الجهة الثانیة فی حکم وجوب الواجب المشروط قبل تحقق شرطه
اختلف فی کون الوجوب فی الواجب المشروط قبل تحقّق شرطه ، فعلیاً أم لا ؟
ذهب المحقّق العراقی قدس سره إلی کونه فعلیاً ، ومع ذلک فرّق بین الواجب المشروط ، والمعلّق ، والمطلق ، نشیر إلیه قریباً فارتقب .
وذهب المشهور إلی عدم فعلّیته . والحقّ ما ذهب إلیه المشهور . ولتوضیح ذلک نمهّد مقدّمة وهی أنّه کثیراً ما یدوم فی الألسن ویقال : الإرادة التکوینیة ، والإرادة التشریعیة ، والغافل یتوهّم أنّ هنا قسمین من الإرادة مختلفین ذاتاً ، مع أنّ الأمر لیس کذلک ؛ بداهة أنّه لم یکن لنا فی اللّب والواقع سِنخان من الإرادة ، بل حقیقة واحدة تتعلّق تارةً : بوضع القانون فیعبّر عنها بالإرادة التشریعیة ، وتتعلّق اُخری : بغیره فیعبّر عنها بالإرادة التکوینیة ؛ والأولی دفعاً لتهم الاثنینیة أن یعبّر عن الاُولی بإرادة التشریع وعن الثانیة بإرادة التکوین.
وواضح أن إرادة التشریع من الاُمور التکوینیة ، فکما تحتاج إرادة الأکل أو الشرب إلی المبادئ فکذلک إرادة التشریع والتقنین محتاجة إلیها .
فعلی هذا : تقسیم الإرادة إلیها لم یکن لأجل خصوصیة فی ذات الإرادتین بل فی متعلّقهما ، ولعلّ التقسیم کذلک لأجل بعض الفوائد المترتّبة علیه وإلاّ یمکن تقسیم الإرادة بلحاظ المتعلّق إلی أقسام کثیرة لا تعدّ ولا تحصی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 71 والحاصل : أنّه لم تکن إرادة التشریع والتقنین سنخ آخر وراء إرادة التکوین بل هما مصداقاً حقیقة واحدة . إذا تمهّد لک ما ذکرنا فنقول :
قد یقال : إنّ الحکم عبارة عن الإرادة ، أو الإرادة المظهرة ، فیقال بأنّ اختلاف الوجوب والاستحباب إنّما هو بتحکّم الإرادة بإتیان الفعل فی الواجب وعدم تحتّمها بإتیان الفعل فی المستحب ، وکذا فی الحرام والمکروه ؛ فإنّ الحرمة عبارة عن حتمیّة إرادة الترک والکراهة عبارة عن عدمها .
وفیه : أنّ الذی یقتضیه الوجدان هو کون الحکم غیر الإرادة ، وغیر الإرادة المظهرة ، بل الإرادة من مبادئه ، وذلک لأنّه لو تصوّر المولی لإتیان عمله مصلحة ملزمة فیصدّق بفائدته ، فیرید إیجاب العمل علی المکلّف فیبعث نحوه ، فالبعث هو الحکم والإرادة أو الإرادة المظهرة من مبادئه لا من مقدّماته .
فإذا لم تکن الإرادة من مقوّمات الحکم فلا معنی لامتیاز الحکم الوجوبی عن الندبی، بالإرادة ، وکذلک فی الحرمة والکراهة .
ولعلّ منشأ توهّم ذلک خلط إرادة الفاعل بالنسبة إلی فعل نفسه بإرادة التشریع وقیاس إحدیهما بالاُخری ، مع أنّه مع الفارق ؛ لأنّ إرادة التشریع لا تتعلّق بإیجاد فعل العبد ؛ بداهة أنّ إیجاد فعله ، فعل اختیاری له ، فکیف یریده الشارع .
