دفاع غیر مرضی عن مقال الشیخ الأعظم
ثمّ إنّ المحقّق العراقی قدس سره بعد أن نقل کلام الشیخ الأعظم والمحقّق الخراسانی ، قال : الحقّ اندفاع ما اُورد علی الشیخ قدس سره . ولکنّه اختصّ ببیان یخالف ما أفاده الشیخ من حیث الأصل والبیان ، بل یخالفه من حیث النتیجة أیضاً ؛ وذلک لأ نّه قال ما حاصله : إنّ المقدّمة الواجبة ـ علی ما ذهب إلیه صاحب «الفصول» قدس سرهـ عبارة عن الذات المقیّدة بالإیصال ، فینحلّ الواجب إلی ذات وخصوصیـة . فالواجب فی الحقیقـة متعدّدة ، ووحدتها فی عالم الموضوعیة لیست إلاّ أمراً اعتباریاً ناشئاً من وحدة الحکم ، نظیر الوحدة الطارئة علی المرکّبات الخارجیة ، ولا یعقل أن یکون
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 217 واحداً حقیقیاً ؛ لاختلاف کلٍّ من الذات والتقیّد فی المقولة ، ولا یخفی : أنّ مقتضی الانحلال هو عروض الحکم علی الاُمور المتکثّرة ، ومن شأنها تکثّر نقیضها ، ولکن لازم تعدّد النقیض للواجب المتعدّد بالحقیقة هو مبغوضیة أوّل نقیض یتحقّق فی الخارج ؛ لأ نّه بوجوده یتحقّق عصیان الأمر ، فیسقط ، فلا یبقی موضوع لمبغوضیة غیره ؛ لعدم الأمر علی الفرض .
وإن شئت مزید توضیح فنذکر المثال المعروف مع البیان ؛ وهو مثال الصلاة والإزالة : فحیث إنّ الإزالة واجب أهمّ ، فالواجب علی مذهب صاحب «الفصول» ترک الصلاة المقیّد ؛ فینحلّ متعلّق الوجوب الغیری إلی أمرین : ترک الصلاة ، وإرادة الإزالة . ونقیض هذا المرکّب هو ما یعاند کلا جزئیه ، لا عنوان بسیط کعنوان «ترک ترک الخاصّ» حتّی یشکل بأ نّه لا یعقل کونه جامعاً بین الترک المجرّد وفعل الصلاة . فنقیض ترک الصلاة هو فعل الصلاة أو ترک ترکها المنطبق علی فعلها ، ونقیض إرادة الإزالة عدم إرادتها .
فإذا کان الشخص الآتی بالصلاة مریداً للإزالة فی فرض عدم إتیانه بالصلاة ، فأوّل نقیض لمتعلّق الوجوب الغیری المفروض ترکّبه هو فعل الصلاة ، فتصیر مبغوضة ؛ لصیرورتها نقیضاً لترک الصلاة الموصل للإزالة ، بعد فرض تعلّق الإرادة بالإزالة علی تقدیر عدم الإتیان بالصلاة کما تقدّم .
وأمّا إذا کان الشخص الآتی بالصلاة غیر مرید للإزالة علی تقدیر عدم الإتیان بها ، فأوّل نقیض للواجب الغیری المرکّب هو عدم إرادة الإزالة ، فیکون هو المبغوض ، ولا تصل النوبة إلی مبغوضیة الصلاة ؛ لسقوط الأمر الغیری بعصیانـه بترک إرادة الإزالـة ، فتبقی الصلاة علی محبوبیتها ؛ لأنّ ترکها فـی هـذا الفرض
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 218 لا یکون موصلاً للإزالة ؛ لوجود الصارف عن الإزالة ، کما فرضنا ، انتهی .
وأنت خبیر بمخالفة ما ذکره لما أفاده الشیخ قدس سره من حیث البیان والنتیجة ؛ لأنّ مقتضی ما ذکره هو التفصیل بین الصورتین ، من حیث الحکم بصحّة الصلاة فی صورة کون الآتی بالصلاة غیر مرید للإزالة علی تقدیر عدم الإتیان بها ، والحکم ببطلان الصلاة فی صورة إرادة الإزالة فی فرض عدم إتیانه بالصلاة . وأمّا الشیخ قدس سره فلا یری فرقاً بین وجوب المقدّمة الموصلة والمطلقة أصلاً ، فتدبّر .
