عدم تصویر الإطلاق الشمولی والبدلی فی الهیئة والمادّة
هذا کلّه فی تصویر الإطلاق الشمولی والبدلی فی بابه . فلو سلّم أنّ الإطلاق علی نحوین : شمولی وبدلی ، ولکن إجراؤهما فی المقام والقول بأنّ الإطلاق فی الهیئة شمولی وفی المادّة بدلی ، ممنوع عقلاً ، ولا یکاد یمکن تصویر الإطلاق الشمولی فی الهیئة والبدلی فی المادّة أصلاً ؛ وذلک لوجهین :
الوجه الأوّل : أنّ الشمولی الذی یعتقده الشیخ قدس سره وغیره فی المطلق هو کالعامّ من حیث الشمولیة للأفراد فی عرض واحد ؛ فالبیع ـ مثلاً ـ فی قوله تعالی : «أَحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ» یشمل جمیع أفراد البیوع فی عرض واحد ، فجمیع أفراد البیع فی عرض واحد یکون موضوعاً للحکم ، وأمّا الإطلاق البدلی فلا یشمل الفردین فی عرض واحد .
فإذن : إطلاق الهیئة فی قولک : «أکرم العالم» مثلاً هو کون جمیع التقادیر المتصوّرة للعالم أو الإکرام یتعلّق بها الوجوب فی عرض واحد . ومقتضی بدلیة المادّة هو أنّ مصداقاً من العالم بجمیع تقادیره یتعلّق به وجوب الإکرام ، ولا یمکن اجتماعهما ؛ للزوم ذلک تعلّق وجوبات کثیرة علی فردٍ ما .
وبالجملة : لو کانت مادّة «أکرم» بدلیاً فمعناه فردٌ ما من الإکرام ، فإذا کان للهیئة إطلاق شمولی ـ الذی معناه الوجوب علی جمیع التقادیر ـ یلزم أن یکون إکرامٌ ما متعلّقاً للوجوبات ، وهو محال ؛ لامتناع تعلّق إرادات ووجوبات فی عرض واحد علی فردٍ ما .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 115 وإن اُرید بالإطلاق الشمولی فی الهیئة : أنّ الوجوب والبعث واحد لکن لا قید له ، فالمراد من وجوبه علی کلّ تقدیر : أنّه لا یتعلّق الوجوب بتقدیر خاصّ ، فهو صحیح معقول ، ولکنّه رجوع عن الإطلاق الشمولی .
ولکن المادّة مطلقة بهذا المعنی ؛ فلا فرق بین إطلاق الهیئة والمادّة . فلا مرجّح لتقدیم الإطلاق فی الهیئة علی الإطلاق فی المادّة .
الوجه الثانی : أنّ البدلیة أو الشمولیة فی کلّ مورد إنّما هی بلحاظ الموضوع والمتعلّق ، مثلاً شمولیة قوله : «أکرم کلّ عالم» أو «العالم» إنّما هی باعتبار متعلّقه ، والبعث المتعلّق بالأفراد أو الطبیعة المنحلّة فی اعتبار العقل والعقلاء إلی الأفراد ـ کما یرون ـ یکون شمولیاً بالتبع ، وکذا فی البدلیة .
وبالجملـة : الشمولیة والبدلیة إنّما هما للمتعلّق أوّلاً وبالـذات ، وتعرضان للهیئة تبعاً .
ففیما نحن فیه : شمولیة الهیئة أو بدلیتها تابعة للمادّة ، فإذا کان للمادّة التی تکون متعلّقاً ومرکوباً للهیئة إطلاق بدلی فبتبع المادّة لابدّ وأن یکون إطلاق الهیئة بدلیاً . فالقول بکون إطلاق الهیئة شمولیاً وإطلاق المادّة بدلیاً تناقض ، فتدبّر .
فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّه لو دار الأمر بین رجوع القید إلی الهیئة أو المادّة فلا یمکن التشبّث لتقدیم أحدهما علی الآخر من ناحیة الشمولیة والبدلیة .
فظهر : أنّ الإطلاق الشمولی والبدلی ممّا لا محصّل له ، ولو فرض لهما معنی معقول ففیما نحن فیه ـ أعنی الهیئة والمادّة ـ غیر معقول ، ومع فرض تعقّلهما لا وجه لتقدیم التقیید فی إحداهما علی الآخر ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 116