تزییف الوجه الثانی بعدم تمامیة الاُمور المتوقّفة علیها
ولکن التحقیق یقتضی عدم تمامیة شیء من الاُمور الثلاثة :
أمّا الأمر الأوّل ففیه : أ نّه خلط القضیة السالبة المحصّلة بالموجبة المعدولة المحمول ، أو السالبة المحمول . وعدم الفرق بینها أورث انحرافات واشتباهات للأعلام ، وکم أورث إهمال القیود والحیثیّات وعدم الافتراق بین القضایا اشتباهات فی العقلیات والنقلیات ، فلابدّ للمتدرّب من التحفّظ علی الحیثیات والجهات حتّی لا یختلط ولا یشتبه علیه الأمر .
وذلک لما قلنا غیر مرّة وتقرّر فی محلّه : أنّ نقیض کلّ شیء رفعه أو مرفوع به ، لا إثبات هذا الرفع . فنقیض صدق البیاض علی شیء ، عدم صدق البیاض علیه علی نعت السلب التحصیلی ، لا صدق عدم البیاض علی نحو الموجبة المعدولة المحمول أو الموجبة السالبة المحمول .
ولتوضیح ذلک نقول : فرق بین نقیض المفردات ونقیض القضایا ، فکلّ عنوان إذا تعلّق علیه حرف النفی یکون بینهما مناقضة ، فنقیض البیاض ، عدم البیاض . ولا معنی للصدق والکذب فی المفردات ؛ لأ نّهما من شؤون القضایا ، ولا یترتّب علی المعنی التصوّری أثر أصلاً .
والتناقض فی القضایا لابـدّ وأن یکون فی معنی تصدیقی ، لا برفـع الموضـوع أو المحمول . فإذا کـان الحکم فـی أصل القضیـة ایجاباً فنقیضها رفعها ، ومقتضی رفعها هـو کون الحکم فی النقیض سالبة محصّلة ، لا رفع الموضوع أو المحمول .
وبالجملة : مدرکاتنا علی قسمین : فقسم منها مدرک تصوّری ، والقسم الآخر
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 282 مدرک تصدیقی . والأوّل لا یکون له حکم ؛ فلا یکون له صدق وکذب أصلاً ؛ فلا یترتّب علیه أثر أصلاً . وأمّا القسم الثانی فله حکم ، فیکون له صدق وکذب .
فنقیض المفرد إنّما هو رفعه ؛ فنقیض الوجود هو رفع الوجود ؛ وهو العدم . وأمّا فی القضیة فلابدّ وأن یکون نقیضه معنی تصدیقیاً ، وهو لیس إلاّ رفع الربط والنسبة . وأمّا رفع الموضوع أو المحمول ، فلا یکون نقیضاً فی القضیة .
فعلی هذا : نقیض صدق البیاض علی الشیء ، عدم صدق البیاض علیه علی نعت السلب التحصیلی ، لا صدق عدم البیاض علیه علی نعت الإیجاب العدولی ، أو الموجبة السالبة المحمول ؛ لأنّ العدم لا شیئیة له ، فکیف یکون ملازماً لشیء ویصدق علی الوجود ؟ !
وبالجملة : یمتنع أن یکون العدم صادقاً علی الوجود وملازماً له ، فظهر : عدم تمامیة الأمر الأوّل .
وأمّا الأمر الثانی ففیه أوّلاً : أ نّـه لم یـدلّ دلیل علی عـدم خلوّ کلّ واقعـة عـن الحکم .
لأ نّه تارةً : یکون للشیء اقتضاء للإتیان لزوماً ، فیکون واجباً .
واُخری : یکون له اقتضاء للترک لزوماً ، فیکون حراماً .
وثالثة : یکون له اقتضاء الإتیان من غیر لزوم ، فیکون مستحبّاً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 283 ورابعة : یکون له اقتضاء الترک من غیر لزوم ، فیکون مکروهاً .
وخامسة : یکون له اقتضاء کلیهما ، وهو المعبّر عنه بالإباحة الشرعیة .
وسادسة : لا یکون له اقتضاء شیء منهما ، وهو الإباحة العقلیة .