مضافاً إلی أنّ لازم ذلک عدم انفکاک المراد عن إرادته تعالی إذا تعلّقت إرادته تعالی بإیجاد فعل أو ترک فعل آخر ، فلیزم أن لا یکون علی وجه الأرض عاصٍ أصلاً ، مع أن العصات بمرأی منک ومسمع فی الخارج .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ القول بأنّ الوجوب والاستحباب أو الحرمة والکراهة متمایزان بحتمیة الإرادة وغیرها لا یرجع إلی محصل ؛ لأنّ لازمه امتیاز أحد الشیئین عن الآخر بما لا یکون مفرّقاً بینهما .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 72 فلو صحّ امتیاز الوجوب عن الندب ـ مثلاً ـ بالإرادة التی من المبادئ ، فلیصحّ امتیازهما بغیرهما من المبادئ وهو کما تری ، والفرق بینها من ناحیة اُخری لا ترتبط بحالة بما نحن بصدده .
فلو تصوّر المولی أنّ لإتیان الفعل مصلحة ثمّ صدّق بفائدته وصلاحه فیریده ، ثمّ یری أنّ أمره وسیلة إلی تذکّر العبد أو خشیته فیرید إیجاب العمل ، فینبعث نحوه .
فإذن : الحکم عبارة عن إنشاء البعث الاعتباریی الناشئ عن إرادة جدّیة ، فإذا لم یکن البعث ناشئاً عن إرادة جدّیة ، لا ینتزع منه الوجوب أو الإیجاب ، بل انتزاعهما عند العرف والعقلاء مرهون کونهما منبعثین عن إرادة جدّیة .
فإذا تبیّن لک أنّ الحکم أمر اعتباری ناشئ عن حتمیة الإرادة فنقول :
غرض المولی تارةً : یتعلّق بشیء علی نحو الإطلاق وفی جمیع الأحوال واُخری یتعلّق به مشروطاً ومقیّداً یتحقّق شیء ؛ فلو تعلّق غرض المولی به علی نحو الإطلاق فیریده کذلک ، فیبعث نحوه کذلک ، وینتزع منه الوجوب المطلق ؛ وأمّا لو تعلّق غرض المولی به مطلقاً علی حصول أمر وشرط ، فیریده کذلک فیبعثه علی تقدیر حصول ذلک الأمر والشرط .
وحیث إنّ البعث اعتباری ، لا حقیقی ، فلا مانع من إنشائه معلّقاً ؛ فإذا صحّ البعث علی تقدیر فلا ینتزع العقلاء الوجوب من نفس بعثه قبل حصول الشرط ، بل غایة ما یرون هی إنشاء البعث علی تقدیر من دون فعلیته للوجوب قبل تحقّق شرطه ، فالوجوب فی الواجب المشروط قبل تحقّق شرطه لم یکن فعلیاً .
فهل تری من نفسک أنّ غیر المستطیع یکون تکلیفه بالحجّ فعلیاً قبل تحقّق الاستطاعة ، حاشاک ؟ !
وکم لما ذکرنا من تعلیق الإنشاء نظیر فی الفقه کالوصیة علی تقدیر الموت بنحو
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 73 شرط النتیجة ؛ فإنّ المال یکون للموصی له بمجرّد فوت الموصی ، فالمال مالک للموصی له علی تقدیر الموت . وکذا لو أوصی أنّ ماله بعد موته صدقة إلی غیر ذلک من موارد تعلیق الإنشاء . فإنشاء الملکیة للموصی له ـ مثلاً ـ علی تقدیر حصول الموت لا یفید الملکیة الفعلیة له قبل الموت ، بل إنّما یفیدها بعد الموت .
فتحصّل ممّا ذکرنا صحة تصویر الواجب المشروط وأنّ الوجوب فیه قبل تحقّق الشرط لم یکن فعلیاً . وغایة ما ناک هو إنشاء الحکم علی تقدیر ، وکم له نظیر فی أبواب الفقه ، بل عند العرف والعقلاء أیضاً ، فاختبرهم حتی تحصل لک الیقین إن لم تکن من الموقنین .
فظهر لک : أنّ الإرادة التشریعیة تتعلّق بإیجاب العمل علی المکلّف ، لا بإیجاد العمل عنه وإلاّ یلزم فیما لو أراد الله تعالی إیجاد الأفعال من العباد لزوم إتیانهم الأفعال وامتناع ترکهم إیّهاها ؛ لاستحالة انفکاک المراد عن الإرادة . ومعنی إیجاب العمل هو أن المقنن یری أنّ فی الفعل الکذائی مصلحة ، فیرید إلزامه علی من یکون تحت نفوذه وسیطرته بإیجاب العمل علیهم ، ویشفّع إیجابه بالوعد بالثواب بإتیانه ، أو الوعید بالعقاب علی ترکه .