وقریب ممّا ذکره هذا المحقّق قدس سره ، ما ذهب إلیه المحقّق الأصفهانی قدس سره ؛ فإنّه قال : المراد بالمقدّمة الموصلة : إمّا هی المقدّمة التی لا تنفکّ عن ذیها ، أو هی العلّة التامّة . فالمقدّمة الموصلة للإزالة علی الثانی ترک الصلاة ووجود الإرادة .
ومن الواضح : أنّ نقیض المجموع من الأمرین مجموع النقیضین ، وإلاّ فلیس لهما معاً بهذا الاعتبار نقیض ، فنقیض الترک هو الفعل ، ونقیض الإرادة عدمها ، فإذا وجب مجموع الترک والإرادة بوجوب واحد حرم مجموع الفعل وعدم الإرادة بحرمة واحدة . ومن الواضح : تحقّق مجموع الفعل وعدم الإرادة عند إیجاد الصلاة ؛ بداهة عدم إمکان إرادة الإزالة مع الصلاة ، انتهی .
أقول : حیث إنّ کلام المحقّق الأصفهانی قدس سره أقلّ محذوراً من مقالة المحقّق العراقی قدس سره فنشیر أوّلاً إلی ضعف ما هو المشترک بین القولین ، ثمّ نشیر إلی ضعف ما یختصّ به المحقّق العراقی قدس سره :
أمّا ما یتوجّه علی مقالة العلمین فهو : أ نّه ـ کما سبق ـ لا یقول صاحب
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 219 «الفصول» قدس سره بأنّ الذات المقیّدة بالإیصال واجبة علی نحو التقیید أو الترکیب بحیث یکون المجموع بما هو مجموع ، ولا العلّة التامّة بما هی علّة واجبة ، بل الواجب عنده حسب ما أدّاه برهانه هو : أنّ الواجب من المقدّمة هو عنوان الموصلة بما هی موصلة ، وهی عنوان بسیط ، وقد تقرّر فی محلّه : أنّ المشتقّ عنوان بسیط لا ترکّب فیه .
نعم ، لو اُرید تفصیله علی نحو زیادة الحدّ علی المحدود یقال : ذات ثبت له المبدأ ، ولو قلنا : إنّ المشتقّ مرکّب لکن لا یضرّ ذلک بما نحن فیه ؛ لأنّ البحث هنا لم یکن فی المفاهیم ، بل فی الحقائق ، والملازمة بین وجوب المقدّمة وذیها عقلاً لا عرفاً . والجهات التعلیلیة فی الأحکام العقلیة ترجع إلی الموضوع ؛ فیکون الکلام فی أنّ عنوان الموصل بما هو موصل واجب ، لا فی مفهوم الموصل عرفاً ولغةً حتّی یقال بترکّبه لدیهم .
وبالجملة : لابدّ للخبیر الفَطِن أن یلاحظ البرهان الذی أقامه صاحب «الفصول» قدس سره لمدّعاه ، ولم یَغترّ بظاهر عنوان اللفظ .
وحاصل ما أفاده ـ کما أشرنا ـ هو : أنّ الوجدان یقضی علی أنّ وجوب المقدّمة إنّما هو بحیثیة الإیصال إلی ذیها ، والبرهان ـ کما أشرنا إلیه وفصّلنا ـ قام علی أنّ الحیثیات التعلیلیة فی الأحکام العقلیة ترجع إلی الحیثیات التقییدیة ، فالعقل یری أنّ الموصلیة بما هی هی واجبة لیست إلاّ ، فلو أمکن تحقّق هذا العنوان فی الخارج لکان هو المطلوب دون الذات . نعم ینطبق عنوان الموصل علی الذات انطباقاً عرضیاً ، بحیث یکون مصدوقاً له لا مصداقاً له .
فظهر : أنّ الواجب عند صاحب «الفصول» عنوان بسیط لا ترکّب فیه .
فما یستفاد من العلمین العراقی والأصفهانی ـ أنّ الواجب هو الذات المتقیّدة
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 220 بالإیصال ؛ لیکون مرکّباً حقیقیاً وواحداً اعتباریاً ـ غیر مستقیم ؛ لما أشرنا غیر مرّة : أنّ الواجب عنده هو عنوان الموصل بما هو موصل ، وهو عنوان بسیط ، ولو انحلّ فانحلاله کانحلال الجسم إلی الهیولی والصورة من حیث إنّه لا یکون خارجیاً .
