّقاً فی المادّة تبعاً لأنّه بعد تقیید وجوب الحجّ بالاستطاعة یستفاد أنّ الحجّ قبل الاستطاعة لم یکن واجباً ، وإنّما هو بعد الاستطاعة ففیه : أنّ هذا تقیید للهیئة لا المادّة ، ومجرّد تضییق تبعی فی المادّة لا یطلق علیه التقیید ، وکم فرق بین تقیید شیء وبین تضییق دائرته ؟ ! فتدبّر .
ولو کفی هذا المقدار فی صدق التقیید فنقول : إنّ تقیید المادّة یستلزم تقیید الهیئة کذلک ؛ بداهة أنّه إذا کانت الصلاة المتقیّدة بالطهور ـ مثلاً ـ مطلوباً ومأموراً بها توجب تضییقاً فی ناحیة الطلب ، وتکون الهیئة متعلّقة بالطبیعة المتقیّدة ، هذا أوّلاً .
وثانیاً : أنّه قد سبق بما لا مزید علیه : أنّ لکلّ من تقیید المادّة والهیئة ملاکاً ومناطاً یخصّه ، تجب عنده وتمتنع دونه .
وبالجملة : تختلف القیود الراجعة إلی المادّة عن القیود الراجعة إلی الهیئة ثبوتاً ، ولکلٍّ منهما ملاک خاصّ به ؛ فلا ملازمة فی البین ، فتدبّر .
هذا کلّه فی مقالة المحقّق صاحب «الحاشیة» قدس سره فی رجوع القید إلی المادّة عند الدوران ، وقد عرفت ضعفه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 109