وواضح : أنّ إرادة المولی إیجاب العمل إرادة تکوینیة ، لا شیء آخر ، ولا فرق فی ذلک بین الواجبات المطلقة والمشروطة ، والفرق بینهما إنّما هو فی المنشأ والمراد ؛ لأنّه فی الواجب المطلق تکون إرادة الإیجاب غیر مقیّدة وفـی الواجب المشروط تکون مفیدة .
فتحصّل : أنّ تقسیم الواجب إلی المطلق والمشروط ، إنّما هو فی ناحیة المنشأ والوجود الاعتباری ، لا فی ناحیة الإرادة ؛ لأنّها لا قید لها لا فی المطلق وهو واضح ، ولا فی المشروط ؛ لأنّه یریده إیجاباً معلّقاً وعلی تقدیر ، نظیر الوصیة کما أشرنا ؛
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 74 حیث إنّها توجد ملکیة فعلیة بعد الموت . فالإیجاب المنشأ تارةً منشأ مطلقاً وبدون القید ، فینتزع منه الوجوب المطلق واُخری ینشأمعلّقاً فینتزع منه الوجوب المشروط .
نقل وتعیب
یظهر من المحقّق العراقی قدس سره : أنّ الوجوب قبل تحقّق الشرط فعلی ، فقال : هل الإرادة فی الواجب المشروط متعلّق بالمراد علی تقدیر خاص عند حصول ذلک التقدیر وتحقّقه فی الخارج ، بحیث لا یکون الفعل مراداً قبل تحقّق ذلک التقدیر ، أو أنّ الإرادة تتعلّق به فعلاً ، لکنّه علی تقدیر حصول أمر خاص ، فیکون الفرق بین الواجب المشروط بهذا المعنی والواجب المعلّق هو أنّه فی الواجب المعلّق تعلّق وجوب مطلق بأمر خاصّ ، وأمّا فی الواجب المشروط فتعلّق الوجوب الخاص ـ وهو الوجوب علی تقدیر ـ بأمر مطلق وجهان ، المختار عندنا هو الثانی ، لکن ذهب المشهور إلی الأوّل. .
تحقیق المقام یتوقّف علی تنقیح الکلام فی مرحلتی الثبوت والإثبات .
أمّا فی مرحلة الثبوت فیحتاج إلی مقدّمات :
الاُولی: أنّ حقیقة الحکم هی الإرادة التشریعیة التی یظهرها المرید بأحد مظهراتها من القول أو الفعل ، والحکم بهذا المعنی لا یکاد یتحقّق فی الخارج لمصلحة کامنة فیه ، بل لابدّ وأن یکون لأجل مصلحة فی متعلّقها .
الثانیـة: أی قیود متعلّق الحکم علی نحـوین : أحدهما : مـا یوجب بوجـوده فی الخارج تحقّق المصلحة فی متعلّق الحکم ، والثانی : ما یتوقف علی وجوده فی الخارج فعلیة تلک المصلحة وترتّبها علی متعلّق الحکم حین الإتیان به کالطهارة بالنسبة إلی الصلاة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 75 الثالثة : أنّ تحقّق المصلحة فی متعلّق الحکم تتوقّف علی تحقّق شرطها ، وهو شرط الوجوب فی الخارج . وأمّا تحقّق الإرادة التشریعیة تتوقّف علی تصوّر ذلک الشرط وملاحظته بما هو علیه من التأثیر بحدوث المصلحة فی متعلّق الحکم ، فإذا التفت العاقل إلی فعلٍ مّا ؛ فإمّا أن یجده ذا مصلحة مطلقاً أو علی تقدیر دون تقدیر ، فعلی الاوّل : یکون تصوّره لذلک الفعل کذلک واعتقاده بکونه ذا مصلحة مطلقاً موجباً لهیجان شوقه إلیه ، حتی یصیر ذلک الشوق إرادة ؛ إمّا تکوینیة تحرّک المرید علی فعل متعلّقها ، وإمّا تشریعیة تبعث صاحبها علی إنشاء طلب متعلّقها ، وعلی الثانی فإمّا أن یجد ذلک التقدیر حاصلاً فی الخارج أم لا ؟
وعلی الأوّل : یکون حاله حال القسم الأوّل فی فعلیة الإرادة ـ تکوینیة کانت أم تشریعیة ـ لأنّ کون الفعل ذا مصلحة وإن کانم مشروطاً بأمر خاص وعلی تقدیر دون تقدیر إلاّ أنّ العاقل لمّا التفت إلیه وجد التقدیر حاصلاً فی الخارج ، ووجد الفعل ذا المصلحة بالفعل لحصول شرطه کما هو المفروض .