هذا کلّه بالنسبة إلی الإشکال المشترک الورود علی العلمین ، وأمّا الإشکال المتوجّه علی المحقّق العراقی قدس سره بخصوصه فهو : أ نّه لو سلّم أنّ ترکّب المقدّمة الواجبة من الذات وقید الإیصال حقیقی وواحد اعتباری ، ولکن لا یوجب ذلک تعدّد الحکم .
وذلک لأنّ معنی الحکم الجائی علی الواحد الاعتباری هو : أنّ محطّ تعلّق الحکم ومرکزه لم یکن کثیراً بل العنوان الواحـد الاعتباری موضـوع للحکم ، وإلاّ فلو کان الموضـوع کثیراً یلزم تعـدّد الحکم حسب تعدّد الترکّب فی المرکّب الاعتباری .
وبعبارة اُخری : لو رجع القول بالمقدّمة الموصلة إلی الذات وقید الإیصال یلزم أن یکون کلّ منهما واجباً مستقلاًّ ، فیرجع هذا القول إلی القول بوجوب مطلق المقدّمة . فالموضوع قبل تعلّق الحکم علیه بلحاظ قیام الغرض والمصلحة به أمر واحد ، ووحدة الحکم إنّما هی تبع وحدة الموضوع ، لا العکس کما توهّمه هذا المحقّق .
فالموضوع الذی یلاحظه موضوعاً للحکم لا یکون کثیراً فی ذاک اللحاظ ، بل هو عنوان واحد ؛ ولذلک العنوان الواحد لا یکون إلاّ نقیض واحد ، لا نقیضان . فنقیض عنوان الموصل هو اللا موصل .
ولو سلّم ذلک وقلنا بالتکثّر ، وأنّ شأن الاُمور المتکثّرة تکثّر نقیضها ، ولکن مع ذلک لا یتمّ ما ذکره من أ نّه إذا کان للشیء نقیضان یلزم أن یکون أوّل نقیض یتحقّق فی الخارج مبغوضاً لأ نّه قد یکون فعل الصلاة مبغوضاً وذلک إذا کان
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 221 الشخص مریداً للإزالة فی فرض عدم إتیانه ، وقد لا یکون مبغوضاً ؛ وذلک إذا کان غیر مرید للإزالة علی تقدیر عدم الإتیان ؛ وذلک لأنّ فعل الصلاة لا یکاد ینفکّ عن إرادة ترک الإزالة أصلاً ، بل یکون مسبوقة بإرادة ترکها دائماً .
فعلی ما ذکره ـ من مبغوضیة أوّل النقیض ـ یستند الترک فی جمیع الموارد إلی الإرادة فیکون الفعل غیر مبغوض دائماً ، مع أ نّه لا یتحقّق العصیان بإرادة ترک الواجب ؛ حتّی فی الواجب المضیّق ؛ وذلک لأنّ من لم یرد إتیان فعل المأمور به ـ کالصلاة مثلاً ـ فی عمود الوقت المضروب له لم یکن عاصیاً ، إلاّ إذا مضی الوقت ولم یأت بالفعل . فالعصیان إنّما هو بترک الفعل ، لا بإرادة ترک الفعل ، وإلاّ یلزم أن یُعدّ عاصیاً فی حال إرادة ترک الفعل مع بقاء الوقت المضروب له ، مع أ نّه خلاف الضرورة ؛ فإنّ من لم یرد إتیان الفعل المأمور به وکان الوقت باقیاً یجب إتیانه فوراً ففوراً .
ومجرّد عدم إرادة الإتیان لا یوجب أن لا یتّصف الصلاة بالمبغوضیة ، والعصیان إنّما هو لعدم إتیانه فی الوقت المضروب له .
فتحصّل ممّا ذکرنا کلّه وبطوله : أنّ الثمرة المعروفة بین القولین ـ وهی صحّة الصلاة علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة ، وفساد الصلاة علی القول بوجوب مطلق المقدّمة ـ تامّة لا غبار علیها ، فتدبّر واغتنم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 222