وقد یکون الشیء باقیاً علی الإباحة الأصلیة ، ولم یکن للشارع جعل هناک ؛ لأنّ جعل الإباحة بلا ملاک لغو ، فیخلو عن الجواز الشرعی ، بل باقٍ علی إباحته الأصلیة ، کالتسرّی فإنّ السُرّیة ـ بضمّ السین ، وهی الأمة ـ مباح للشخص بالإباحـة الأصلیة .
وفرق بین الإباحة العقلیة والإباحة الشرعیة ؛ فإنّ الأوّل منهما تصحّ أخـذها فی ضمن العقد وبالاشتراط تصیر واجبة ، بخلاف الثانی فإنّه لا تصحّ ؛ لأدائه إلی أخـذ شرط مخالف للکتاب أو السنّة ضمن العقد ؛ فإنّـه لا یصحّ ، کما لا یصحّ إیجـاب الحرام فی ضمن العقد .
وبالجملة : کما لا یصحّ إیجاب الحرام فی ضمن العقد ـ لکونه شرطاً مخالفاً للکتاب أو السنّة ـ فکذلک إیجاب ما کان مباحاً بأصل الشریعة مخالف لهما .
ولعلّ الغفلة عمّا ذکرنا أوقع بعضهم فی حیص وبیص فی أخذ الشروط فی المعاملات ؛ فقد یری أنّ شیئین یکونان مباحین ومع ذلک یصحّ أخذ أحدهما فی ضمن العقد دون الآخر ویعلّل عدم الجواز بأ نّه شرط مخالف للکتاب أو السنّة .
فقال بعض المحقّقین : إنّ الإباحة علی قسمین : فقسم منها یکون فی الشیء اقتضاء الإباحة وتساوی الفعل والترک بأصل الشریعة ، وقسم لا یقتضی شیئاً منهما ، بل لا اقتضاء محض بالنسبة إلی الفعل أو الترک ویکون مباحاً بالإباحة العقلیة . فکلّ ما کان من قبیل القسم الأوّل فلا یصحّ أخذه فی ضمن العقد ؛ لاستلزامه شرطاً مخالفاً
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284 للشریعة ، وأمّا إذا کان من قبیل القسم الثانی فتصحّ .
فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّ القول بعدم خلوّ الواقعة عن الحکم الشرعی غیر وجیه .
وثانیاً : لو سلّم ذلک فإنّما هو فی الوقائع الثابتة التی یکون للبعث أو الزجر فیها معنی محصّل ، لا الأعدام التی هی باطلات محضة ، فهی خارجة عن حریمها ، فلا تکون محکومة بحکم أصلاً .
مع أ نّه یلزم أن تکون هناک أحکام غیر متناهیة بعدد الأعدام المفروضة ، وهو کما تری .
وبالجملة : لأجل أنّ الأعدام باطلات محضة فلابدّ من تأویل المواضع التی توهم تعلّق التکلیف فیها بالترک ، کوجوب تروک الإحرام فی الحجّ ، ووجوب تروک المفطرات فی الصوم ؛ فیقال : إنّ وجود تلک الأشیاء مانع عن انعقاد الإحرام أو مضرّ به ، أو إنّها مبطلة للصوم .
فتحصّل : أنّ کون الترک أو العدم واقعة ـ حتّی یستحیل خلوّها عن حکم من الأحکام الشرعیـة ـ ممنوع ؛ لأ نّه لیس بشیء حتّی یکون فعلاً للمکلّف ویتعلّق الحکم به .
وثالثاً : لو سلّم ذلک لا یلزم منه ما ذکره ، کما لایخفی . وذلک لأنّ غایة ما یقتضیه هو خروج اللازم عن کونه لازماً ، لا لزوم التکلیف بالمحال ، أو خروج الواجب المطلق عن کونه واجباً مطلقاً ، فتدبّر .
وأمّا الأمر الثالث : فقد عرفت ـ لعلّه بما لا مزید علیه ـ أنّ الأمر بالشیء لا یقتضی النهی عن ضدّه العامّ ؛ لا بنحو العینیة ، ولا بنحو الجزئیة ، ولا بنحو اللزوم . فتحصّل : أنّ القول باستلزام الأمر بالشیء النهی عن ضدّه الخاصّ أیضاً غیر تمام .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285