وعلی الثانی : فلا محالة یرید ذلک الفعل علی تقدیر حصول الشرط المتوقّف علی حصوله فی الخارج اتّصاف ذلک الفعل بالمصلحة .
وهذه الأقسام وإن اشترکت فی فعلیة الإرادة فی نفس الملتفت المزبور إلاّ أنّ الإرادة فی القسمین الأخیرین لها ارتباط ذاتی بالتقدیر المزبور ـ سواء کان المرید قد وجد ذلک التقدیر حاصلاً فی الخارج حینما التفت إلیه أم لم یجده ـ ولذا لا یخرج الواجب المشروط عن کونه واجباً مشروطاً حین تحقّق شرط الوجوب فی الخارج ـ سواء کانت الإرادة متعلّقه بالفعل المراد علی نحو القضیة الحقیقیة أو الخارجیة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 76 إذا عرفت ذلک فنقول : إنّ الآمر إذا التفت إلی کون فعل غیره ذا مصلحة علی تقدیر خاص لا مطلقاً أراده منه علی ذلک التقدیر ، فإن لم یجد مانعاً من إظهار إرادته ، یظهرها بمظهر ، من قول أو فعل ، کأن یقول : إفعل کذا إن کان کذا ، أو یُشیر إلی هذا المعنی ببعض حرکاته ، فإن أظهر إرادته التشریعیة کذلک یعتبر العرف من هذه الإظهـار حکماً وطلباً ، وهذا هو الحکم الفعلی المشترک فیه العالم والجاهل ، فالوجوب ـ مثلاً ـ سواء کان مطلقاً أم مشروطاً إذا أنشأه المولی بالنحو المزبور صار حکماً فعلیاً ، علم به المکلف أو لم یعلم ، حصل شرطه فیما لو کان مشروطاً أم لم یحصل ، ولا یعقل أن یکون للحکم بالمعنی الذی ذکرنا نحوان من الوجود وإن کان مشروطاً ، لیکون الحکم المشروط حکماً إنشائیاً قبل تحقّق شرطه وحکماً فعلیاً بعد تحقّق شرطه .
فأورد علی نفسه بأنّا نری الفرق وجداناً بین الوجوب المطلق والمشروط ؛ لأنّ المکلّف المنقـاد إذا علم الواجب المطلق یشرع بامتثاله من دون انتظار شیء ؛ لأنّه یری تمامیة التککلیف فی حقّه من ناحیة مولاه ، بخلاف ما لو علم الوجوب المشروط علی أمر لم یوجد بعد ؛ فإنّه لا یعقل کذلک لأنّه یری نفسه غیر مکلف بشیء قبل تحقّق شرطه . وبهذا المعنی من الفرق بین الحکمین صار أحدهما فعلیاً والآخر إنشائیاً .
فأجاب بأنّ الفرق بینهما لیس من جهة أنّ أحدهما فعلی والآخر إنشائی ؛ لأنّ کلاًّ منهما بعد تحقّق الأمر فعلی ، والفرق إنّما هو من جهة الفرق فی سنخ الفعلیة ؛ لأنّ حقیقة الوجوب المطلق إرادة الفعل من المکلّف علی کلّ تقدیر ، ومن آثاره انبعاث المکلّف المنقاد إذا علم به نحو الفعل بلا حالة منتظرة ، وأمّا حقیقة الوجوب المشروط فحیث إنّها عبارة عن إرادة الفعل من المکلّف علی تقدیر خاص فیکون أثره عدم انبعاثه نحو الفعل قبل تحقّق المعلّق علیه ، فکلا هذین النوعین من الوجوب مشترک فی
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 77 الفعلیة عند تحقّقها من المولی ولکن تختلف آثارهما لاختلاف حقیقتهما ، وفعلیة الوجوب لا یستلزم الانبعاث لیستدلّ بعدمه علی عدمها .
