عدم استحقاق الثواب بإتیان الواجب الغیری
ثمّ إنّه علی فرض صحّة المبنی وأنّ العباد یستحقّون الثواب بإطاعتهم إیّاه تعالی ، یقع الکلام فی أنّ استحقاق الثواب هل هو مخصوص بإتیان الواجبات والمطلوبات النفسیة ، أو یعمّها والواجبات والمطلوبات الغیریة ؟
وبعبارة اُخری : هل یستحقّ العباد الثواب علی إتیان الواجبات والمطلوبات الغیریة ، کما یستحقّونه علی إتیان الواجبات والمطلوبات النفسیة ، أم لا ؟ وجهان .
والحقّ ـ علی صحّة المبنی ـ عدم استحقاق الثواب علی إتیان الواجبات والمطلوبات الغیریـة ، والظاهر أنّهم تسالموا علی أنّ الثواب إنّما هو فی الواجبات النفسیة ؛ ولذا تراهم یخرجون الطهارات الثلاث عن حکم سائر الواجبات الغیریة
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 155 ـ کما یستظهر لک عن قریب ـ والاختلاف إنّما هو فی وجهه ، ولکلّ وجهة هو مولّیها .
والذی یظهر لنا فی عدم استحقاق الثواب علی الواجب الغیری هو : أنّ استحقاق الثواب إنّما یترتّب علی إطاعة المولی وانبعاثه ببعث المولی ، والأوامر الغیریة لا تکاد تصلح لإمکان الباعثیة ، فلا موافقة لها ولا مخالفة حتّی یقال بالثواب فی الاُولی والعقاب فی الثانیة ، وذلک لأنّه لو قلنا بالواجب الغیری ـ تبعاً للقوم ـ فی الأجزاء ، فمعناه الوجوب القهری .
وقد صرّح بذلک المحقّق العراقی فی وجوب المقدّمـة عندما أورد علی نفسه بأنّـه ما ثمرة هذه الإرادة التشریعیة التبعیة بعد حکم العقل بلابدّیة الإتیان بالمقدّمات ؟ وهل هو إلاّ من اللغو الواضح ؟ ! فأجاب بأنّ هذه الإرادة لیست إلاّ إرادة قهریة ترشّحیة معلولة لإرادة الواجب ـ کما تقدّم ـ ومثلها لا یتوقّف علی وجود غایـة وثمرة .
وبالجملة : نحن وإن نخالف مبناه ـ کما أشرنا ـ ولکن نبحث هنا علی الفرض والتقدیر ، وهو : أنّه إذا کان الواجب غیریاً فیکون وجوبه قهریاً ، وهو غیر قابل لباعثیة المکلّف وانبعاثه به ؛ لأنّ المکلّف لا یخلو من أحد أمرین : إمّا یلتفت إلی أنّ الشیء الفلانی ـ مثلاً ـ مقدّمة وذاک الشیء ذو المقدّمة وترشّح الوجوب منه إلی
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 156 الشـیء الفلانی ، أو لم یلتفت إلی ذلک ، بل له غفلـة عنه ویتوهّم أنّ الشیء الفلان¨ واجب نفسی .
ففی صورة الالتفات إلی تعلّق التکلیف بالکون علی السطح ـ مثلاً ـ ویترشّح منه وجوب قهری علی نصب السلّم ـ الذی هو مقدّمة له ـ فإذا قصد إتیان ذی المقدّمة ، فیرید إتیان المقدّمة حتماً ؛ للارتباط الوجودی بینها وبین ذیها ، وعدم الانفکاک الوجودی بینهما ، کما هو المفروض .
وبعبارة اُخری : البعث إلی ذی المقدّمة عند ذاک یحرّک العبد القاصد إلی إتیانه نحو مقدّمته ، فیکون له باعثیة إلیها تبعاً وترشّحاً ، فلا یکاد یمکن أن یکون للأمر المقدّمی ـ حینئذٍ ـ باعثیة فعلیة ؛ لأنّ الباعثیة الفعلیة هی استقلاله فی الباعثیة ، وقد ظهر : أنّ البعث إلی ذی المقدّمة بعث إلی مقدّمته تبعاً .
وأمّا إذا لم یرد إیجاد ذی المقدّمة أو أراد عدم إیجاده ، فلا یعقل أن یرید إتیان المقدّمة بما أنّها مقدّمة .
فتحصّل : أنّ المکلّف لا یکاد ینبعث من الأمر الغیری ؛ لا عند إرادة ذی المقدّمة ، ولا عند عدم إرادته أو إرادة عدمه ، فلا یکون له إطاعة یستحقّ الثواب .
هذا فی صورة الالتفات إلی مقدّمیته .
وأمّا إذا لم یلتفت إلیها وکان غافلاً عن مقدّمیته فلا یکاد ینبعث بالأمر الغیری ، ولو انبعث فإنّما هو عن تخیّل الأمر النفسی ، فإذا أتی به یکون منقاداً مطیعاً ، فلا یستحقّ الثواب بإطاعة الأمر الغیری ، والکلام إنّما هو فیه .
فظهر لک ممّا ذکرنا : أنّ الذی یقتضیه التحقیق ویعاضده الوجدان هو أن لا یکون للأمر الغیری بما أنّه أمر غیری إطاعة ، فلا یوجب استحقاقاً للثواب .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 157