لا یقال : إنّ من یقول برجوع الشرط إلی الهیئة یری أنّ إرادة الواجب فی نفس المولی معلّق علی تحقّق الشرط فی الخارج ، فقبل حصول الشرط لإرادة ولا وجوب ، وبعد حصول الشرط یتحقّق کلّ منهما بخلاف الواجب المعلّق عند قائله ؛ فإنّ الوجوب فیه مطلق والواجب مقیّد بعکس الواجب المشروط فیما أشرتم إلیه ؛ فإنّ الوجوب فیه مقیّد والواجب مطلق .
لأنّا نقول : بإنّ توقّف الإرادة فی نفس المرید علی حصول الشرط خارجاً خلاف الوجدان ؛ لأنّا نجد من أنفسنا إرادة العمل الذی یکون فیه مصلحة علی تقدیر خاص وإن لم یکن ذلک التقدیر متحقّقاً بالفعل ، ورجوع القید إلی الهیئة وإن کان حقّاً لا محیص عنه لکنّه لا یقتضی عدم تحقّق الإرادة قبل تحقّق القید فی الخارج ، بل تحقّق الإرادة بالفعل منوطة بالقید فتکون نتیجة الهیئة بعد رجوع القید إلیها الإرادة الفعلیة المنوطـة فی قبال الواجب المعلّق الذی تکون الإرادة المطلقة فیه معلّقة بالفعل المقیّد ، إنتهی محرّراً.
أقول : فیما ذکره مواقع للنظر :
فأوّلاً : فیما انتسبه إلی المشهور فی معنی الواجب المشروط من أنّ الإرادة فی الواجب المشروط تعلّق بالمراد علی تقدیر خاص ولم یثبت لنا ذلک ؛ لأنّهم قسّموا الوجوب إلی المطلق والمشروط ، والظاهر أنّ الوجوب عندهم عبارة عن البعث والإیجاب لا الإرادة ولا الإرادة المظهرة ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 78 وثانیاً : فیما ذهب إلیه من أنّ الحکم عبارة عن الإرادة المظهرة ، ربما یظهر من بعض کلامه قدس سره أنّ متعلّق الإرادة التشریعیة الواجب والفعل ، وقد یظهر من بعض کلامه الآخر ـ کما فی ذیل کلامه ـ أنّ متعلّق الإرادة هو الطلب .
وکیف کان : یمکن أن یکون مراده بمتعلّق الإرادة أحد هذه المعانی :
الأوّل : أن یراد وجود الشیء وإیجاده فی الخارج أو إرادة عدمه فیه ، فینتزع من إرادة الوجود الوجوب ومن إرادة العدم الحرمة .
الثانی : أن یراد وجود الفعل وإیجاده من المکلّفین .
الثالث : أن یراد إرادة الإیجاب والإلزام علی المکلّفین فی الواجبات ، وإرادة الاستحباب فی المستحبّات ، وإرادة التحذیر فی المحرّمات ، إلی غیر ذلک .
فإن کان مراده المعنی الأوّل فلازمه انتزاع الوجوب من إرادة الله تعالی إیجاد الحجر أو المدر ، ـ مثلاً ـ وهو کما تری ممّا یضحک منه الثکلی .
وإن کان مراده المعنی الثانی ، فمقتضاه أن لا یکون فی الخارج ماصٍ أصلاً ؛ لاستحالة انفکاک مراده تعالی عن إرادته ؛ لأنّه إن أراد تعالی من المکلّفین إیجاد الفعل، فالإرادة الأزلیة تلزمهم إیجاده ولو عن اختیار ، ولا یمکنهم التخلّف ، ومـن أجـل هـذا المحذور قال الأصحاب بالإرادة التشریعیـة ، لکن بالمعنی الـذی لا یلزم منه المحذور .
هذا بالنسبة إلی إرادته تعالی .
ویلزم إشکال آخر وهو أنّه إذا تعلّق إرادة أحد من المولی العرفیة بإیجاد فعل من عبیده ، ویعلم المولی أنّه لو طلب من عبده بنحو الالتماس والاستدعاء شیئاً لیوجده فی الخارج حتماً ، فإرادته منه مشفوعاً بالالتماس والاستدعاء لا یکون واجباً بل التماساً واستدعاءً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 79 فتحصّل : أنّه لو کان المراد إرادة الإیجاد من المکلّفین ، فمضافاً إلی لزوم محذور عقلی بالنسبة إلی إرادته تعالی یلزم فیما لو قارن المولی العرفی إرادته إیجاد الفعل من عبیده بالالتماس والاستدعاء ، أن یکون واجباً مع أنّه لیس بواجب بل التماساً .
فإذا بطل الأمران فیتعیّن أن یراد المعنی الثالث ، وهو إرادة إیجاب الفعل وإلزامه علی المکلّفین مشفوعاً بذکر الوعد علی إتیانه أو الوعید علی مخالفته لعلّه یتذّکر أو یخشی .
فالإرادة المتعلّقة بالواجبات إرادة التشریع فهی إرادة تکوینیة لکنها تتعلّق بالتشریع ، فإذن تکون الإرادة من مبادئ الإیجاب والوجوب ومقدّماته وهو الأثر الحاصل من الإرادة، فلا یعقل أن تکون الإرادة من مقدّمات الإیجاب والوجوب ، فالقول بأنّ الحکم هی الإرادة المظهره غیر وجیه ، فالإرادة مطلقة تتعلّق تارةً بإیجاب شیء مطلقاً أو علی تقدیر ، فتدبّر .
وثالثاً : لو نسلّم أنّ الوجوب عبارة عن الإرادة المظهرة ولکن لا معنی لکون الإرادة منوطة ؛ لأنّ الإرادة من الحقائق والکیفیات الموجودة فی النفس ، ولا یمکن التعلیق والإناطة فی الحقائق سواء کانت خارجیة أو ذهنیة ، فهل یمکن أن یکون الحب أو العشق موجودین فی شخص ولکن تکونان منوطتین .
وبالجملة : وزان الإرادة وزان الحب والعشق والعلم والإدراک وغیر ذلک من الحقائق الموجودة فی الزمن ، فکما لا یمکن أن یکون الحب متحقّقـاً فی الذهن ومع
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 80 ذلک منوطة بقید ، فکما لا یمکن أن یکون النهار موجوداً فی الموجودات الخارجیة ومع ذلک منوطـة بقید ، فکذلک لا معنی لکون الإرادة متحقّقة فی الذهن ولکنها منوطة بقید .
والحاصل : أنّه لو سلّم أنّ الوجوب عبارة عن الإرادة المظهرة ولکن محال أن یقال فی الواجب المشروط أنّ الإرادة منوطة ؛ لأنّ الإناطة فی الوجودات الحقیقیة خارجیة کانت أو ذهنیة لا معنی لها ویکون تناقضاً ، بل لا معنی للإناطة فی الاعتباریات أیضاً ؛ لأنّ الاعتبار علی تقدیر لا یکون متحقّقاً .
وبالجملة : لا فرق بین الاعتباریات والتکوینیات من عدم طروّ الإناطة فیهما ، فأمرها دائر بین الوجود والعدم ، نعم یمکن أن یعتبر الشیء منوطة ، وفرق واضح بین عدم الإناطة فی الاعتبار وجوازها فی المعتبر ، فتدبّر .
ورابعاً : لو سلّم جمیع ذلک فنقول : هل الحکم عبارة عن نفس الإرادة المظهرة ، أو أنّه ینتزع من مرتبة منها ، ولا أظن أن یقول به ، ولو صحّ انتزاع الوجوب من مرتبة الإرادة المظهرة فنقول : إنّ العرف یفرّق فی انتزاع الوجوب من الإرادة المطلقة ، والإرادة المعلّقة والمنوطة فینتزع من الأوّل الوجوب المطلق ، ومن الثانی الوجوب المشروط ، ولو کان الوجوب نفس الإرادة ، فحیث إنّ الوجوب والإیجاب واحد ذاتاً وحقیقةً ، والفرق بینهما بالاعتبار فهو من حیث انتسابه إلی الفاعل إیجاب ومن حیث إنّه شیء وجوب ، نظیر الإیجاد والوجود ، فلابدّ وأن ینتزع الإلزام والإیجاب عنهما أیضاً مع أنّ الإرادة لا تسمّی إلزاماً وإیجاباً.
وللمحقّق النائینی قدس سره فی المقام کلام طویل الذیل ، وحیث إنّه لبعض الجهات نتعرض له فی الواجب المطلق ، فلا یهمّ ذکره هنا ، فارتقب حتی حین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 81